آدا لوفلايس... مخترعة الخوارزمية وأول مبرمجة في التاريخ

آدا لوفلايس كاتبة وعالمة رياضيات إنكليزية وواحدة من علماء الكمبيوتر الأوائل في العالم، عملت على ابتكار طريقة لإدخال البيانات في آلة التحليل الخاصة ووضع أساسيات للغة البرمجة الحديثة، وقد نُسب اسم هذه اللغة إلى اسمها تكريماً لها حيث سميّت بـ "لغة آدا" وبذلك أصبحت أول مبرمجة للكمبيوتر

مركز الأخبار ـ .
كانت آدا لوفلايس فتاة صغيرة ذكية وذات مواهب تقوم بتطبيق خيالها الشعري وسحر الأرقام على العلم، وتصوير الأسطورة الرمزيّة التي أصبحت الذرّة الأولى لولادة العصر الرقمي، استطاعت أن تقرأ المستقبل وكيف تصبح الآلة شريكةً للخيال البشري، وقدرتها على استشعار الجمال في الرياضيات هي بحد ذاتها موهبة مستعصية على الكثير من الناس. 
 
"حسناء المجتمع الإنكليزي"
ولدت آدا لوفلايس في 10 كانون الأول/ديسمبر عام 1815، في لندن وتُعرف أيضاً باسم أغاستا آدا كينغ وهي ابنة الشاعر الشهير اللورد جورج جوردون بايرون، ووالدتها آن إيزابيلا ميلبانك بايرون اللذان انفصلا بعد أسابيع من ولادتها، غادرت والدتها بصحبتها وهي تبلغ من العمر خمسة أسابيع، إلى منزل جدتها جوديث ميلبانك، وعلى الرغم من قانون الأحوال الشخصية في بريطانيا يمنح الأب الحضانة الكاملة للأطفال في حالات الانفصال، إلا أنّ والدها لم يطالب بحضانتها فتكفّلت والدتها بتربيتها، ولكن غالباً ما كانت تبقى مع جدتها جوديث ميلبانك لأن والدتها أصبحت بارونة وينتورث، فلم يكن بإمكانها رؤية والدتها بكثرة.
وهي في عمر الرابعة، وبناءً على تشجيع والدتها التي خشيت من استلهامها لمزاج والدها وميوله إلى الشعر والأدب تعلّمت الرياضيات والعلوم، وبدأت آدا لوفلايس موهبة الأرقام واللغة وتلقّت تعليمها على يد عدد من المعلّمين منهم المصلح الاجتماعي ويليام فريند، وويليام كينج طبيب العائلة، وعالمة الفلك والرياضيات الاسكتلندية ماري سومرفيل وهي واحدة من أوائل النساء اللاتي تم قبولهن في الجمعية الفلكية، كما تعلّمت الموسيقى والرسم واللغات، وأصبحت تتقن اللغة الفرنسية، وحين بلغت الثانية عشرة صارت تميل إلى الهندسة الميكانيكية، وبالرغم من ذلك شعرت آدا لوفلايس بذلك الجزء الشعري الفلسفي وطلبت آنذاك من والدتها أن تسمح لها بممارسة الفلسفة والعلوم الشعرية، وعاشت بعد ذلك صراعاً بين العاطفة والعقل، بين الذاتية والموضوعية، وبين الرياضيات والأدب.
بدأت العمل على مجموعة من الاختراعات، كمحاولتها الأولى في تصميم آلة طيران تعمل على البخار تتألف من أسلاك وريش وورق وحرير، معتمدةً على دراسة تشريح الطيور حتى يكون الجسم متوافق مع الأجنحة، وجمعت النتائج في كتاب أطلقت عليه "فلايولوجي".   
عندما بلغت السابعة عشرة من العمر أُطلق عليها لقب "حسناء المجتمع الإنكليزي" لتصبح من المشاهير المحبوبين بسبب عقلها اللامع، درست في جامعة كامبريدج تحت إشراف أستاذ الرياضيات والمخترع "تشارلز باباج"، التي كانت مفتونةً بأفكاره فنشأت بينهم صداقة قوية وتطلّع للعلم، فتأثر بذكائها ومهاراتها التحليلية ووصفها بأنّها "الساحرة التي ألقت تعويذتها على واحدة من أكثر العلوم تجريداً، واستوعبتها بقوة لم يكن بوسع بعض العقول الذكورية أن تمارسه عليها".
واصلت آدا لوفلايس تعليمها حتى خلال مرضها، الذي يعود إلى زمن طفولتها المبكرة، فقد عانت وهي في عمر الثامنة من الصداع الذي أدّى بعد ذلك إلى العمى وفي عام 1829، أصيبت بالشلل بعد نوبة من الحصبة اضطرت على إثرها أن ترقد في السرير لمدة عام ومع حلول عام 1831، استطاعت المشي بواسطة عكازات وبالرغم من تعرّضها المستمر للمرض طوّرت مهاراتها في الرياضيات والتكنولوجيا.
وفي عام 1834 تزوّجت وهي ماتزال في عمر التاسعة عشرة من رجل ارستقراطي يبلغ من العمر تسعة وعشرين عاماً يدعى ويليام كينج، ولُقّب حينها بـ "إيرل لوفلايس" وأصبحت بعدها آدا لوفلايس "الكونتيسة"، أنجبت منه 3 أطفال هم بيرون ولد عام 1836، وآنا إيزابيلا عام 1837، ورالف جوردون عام 1838.
 
