المرأة التي حاولت مساعدة البشرية فاغتالها تجار الألم
تمكنت سامية ميمني من التحكم بالخلايا العصبية والكشف المبكر عن السرطان، رفضت الجنسية الأمريكية ومبلغ خمسة ملايين دولار مقابل أبحاثها واختراعاتها، وتعرضت لحادثة اغتيال لا تزال لغزاً غامضاً.
مركز الأخبار ـ جراحة أعصاب ومخترعة وطبيبة، إنها الأستاذة الجامعية سامية ميمني أول سعودية تتخصص في جراحة المخ والأعصاب، حصلت على براءات اختراع في العديد من المجالات الطبية، تم اغتيالها في ظروف غامضة في الولايات المتحدة الأمريكية.
أهداف في صالح الإنسانية أبرز مساعي المرأة
حقيقة مقتل الطبيبة السعودية سامية ميمني في الولايات المتحدة الأمريكية لا يزال الغموض يلفه على الرغم من مرور قرابة 26 عاماً، إلا أن الأسئلة مستمرة تفرض نفسها، فمن هي سامية ميمني؟، أنها الأستاذة الجامعية التي رفضت الجنسية الأمريكية ومبلغ خمسة ملايين دولار، مقابل بيع أبحاثها واختراعاتها حتى لا تكون حكراً على جهة معينة وحرمان البشرية من علمها وجهودها.
كانت سامية ميمني إحدى النساء في العالم العربي اللواتي أثبتن أن المرأة منافس لا يستهان به أمام الرجل، فقد تحدت ذاتها ومجتمعها وكسرت الصورة النمطية حول المرأة، وأصبحت ملهمة للكثير من الفتيات والنساء لتعمقن ويغصن في عالم الطب وخاصة جراحة المخ والأعصاب، ولدت في السعودية عام 1955 تحديداً في منطقة الإحساء، لعائلة تحب العلم حيث لاحظ والدها عليها علامات النبوغ والذكاء.
شكلت وفاة والدها بسبب حادث نتج عنه كسر خطير في الجمجمة فشل الأطباء في إنقاذه، دافعاً لتخوض في عالم الطب، فاستطاعت سامية ميمني كسر التوقعات لتصبح أول جراحة في بلادها، وأكملت دراستها في جامعة الملك فيصل وحصلت فيها على البكلوريوس وتم تعيينها أستاذة جامعية، إلا أن تخصص جراحة المخ والأعصاب لم يكن متوفراً في هذا الجامعة، لذلك تواصلت مع مجلس الدراسات العليا في جامعة "تشارلز آر دروف" للطب والعلوم الشهيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، أدت الاختبار في السفارة الأمريكية في السعودية ونجحت فيه ومن المرة الأولى، واجتازت الدراسة بمراحل بمنتهى الصعوبة، كرست جهودها لخدمة الإنسانية على مدى الثلاثة عشر عام من خلال القيام بدراسات كفيلة بتغيير مجرى الطب ليس في العالم العربي بل على مستوى العالم، حيث ساعدت في ترتيب معايير الإصابات والنوبات الدماغية وتوفير علاجات ستكون في متناول أفقر طبقات المجتمعات.
لم يكن نجاحها في غرف العمليات فقط بل غاصت في عالم الابتكار وتمكنت من اختراع "جهاز الاسترخاء العصبي"، وهو عبارة عن وحدات من أجهزة الكمبيوتر المحاكي الذي من خلاله تستطيع التحكم بتذبذبات الأعصاب، فكان أول جهاز لشفاء مرض الشلل الدماغي، كما سعت لتقديم أي ابتكار أو اختراع لبنات جنسها ولم تجد أكثر من مرض سرطان الثدي خطورة على حياتهن فقامت باختراع جهاز "Mars"، كما اخترعت جهاز كان بمقدوره قلب موازين الطب مؤلف من وحدات مركزية قادرة على تحديد مكان التلف الدماغي مما يسهل على الأطباء الكثير من الجهد سواء في التشخيص أو في العلاج.
بعد هذه الاختراعات والابتكارات ذاع صيت سامية ميمني بين شركات الأدوية والأجهزة الطبية التي سارعت لتقديم عروض مغرية في سبيل شراء ما توصلت إليه واحتكارها، إلا أنها كانت على إدراك تام أن هذه الشركات تسعى للمتاجرة بآلام المرضى فرفضت عروضها وفضلت أن تصل أبحاثها واختراعاتها لأوسع شريحة من المرضى حتى لو كانت بالمجان أو بأقل الأسعار.
موت غامض لأبرز جراحات الأعصاب
رحلة سامية ميمني في التفوق والابتكارات لم تكن معبدة بالأوسمة والنجاحات فقط، بل كانت محفوفة بالمخاطر حيث كانت عيون التجار بحياة البشرية وعديمي الرحمة الاستغلالين تتوجه نحو سامية وأبحاثها، إذ بدأت الايادي السوداء تسعى خلف الدكتورة حيث عرضت عليها الجنسية الأمريكية و"5" ملايين دولار للبقاء في الولايات المتحدة وتوفير مقومات المعيشة لها واستمرار عملها على الأبحاث مقابل منحهم حق التصرف في اختراعاتها وأبحاثها والتنازل عنها، لكنها رفضت أن يتم استغلال البشرية والتجارة في حياتهم عن طريق ابحاثها واختراعاتها واصرت أن تكون متاحة للبشرية أجمع، وفضلت العودة إلى بلدها الأم السعودية.
وبينما كان نجم سامية ميمني يسطع، انتهت حياتها بشكل مأساوي في 20 تشرين الأول/ أكتوبر 1997، عن عمر 42عاماً، حيث وجدت جثتها داخل ثلاجة مهملة في أحد الشوارع، بعد أن تعرضت للخنق ونهب شقتها، واختفاء أوراقها البحثية وبراءات اختراعها الطبية، لتلقي السلطات القبض لاحقاً على حارس أمن المبنى الذي كانت تقطن فيه بناء على أدلة بصمات الأصابع، ولا تزال الظروف المحيطة بوفاتها يكتنفها الغموض، ومحاطة بالشكوك، لتكون مسيرة حياة ووفاة الدكتورة سامية ميمني بمثابة تذكير مؤثر للكفاح الإنساني المستمر ضد التحيز والاحتكار.