وصم اجتماعي يلاحق اليمنيات العاملات في المنظمات الإنسانية
ضغوط كبيرة تتعرض لها العاملات في المنظمات الإنسانية بدءاً من التشكيك في نواياهن، مروراً بالمنع والتهديد، الأمر الذي يجعل استمرارهن في هذا العمل تحدياً يومياً.
رحمة شنظور
اليمن ـ يواجه عمل المرأة اليمنية داخل المنظمات والجمعيات المحلية والدولية حواجز مجتمعية وأسرية صارمة، إذ ينظر قطاع واسع من المجتمع إلى خروج المرأة للعمل في هذا المجال باعتباره "عيباً" وتجاوزاً للأعراف والتقاليد السائدة.
رغم الطبيعة الإنسانية والتنموية لمعظم المهام التي تؤديها النساء في المنظمات والجمعيات المحلية والدولية، إلا أنه تُربط مشاركتهن في كثير من المناطق بسلوكيات غير أخلاقية أو بانفلات اجتماعي، ما يعكس صورة نمطية قائمة على الجهل بحقيقة هذا العمل وأثره الإيجابي.
وتكشف شهادات نساء وفتيات يعملن في هذا القطاع حجم الضغوط التي يتعرضن لها، بدءاً من التشكيك في نواياهن، مروراً بالمنع والتهديد، وصولاً إلى التضييق داخل الأسرة نفسها، الأمر الذي يجعل استمرارهن في هذا العمل تحدياً يومياً.
"المجتمع اليمني يلاحق المرأة العاملة بنظرة قاسية"
تؤكد الفنانة التشكيلية باسكال الهمداني أن المجتمع اليمني ينظر غالباً إلى المرأة التي تعمل بنظرة قاسية، وخصوصاً تلك المنخرطة في العمل مع المنظمات الإنسانية، مشيرةً إلى أن "الكثير من الأهالي يمنعون بناتهم من العمل، وخصوصاً في المنظمات الإنسانية، بسبب أفكار نمطية تربط مشاركة المرأة بالانحراف أو السلوكيات غير الأخلاقية".
وتدعو باسكال الهمداني الأسر إلى دعم بناتها من خلال السماح لهن بالعمل، مؤكدةً أن "أول خطوة هي توفير مكان مستقل يحمي خصوصيتهن ويعزز احترامهن لأنفسهن ولأسرتهم، والخطوة الثانية هي السماح لهن بالعمل، ليتمكن من التعرف على حياتهن ومستقبلهن، ويثبتن أن المرأة قادرة على العطاء والإسهام الفاعل في المجتمع دون وصم أو تقييد".
"شخصية وأخلاق المرأة هي التي تحدد سلوكها"
من جهتها، تؤكد الناشطة المجتمعية نعمة الله محمد جار الله، إحدى العاملات في المجال المجتمعي والإنساني، أن المجتمع اليمني يُظهر تحفظاً كبيراً تجاه مشاركة المرأة في العمل الإنساني، وأن الكثير من الآباء يمنعون بناتهم من الانخراط في المنظمات، ظناً منهم أن ذلك قد يؤدي إلى "فساد الأخلاق"، لكنها توضح أن شخصية وأخلاق المرأة هي التي تحدد سلوكها، وليس طبيعة العمل أو مكانه، وأن الربط بين الانخراط في المنظمات والانفتاح الاجتماعي أمر خاطئ.
وأضافت نعمة الله محمد جار الله أن المشاركات كنّ مصدر دعمٍ كبير، خاصة خلال الحرب، حيث ساهمن في تقديم المساعدات للمجتمعات المحتاجة، وكانت مشاركتهن إيجابية بشكل كبير.
وترى أن "المرأة اليوم أقوى لأنها تدير شؤون المنزل والعمل الخارجي في الوقت نفسه رغم الضغوط الأسرية التي منعت بعض النساء من متابعة تعليمهن أو العمل، إلا أن استمرار المرأة بتعليمها وعملها يعزز ثقتها بنفسها وقدرتها على المساهمة في المجتمع".
وأكدت أن أغلب النساء اللاتي تبوأن مناصب خلال الفترة الأخيرة أحدثن تأثيراً إيجابياً ملموساً، على عكس بعض الرجال الذين لم يحققوا تغييرات حقيقية "مشاركة المرأة في المجتمع لم تقتصر على العمل الإنساني فقط، بل شملت أيضاً جهود بناء السلام، مما يثبت أن المرأة قادرة على مواجهة التحديات وتحقيق أثر إيجابي رغم الظروف الصعبة".
واختمت الناشطة المجتمعية نعمة الله محمد جار الله حديثها بالتأكيد على أهمية دعم الأسر للنساء وتمكينهن من العمل والتعليم "الثقة بالفتاة ومنحها الحرية لتقرر مكان عملها ودراستها هو أساس لتمكينها وبناء مجتمع أكثر شمولية وعدالة".
وتشير التقارير إلى أن النساء شكلن نحو 80 % من المستجيبين الأوائل في العديد من أنشطة الاستجابة الإنسانية في اليمن، ما يعكس دورهن الحيوي في تقديم الدعم العاجل للمجتمعات المتضررة، لا سيما في أوقات الأزمات والنزاعات.
كما ارتفعت نسبة مشاركتهن في الدورات التدريبية المتخصصة إلى 56% بعد تنفيذ برامج التمكين والتدريب اللامركزي، ما ساهم في تعزيز مهاراتهن وإكسابهن القدرات اللازمة لإدارة المشاريع الإنسانية والعمل الميداني بكفاءة عالية.
وتوضح هذه الأرقام حجم الدور المتنامي للمرأة اليمنية في المجال المجتمعي والإنساني، حيث لم تعد المرأة تقتصر على كونها مستفيدة من المساعدات، بل أصبحت فاعلاً رئيسياً في توصيل الدعم المباشر للمحتاجين، وتنظيم جهود الإغاثة، والمساهمة في التخطيط لمشاريع التنمية المحلية.
كما أن مشاركتها الفعالة تمتد لتشمل جهود بناء السلام، والعمل على تعزيز التماسك المجتمعي، بالرغم من الصعوبات والتحديات المجتمعية والأسرية التي ما زالت تقيد حركتها في بعض المناطق.