"ساحرة الأرقام"
منح المهندس تشارلز باباج آدا لوفلايس لقب "ساحرة الأرقام" لاهتمامها بالتطوّر العلمي وعلوم ما وراء الطبيعة والتنويم المغناطيسي، بالإضافة إلى أفكارها بإنشاء نموذج رياضياتي يوضّح كيفية عمل الدماغ وقدرته على إرسال الأفكار والدفعات العصبية وتحويلها إلى مشاعر، ولكنّها لم تتمكن من تنفيذ هذه الأفكار، واعتبرت أنّ منهجها العلمي "شاعري" ووصفت نفسها بـ "المحلل" أو "الميتافيزيقي".
زادت معارفها من خلال حضور منتديات لتشارلز باباج واستفادت من ابتكاراته في مجال التكنولوجيا فهو الذي ابتكر مفهوم الحاسوب القابل للبرمجة، وصمم أول حاسب آلي أسماه "محرك الفرق" يهدف إلى حساب الجداول التي تحتاجها المعادلات والوظائف اللوغاريتمية ومثلثية علم الرياضيات.
وما بين عامي (1842 ـ 1843) طلب منها تشارلز باباج ترجمة مقال عن "محرك باباج التحليلي" الذي نُشر باللغة الفرنسية إلى اللغة الإنكليزية والذي كتبه المهندس الإيطالي لويجي فيديريكو مينابريا لمجلة سويسرية، ثم استكملت المقالة بوضع ملاحظاتها وأفكارها الخاصة بالجانب التقني من المسألة، ونشرت المقالة في أيلول/سبتمبر 1843، ووصفت بخوارزمية المحرك التحليلي لحساب أرقام برنولي، واعتباره أول حاسوب مبرمج يتم تنفيذه خصيصاً للتشغيل على جهاز الكمبيوتر، وتُعتبر آدا لوفلايس أول من اخترع الخوارزمية، مما جعلها تصبح أول مبرمجة في التاريخ، حيث أنّها توقّعت قدرة الحواسيب على تجاوز حدود المعالجات الحسابية وتدوير الأرقام التي كان الآخرون يلزمون أنفسهم بالتركيز عليها، ونشرت بعدها الترجمة وملاحظات عن ترتيب الحروف الأبجدية الأولى "AAL".
الكمبيوتر والتقنيات هي تكنولوجيا تعود لعقود طويلة، فما اكتشفته آدا لوفلايس يعود إلى العام 1843، حين كانت الخيول ما زالت وسيلةً للمواصلات، وكان يبدو ذلك مُبهراً كيف لامرأة في زمن كهذا أن تحلّل وتكشف وتوثّق، في ظل عصر كانت أدوار النساء محدودة وكثيراً ما يتم استبعادها.
 
