'يجب حماية الأطفال فهم الضحايا غير المباشرين للعنف الأسري'

تنامت ظاهرة العنف ضد الأطفال في ليبيا، وقد وصل بعض منها حد الموت، مثلما حدث مؤخراً للطفلة رابحة التي كانت ضحية للعنف الأسري

ابتسام اغفير
بنغازي ـ ، فرابحة ابنة الثلاثة أعوام توفيت نتيجة إهمال والدها، وترك والدتها لها بعد تعرضها للعنف على يد زوجها.
تثور ثائرة الرأي العام ضد مثل هذه الأعمال في وقتها من خلال صفحات التواصل الاجتماعي والتنديد عبرها، وعقد ندوات واجتماعات تطرح أسباب، ومعالجة العنف ضد الأطفال ولكن هل من حل جذري يقدم؟ الجواب لا.
فعندما قتلت الطفلة رابحة في أيار/مايو الماضي على يد والدها الذي صب الماء المغلي عليها وتركها أكثر من نصف ساعة أدت إلى إصابتها بحروق بنسبة 90 بالمئة، ثار الرأي العام في ليبيا لكنه عاد وصمت من جديد.
ولإلقاء نظرة عن قرب للحلول المقترحة لحماية الطفل من العنف الأسري، وما يترتب عليه من تبعات قد تكون نهايتها الموت، التقينا بالحقوقية والباحثة في النوع الاجتماعي حنين بوشوشة. 
تقول حنين بوشوشة "ظاهرة العنف الأسري هي ظاهرة عالمية، وليست ظاهرة عربية، أو ليبية بحتة، وتزايدت هذه الظاهرة مؤخراً، بسبب التطور الذي حدث في مناحي الحياة اليومية المختلفة، والضغوطات المصاحبة لها، خاصة في الدول التي تشهد صراعات واشتباكات ونزاعات مسلحة، إضافة إلى جائحة كورونا التي تفاقم فيها العنف الأسري إلى أبعد الحدود".
وتوضح بأنه "على الرغم من أن كل الأديان السماوية والقوانين الوضعية تجرم هذا الفعل، خاصة إذا كانت مبنية على النوع الاجتماعي، ألا أنه في البلدان العربية تم ربط مفهوم العنف الأسري بمفهوم مغالط للدين بشكل أو بآخر، وأن المرأة ناقصة عقل ودين، وفي خضم هذه التبعات التي تنتج عن العنف الأسري نسى الجميع كيفية تأثير ذلك على الطفل ونشأته فيما بعد".   
وتقول حنين بوشوشة حول المعاهدات والمواثيق الدولية الخاصة بحماية الطفل والتي صادقت عليها ليبيا "إن ليبيا صادقت على معظم هذه المعاهدات والمواثيق، ولديها قانون يمنح للأم حق حضانة ابنها بعد الطلاق، غير أن المشكلة ليست بالقوانين، وإنما في الممارسة والتطبيق، فمعظم الجهات المعنية والمسؤولة عن حماية الطفل لا تعي ذلك.
وتؤكد أن "التعامل مع المشكلات التي يخلفها العنف الأسري على الطفل، لم يضعه في الحسبان حتى المؤسسات التعليمية التي اعتقد أنه يجب أن يكون لها دور في معالجة الآثار النفسية التي يخلفها العنف الأسري على الأطفال، ومن هنا أود التأكيد على أهمية التعامل مع الآثار التي تنجم عن العنف الأسري ضد الأطفال فهو يعتبر خطوة جيدة نحو الحد من هذه الآثار ومن ثم القضاء عليها". 
وتشير حنين بوشوشة بأن عملها في جامعة الدول العربية وتخصصها في ملف المرأة جعلها تعتقد أن قطاع الشؤون الاجتماعية إدارة المرأة، والأسرة، والطفولة، وأيضاً منظمة المرأة العربية معنيين بشكل مباشر بهذه المشكلة، لذلك وضعت منظمة المرأة العربية استراتيجية لمناهضة العنف ضد المرأة، وحق المرأة العيش حياة خالية من العنف لأنه بشكل أو بآخر العنف مبني على النوع الاجتماعي.
وتنص الاستراتيجية على ضمان حق المرأة وحمايتها من كافة أشكال العنف، والحد من الآثار المترتبة على ممارسة العنف ضدها.
