وجوه مشوهة وأرواح مثقلة... نساء غزة بين الألم والأمل

بين أزيز الطائرات وركام البيوت، تقف نساء غزة شاهدات على جراح لا تندمل، أجساد مشوهة وأرواح مثقلة بالفقد، تبحث عن علاج وعدالة وحياة طبيعية.

رفيف اسليم

غزة ـ عانت النساء في قطاع غزة من ويلات الحرب بأشكالها المختلفة، لكن كان أقسى ما أصابهن هو التشوهات التي طالت وجوههن وأجسادهن، لتبدو غريبات حتى عن أنفسهن ومن يعرفهن، يقفن اليوم في طوابير طويلة، ينتظرن بصيص أمل في عملية تجميلية تعيد لهن جزءاً من ملامحهن المسروقة، أو تحويلاً طبياً للسفر والعلاج في الخارج، وسط عجزهن عن محاسبة الجاني.

 

وجدت نفسها في ثلاجة الموتى

نجوى أبو عطوي، تقول إنها استفاقت في أحد أيام الحرب على قصف مدوي في الرابعة فجراً لتجد نفسها في ثلاجة الموتى بمشفى "العودة" جنوب قطاع غزة وما أنقذها هو مرور الممرضة بجانبها كي تسلم جثمان بجانبها فوجدت رأسها يتحرك طالبة المساعدة، فما كان منها سوى أن لبت ندائها على الفور ونقلتها لغرفة العناية المكثفة ماكثة هناك عدة أيام.

استفاقت من الغيبوبة بعد عدة أيام لتجد ابنتها قد قتلت في تلك الغارة، فيما أصيب أبنائها الخمسة إصابات متفاوتة، وقُتل 15 فرداً من عائلتها، بينهم إخوتها وأولادهم وأم زوجها، وحتى تلك اللحظة، لم تكن تعلم أن وجهها قد تشوه متحولة إلى شخص أخر.

وأضافت "بعد أن تعافيت قليلاً طلبت من زوجي أن يأتي لي بأطفالي لأراهم، كان يحاول إزالة تلك الفكرة من رأسي لكني صممت، وعندما التقوا بي، صرخوا: إنها وحش وليست أمنا"، مطالبين أباهم بأمهم الحقيقة حينها طلبت المرآة لتتأكد بنفسها، وما إن نظرت حتى غرقت في موجة بكاء متواصلة زاد من سوء حالتها الصحية.

تخاطب نجوى أبو عطوي، ابنها الصغير ذو الأربع سنوات الذي يسأل دائماً عن عينها، فتجيبه بأنها عند الطبيب، فأصبح في كل مرة تغيب بها يسألها هل سيعيد الطبيب لك عينك اليوم، متمنية لو بإمكانها العودة لشكلها وهيئتها السابقة واختفاء النظرات التي تطالعها من حولها عندما ينظرون إلى وجهها.

تعاني من صعوبة في التنفس نتيجة العمليات المعقدة التي خضعت لها في القصبة الهوائية والأنف والفكين، ما أعاقها حتى من تناول طعامها بشكل طبيعي، وتتابع جلسات الدعم النفسي، لكنها لا تشعر بتحسن خاصة عندما تتذكر ابنتها التي رحلت أو تنظر إلى وجهها.

وتخشى أن تنتقل الإصابة إلى العين الأخرى فالالتهابات الشديدة التي أصابتها مؤخراً نتيجة جرثومة تسللت لعينها أجبرتها على المكوث بالمشفى عدة أسابيع، لذلك تطالب بالخروج من غزة والحصول على عين صناعية، مشددة أنها سئمت من الظلم ومشاهدة قتل النساء والأطفال، وتتمنى انتهاء ذلك الكابوس عما قريب.

 

الإصابة شكلت لها أزمة صحية

ناريمان الطويل، قصة أخرى لامرأة تشوه جسدها فتروي "كنت أنام بالخيمة أنا وطفلي الوحيد، واستفقت على بركة دماء، وما أفزعني أن عين طفلي هي أيضاً لم تكن موجودة، نقلت إلى المشفى دون أن أعلم حجم إصابتي، التي شملت منطقتي البطن والصدر والرئة، والظهر لتشوه تلك المناطق المذكورة بالكامل نتيجة طلقة من الطائرة المسيرة، لا أدري ما نوعها ومن ماذا ركبت".

حينما أصيبت لم تجد إسعاف يقلها للمشفى بسبب ضعف قدرات القطاع الصحي في غزة فنقلها الأهل بعربة، مضيفة أن الإصابة شكلت لها أزمة صحية فلا تستطيع اليوم حمل أي شيء ثقيل أو القيام بمجهود بدني، كما هدمت ثقتها بنفسها وشكلت لديها ندوب نفسية لا تستطيع تجاوزها حتى اليوم، فلا تستطيع النظر إلى جسدها منذ وقت الحادثة وكأنها اقتص شيء منها عنوة عنها.

وتتمنى الانتقام ورفع شكوى ممن سبب لها ذلك التشوه وأفقدها صحتها وثقتها بنفسها، لكنها لا تعلم إن كانت تلك الشكوى ستجدي نفعاً وستقوم مراكز العدالة بإعادة حقها لها، وحق طفلها الذي فقد عينه اليمنى، لافتة إلى أن ما تعرضت له يعد أشد أنواع العنف التي يمكن أن تتعرض لها امرأة، خاصة أنها لا تستطيع محاسبة الجاني.

وفي ختام حديثها، تقول ناريمان الطويل، إنه لو كان بإمكانها الكشف عن منطقة الإصابة وتصويرها كي يفهم من يشاهد قصتها حجم المعاناة، لكنها محجبة وحجم الإصابة يتجاوز نصف المساحة العلوية لجسدها، مستنكرة اتهام بعض النساء لها بأن إخفاء الإصابة يقلل من خطورتها، فهي من حقها أن يكون لها جسد سليم، جميل، ومعافى، ولا يمكن لأحد انتزاع ذلك الحق منها أو التقليل من خطورة الإصابة الصحية والنفسية.