تجسيد سيرتها في كتب ومسرحيات
تمّ تجسيد سيرة آدا لوفلايس في مسرحية رومولوس ليني عام 1977، وجُسّدت عدة أفلام وروايات قصة حياتها، وورد اسمها في رواية جون كراولي لعام 2005، كما جسّدت شخصيتها توماسينا كوفرلي في مسرحية "أركاديا" لتوم ستوبارد عام 1993، وفي عام 1997 صدر فيلم لين هيرشمان ليسون "الحمل آدا" لعبت دورها الممثلة تيلدا سوينتنون.
حضرت آدا لوفلايس مع المهندس البريطاني تشارلز باباج الذي اعتبرته بمثابة أبيها، كشخصيتين محوريتين في رواية لـ "سيدني بادوا"، وتقمّصت شخصيتها "ليلي ليسر" في الموسم الثاني من سجلات فرانكشتاين، بدور نموذج الإنسان الآلي.
صدرت العديد من الكتب حول حياة العالمة الإنكليزية وإحياء إسهاماتها في العلوم، منها كتاب "آدا لوفلايس عالمة الكمبيوتر" من تأليف الدكتور البريطاني كريستوفر هولينجز، أورسولا مارتن، وأدريان رايس، والكتاب يسلّط الضوء على الكونتيسة منذ نشأتها في كنف والديها وكيف أنّها تفوقت في العلوم، حتى قبل وصولها للتعليم العالي، وكيف أصبحت أيقونةً للنساء المختصّات بعلوم الكمبيوتر، جاء في صفحات الكتاب "هي امرأة شابة من القرن التاسع عشر أصبحت رائدة في علوم الكمبيوتر، درست الرياضيات منذ الصغر وقادتها موهبتها للتفوق".
 
احتلت آدا لوفلايس موقعاً مميزاً في الثقافة
كرّم موقع غوغل آدا لوفلايس في اليوم العالمي للمرأة عام 2017، كما وِضع اسمها على الكثير من المعالم والمباني الأكاديمية والرسمية، منها مبنى كلية الهندسة المختصة بعلوم الكمبيوتر والاتصالات بجامعة سرقسطة في إسبانيا، بالإضافة إلى ذلك تم تسمية مدينتين صغيرتين في ألاباما وأوكلاهوما الأمريكيتين باسمها، وفي 27 تموز/يوليو 2018، قدّم السيناتور رون وايدن عضو مجلس الشيوخ الأمريكي مقترحاً بتسمية 9 تشرين الثاني/أكتوبر2018، يوماً وطنياً لآدا لوفلايس تكريماً لإسهاماتها كامرأة رائدة في مجال العلوم والرياضيات، وفي كانون الأول/ديسمبر1980، عملت وزارة الدفاع الأمريكية على وضع اسم "آدا" على لغةٍ حاسوبية موحدة جديدة، سميّت على شرفها، وتمّ إنشاء مؤسسة تختص بتطوير العلوم والتكنولوجيا لكي يتم إحياء ذكرى الكونتيسة والتأكيد على دور المرأة في هذا الأمر.
 
لوحة تذكارية باللغة اللاتينية
في عام 1852، توفيت آدا لوفلايس، بعد معاناتها مع مرض سرطان الرحم والذي استمر لأشهر، وبناءً على طلبها دُفنت بجوار والدها في كنيسة القدّيسة مريم المجدلية في مدينة هوكنال الإنكليزية، ووِجد في مدينة نوتنغهام شاير لوحة تذكارية باللغة اللاتينية لها ولوالدها في الكنيسة الملحقة بأبراج هورسلي.