"وصم المرأة" سلاح الرجل في سلبها حقوقها
أكدت المحامية زينب أبو طالب أن ظاهرة "وصم النساء" انتشرت في الفترة الأخيرة في العديد من العلاقات العامة، مشددةً على أن التغيير يحتاج لوقت طويل حتى يتم التأثير في نظرة المجتمع للمرأة التي ينتقص منها دائماً.
أسماء فتحي
مصر ـ تقع النساء فريسة المجتمع وثقافته وانطباعاته عنهن، وأصبح هذا الأمر مجال استغلال الرجال في سلبهم حقوقهن بوصمهن بما لا يرتضيه محيطهم الاجتماعي، وهو الأمر الذي أودى بالكثيرات وأضاع فرصهن في الخلاص من الضغوط الأبوية المفروضة عليهن.
الوصم المجتمعي لم يعد كما كان مجرد حدث عابر أو استثنائي، بل بات منظم وممنهج يستهدف النيل من ضحيته، سواء من خلال الابتزاز الافتراضي عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، أو الواقعي بالتهديد بالفضح وكشف "المستور" الذي قد يكون محض افتراء، وتحت وطأة هذا الضغط يكمن التنازل عن الحقوق.
التشهير بالماضي مقابل الأجر الأبدي للزوجة
واحدة من القصص المؤلمة ترويها سلمى عادل "اسم مستعار"، التي لا ذنب لها في الحياة إلا أنها ارتبطت بشاب قبل زواجها، وحصل منها على مجموعة من الصور أثناء فترة ارتباطهم، وأجبرتها أسرتها على الزواج بمن لا ترغب خلال أزمة كانت تعصف بعلاقتها التي سبقت ذلك الحدث.
وقالت سلمى عادل "بعد زواجي عاد الشخص الذي كنت مرتبطة به ليبتزني بمجموعة من الصور، وتدخل زوجي وأنهى الأمر، وظننت أنه طوق النجاة والمخلص لاحتواء أزمتي، ولكنه أصبح لعنتي الحقيقية، فكلما اشتد خلافنا نتيجة مكوثه في المنزل بلا عمل أعاد إلى مسامعي كامل قصتي مع الشخص الذي ارتبطت به في الماضي، ووصفني بأبشع الألفاظ".
وأضافت "تركت المنزل ذات يوم بعدما اعتدى علي بالضرب وذهب لبيت أسرتي وجاء ليحدثني وفوجئت أن معه نسخة من الصور القديمة، وتحت تهديد الوصم قررت العودة معه، بل والموافقة على إعطائه كامل راتبي شهرياً على أن يتولى هو تدبير المنزل، فلي منه طفلتين ستوصما أيضاً بما حدث معي طوال حياتهما، ولا أرغب أن يضيع مستقبلهما كما حدث لي".
وأوضحت أنها لم تعد ترغب بشيء في هذه الحياة سوى تربية طفلتيها، مشيرةً إلى أن القانون معها وأنها في حال الإبلاغ عنه سيتم اتخاذ إجراء رادع ضد زوجها، لكن لا يمكنها أن تتحمل تبعات هذا الأمر على الأقل وسط مجتمعها.
"معدل استخدام وصم النساء لحرمانهن من حقوقهن ارتفع مؤخراً"
قالت المحامية بالاستئناف العالي ومجلس الدولة زينب أبو طالب، إن الوصم بات واحداً من الظواهر التي انتشرت في الفترة الأخيرة في العديد من العلاقات العامة والهامشية في بعض الأحيان، مؤكدةً أن هناك الكثير من الحالات بالفعل وردت على مكتبها مرتبطة بتلك الأزمة على وجه التحديد لما لها من تأثير على الضحية من جهة، وصدى في المجتمع نتيجة ثقافته الأبوية من جهة أخرى.
وأشارت إلى أن بعض الأزواج يلجؤون إلى حملة تشويه السمعة ويخبرون زوجاتهم بفعلتهم، وأنها في حال عدم رغبتها في عدم الاستمرار بالزواج ستصبح "معلقة"، أو على حد وصفهم "بيت وقف لا يمكنها الزواج أو مواصلة الحياة بدونه لانعدام أخلاقها بعد حملة التشويه".
