يجهلن يومهن العالمي لأن حياتهن تدور حول العمل من أجل البقاء

ريفيات أبعدتهن مشقة العمل في الريف عن مواكبة العالم الخارجي فلا يعرفن شيء عن الثامن من آذار/مارس رغم أنه يوم وجد لتقدير جهودهن.

إخلاص الحمروني

تونس - تدور حياة المرأة الريفية حول البقاء، والعمل في الأرض، وتوفير الماء والخبز لأفراد أسرتها، رغم أن يوم العالمي للمرأة أقر تقديراً لجهود أمثالها ولكنها لا تنتظر اعترافاً أو تهنئة، لأنها ترى أن ما يحتاجه الأهالي في الريف هو الدعم المادي والمعنوي، لا الاحتفالات الرمزية.

في ريف سيدي بوزيد، حيث تمتزج رائحة التراب مع هواء الريف النقي، تعيش زعرة ميساوي، امرأة تجاوزت الستين من عمرها، تحمل في قلبها حياة بسيطة مليئة بالعمل الشاق والمعاناة اليومية ولا تعرف شيئاً عن اليوم العالمي للمرأة أو عن الاحتفالات التي تقام في مدن العالم، بالنسبة لها، الحياة لا تعرف الأعياد والمناسبات الدولية، بل هي محكومة بالعمل والكدح، وتقول" لا نعرف عن هذا اليوم شيء، نعيش في الريف بتعب وصبر".

يبدأ يوم زعرة ميساوي مع أول ضوء للفجر، حيث يتسلل النور عبر نافذتها الصغيرة معلناً عن بداية يوم جديد، تخرج من منزلها قبيل الخامسة صباحاً، متجهة نحو أراضي الزيتون التي تعتني بها طوال العام، في الخريف، تجني الزيتون وتجمعه، وفي الصيف تقلم الأشجار وترويها، تعمل ساعات طويلة من أجل الحصول على أجرة يومية صغيرة، لا تتجاوز الخمسة دنانير أي ما يعادل حوالي 1.5 دولار أمريكي.

بعد ساعات العمل في الأرض، تعود لتكمل يومها في المنزل، حيث تبدأ في إعداد الطعام على الطابون "فرن من الطين" وهي الوسيلة الوحيدة للطهي في منزلها، لعدم توفر مخبز ولا محل لبيع المواد الغذائية بالقرب من منزلها.

تقضي زعرة ميساوي جزءاً كبيراً من يومها في مهمة لا تنتهي، وهي جلب المياه من "الماج" وهو عبارة عن خزان مياه قديم مدفون تحت الأرض تُجمع فيه مياه الأمطار، وفي قريتها الصغيرة، التي تفتقر إلى شبكة مياه صالحة للشرب، تعتبر هذه المياه هي المصدر الوحيد للحياة، تتحدث والتعب باد على وجهها "أيام كاملة نمشي للماجل لجلب الماء رغم قلتها"، ورغم أن بعض جيرانها قد تمكنوا مؤخراً من تركيب حنفيات المياه في منازلهم، فإن هذه التحديثات لم تشمل منزلها بعد، فهي ما تزال تعيش في منطقة بعيدة عن كل هذه الخدمات.

رحلتها إلى الماجل تكاد تكون يومية، وفي بعض الأحيان، تخرج مرتين أو ثلاث مرات في اليوم، وكل مرة تكافح من أجل سحب الماء القليل الذي يتبقى، والذي بالكاد يكفي لسقي الأغنام والدجاج والأبقار لتعود مرة أخرى للماجل "العمل على هذا المنوال بشكل يومي متعب فلم نعد نملك وقتاً للراحة"، حيث لا تكاد تشعر بالراحة بسبب الألم المستمر في ظهرها وأيديها، مضيفةً بحزن أنه في الكثير من الأحيان يفرغ الماجل، وهنا تجد نفسها مضطرة للذهاب إلى الوادي حيث الماء أقل نظافة، وتحمله بالأوعية الثقيلة، وتنقله بحذر شديد.

لكن رغم التعب، لا تفوت زعرة ميساوي الفرصة في الاهتمام بدجاجها، فهي تعتبرها مصدر رزقها الأساسي في ظل الظروف الصعبة حيث تعمد يومياً الى إخراجها من القن الصغير، وتتركها تتجول في الطبيعة بحثاً عن الطعام، بعد ذلك، تعود وتغلق الباب عليها بحذر، خوفاً من أن يهاجمها الكلب أو تُسرق، وتبذل مجهوداً في رعايتها، وتستفاد من البيض لتحسين دخلها، وعندما تتوق لتحضير وجبة لحم، قد تضطر لذبح إحداها، لأن ظروفها المعيشية الصعبة لا تسمح لها بشراء لحم الخروف، الذي أصبح سعره باهظاً للغاية، أما أغنامها، فهي تتركها ترعى في الجبل حيث الأعشاب متوفرة وهي تربي عدداً قليل من الأغنام، ولا تستطيع شراء المزيد لارتفاع أسعارها.

في عالم زعرة ميساوي، لا مكان للأعياد أو الاحتفالات "العيد الذي تتحدثين عنه لا أعرف شيئاً عنه ولم أسمع به" لتكشف بذلك انعزالها عن العالم الخارجي، فبالنسبة لها، الحياة مليئة بالعمل اليومي من أجل تأمين القوت لعائلتها.

وعندما تتحدث عن هذا اليوم، تبرز في كلماتها حقيقة مريرة "أنا ونساء قريتنا نمضي يوم 8 مارس كسائر الأيام، نعمل في الزراعة ونذهب للجبل لجمع الحطب" مؤكدة أن هذا اليوم لا يعني لها شيئاً ولا لأمثالها من النساء الريفيات اللاتي تعشن في عزلة عن كل هذه التظاهرات "في ريفنا النساء متعبات من العمل ولا يعلمن بأنه ثَمَّ يوم خاص بهن".

ولا يوجد وقت لدى زعرة ميساوي للتفكير في اليوم العالمي للمرأة أو فيما يقال عن حقوق المرأة، هي فقط تلتزم بمسؤولياتها، وتعمل بكل طاقتها لتحقيق حياة أفضل لأفراد أسرتها، فهي تمثل صورة المرأة الريفية الحقيقية، التي تناضل بصمت دون أن تتطلع للاحتفال أو التقدير، فحياتها تدور حول البقاء، والعمل في الأرض وفي الحقول، وتوفير المياه والخبز لأفراد أسرتها، هي امرأة قوية، ولكنها لا تنتظر اعترافاً أو تهنئة، لأنها ترى أن ما يحتاجه الناس في الريف هو الدعم المادي والمعنوي، لا الاحتفالات الرمزية.