وتضيف بأن "جامعة الدول العربية لديها مشروع لمناهضة العنف ضد المرأة والعنف الأسري، ولكن وللأسف هذه الاتفاقية لم ترى النور منذ ست سنوات، بسبب التعديلات التي يتم القيام بها على هذه الاتفاقية، إن المشكلة تكمن في الإرادة السياسية لهذا التغيير، فاذا وجدت هذه الإرادة سيكون هناك معالجة حقيقية للعنف الأسري، وحماية الأطفال منه أياً كانت مسبباته".
وعن الأطر التي تساعد في معالجة هذه الظاهرة تقول "هي التنصيص عليها في القوانين، وإنشاء مقار مؤسساتية لاستقبال النساء المعنفات أو الأطفال المعنفين، وإيجاد رقم للتواصل في حالة الطوارئ، كما يتم أيضاً أنشاء شبكة تشاورية مشتركة من القطاعات كافة خاصة التعليمية التي من المفترض أن تكون تربوية، أيضاً كنوع من الإرشاد النفسي، وتكوين مقاربة للنوع الاجتماعي في المؤسسات بصفة عامة ووضع ميزانية واضحة لهذا المشروع، لأن المشروع ليس بحاجة فقط لمعالجة ضحايا العنف المباشر لكن من يتأثر بهذا العنف وهم الأطفال"، وتنبه حنين بوشوشة إلى ضرورة أنشاء مراكز لاستقبال المعنفات وأطفالهنَّ، وتعزيز مفهوم الدعم لهنَّ من قبل وسائل الإعلام. 
وعن سؤالنا حول أمكانية تطبيق قانون حماية الأطفال المعمول به في الدول الأوربية تجيب "لا اعتقد ذلك، ولكن هناك إمكانية أخذ التجربة والقياس عليها، بمعنى بما يتماشى مع طبيعة المجتمع، وهذا بالتأكيد يحتاج لمراكز للرصد من أجل معرفة الأماكن التي يوجد بها العنف، وماهي أكثر مسبباته، بمعنى آخر وجود دراسة توضح هذه المعلومات". 
كما تؤكد حنين بوشوشة على ضرورة بناء القدرات الشرطية في مجال النوع الاجتماعي ومعرفة العنف الأسري خاصة الممارس ضد النساء والأطفال، والعمل على زيادة العنصر النسائي في الشرطة، "ومن المهم جداً إدماج قضايا النوع الاجتماعي في السياسات وآليات عمل الشرطة، ووضع ميزانية وآلية الرقابة ووضع الخطط تعزيزاً للشراكة بين مؤسسات الدولة وبين الجهات المدنية المعنية بقضايا النوع الاجتماعي".
وتشاركنا حنين بوشوشة مقترحاً عربياً يمكن تطبيقه في ليبيا للحد من العنف الأسري، وهي تقديم الخدمة للناجيات من العنف، وليس النساء فقط وإنما حتى الأطفال، وتمثيلهم قانونياً في المحكمة، وتمكينهم نفسياً واجتماعياً، وتقديم المؤسسات للدعم القانوني والاجتماعي، والإحالة لبيت الأمان إن كانت الخطورة كبيرة، وإذا كانت الخطورة متوسطة هناك إجراءات مع العدالة والحماية، أيضاً هناك نقاش مع الحالة بشكل دائم ومتكتم، ويمكن لتدابير الحماية أن تبدأ من خلال عقد مؤتمر بحضور المؤسسات الحكومية والأهلية ذات الصلة.
وفي نهاية اللقاء تؤكد الحقوقية والباحثة في النوع الاجتماعي حنين بوشوشة على "ضرورة تواجد نيابة مختصة لحماية الأسرة من العنف، ولابد أن تكون صلاحيتها في هذا الإطار، وقضايا الاعتداءات الجنسية على النساء والأطفال، والبث في الجرائم الإلكترونية ضدهم تعمل وفقاً لإجراءات تحقق وترافع في قضايا تخص النوع الاجتماعي، ولابد من بروز دور منظمات المجتمع المدني في تقديم الخدمات للوصول إلى الفئات المهمشة، ودعم أي مبادرة للإصلاح القانوني خاصة قانون حماية الأسر من العنف، وتفعيل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها ليبيا بخصوص التمييز ضد المرأة واتفاقيات الطفل".