وروت زينب أبو طالب واحدة من القصص المؤسفة بأن زوج ابتز زوجته لتكمل حياتها معه بعدما شهر بها وعند سؤاله عن تأثير قبوله بالاستمرار معها ونظرة المجتمع له بعد وصمه لزوجته واتهامها بالخيانة وفضحها قال إنه سيبدو أمام المحيطين به ضحية، ورجل كريم، وعلى خلق استطاع أن يصفح عن زوجته، ويغفر زلتها للحفاظ على مستقبل ابناءه واستمرارية أسرته.
واستطردت زينب أبو طالب في سردها لقصص الوصم المجتمعي واستغلاله بواقعة سمعت تفاصيلها من أحد الضباط بمباحث الإنترنت حول استخدام الأطفال دون السن القانونية في هذه الجريمة، وقالت "كان هناك طفل تم ابتزازه إلكترونياً بصور عارية، وحتى لا يتم نشرها في المدرسة طلب منه المبتز تصوير والدته في أوضاع مخلة سواء كانت عارية أو في الحمام، وبعد بحث من الأب والمباحث تم الوصول للجناة، وكانوا جيران يختلفون مع هذه الأسرة، وقرروا وصم الزوجة، ونشر صورها وفيديوهات لها للانتقام من الزوج المسافر خارج البلاد".
استغلال ثغرات القانون
وقالت زينب أبو طالب إن "الإباحة" والعقوبة المخففة واحدة من أهم الثغرات القانونية، مؤكدةً أن الكثير من الرجال يستغلون تلك الثغرات لسلب النساء حقوقهن.
وأشارت إلى الحوادث الأخيرة التي كان منها تصوير أخ لأخته عارية تحت التهديد لحرمانها من الميراث أو إجبارها على التنازل عنه، وتصوير الزوجة في وضع مخل لإجبارها عن التنازل عن حقوقها في حال طلبها للطلاق، وغيرها من الأمور تستخدم لدعم موقف الجاني قانونياً.
وأكدت على ضرورة أن يتم عمل تعديل تشريعي يُقيد إعطاء الأحكام المخففة أو ما يعرف بـ "الاباحة" حتى لا يكون ذريعة تساعد المجرم في الإفلات من العقاب، كما أن العدل يقتضي أن تكون العقوبة بالتساوي مع النساء، ففي جريمة الزنا عقوبة الزوج تختلف عن الزوجة رغم أن الشريعة الإسلامية لم تميز بين الرجل والمرأة في هذا الأمر على الإطلاق، مشيرةً إلى أن هذه المواد التمييزية يجب أن يعاد النظر بها.
تأثير تغيير الثقافة أقوى من القانون
تُجبر الكثير من النساء على عمل ما لا ترغبن فيه، ومواصلة ما قررن التوقف عنه، لمجرد الخوف من تلك النظرات القاسية التي ستوجه لهن كالسهام في المجتمع في حال تطور الأمر للتشهير.
وأكدت أن موكلتها سمعت من زوجها علناً بعد التشهير بها جملة غاية في القسوة "أن تعيشي معي أرحم لكِ من العار"، فهي هنا لن تعود له لأنها ترغب في ذلك بل ليحميها من الوصم ونظرات المحيطين بعدما قام بحملة تشهير ممنهجة ضدها شملت اتهامها في أخلاقها.
والزوج بحسب ما تصف المحامية زينب أبو طالب "مصدق فيما يقول وإن كان محض افتراء وكذب"، مضيفةً أن ذكورية المجتمع تمنعه من التفكير بمنطق أو حتى البحث في الأسباب التي قد تدفع رجل للعيش مع امرأة قال عنها أنه تخونه.
واعتبرت أن التغيير سيحتاج لوقت طويل حتى يتم التأثير في نظرة المجتمع للمرأة التي ينتقص منها دائماً، كما أن الأمر يستوجب العمل على الأجيال الأصغر سناً من خلال المناهج الدراسية في المرحلة الابتدائية، وكذلك على مستوى الأسرة بإرساء قواعد المساواة بين الأبناء والامتناع عن التمييز المبني على أساس النوع الاجتماعي، وإعطاء السلطات المطلقة للابن على الابنة وانتقاص قيمتها في مقابله.