واقع مؤلم في ظل النزاع... أسر سودانية تتبرأ من أطفالها خوفاً من "العار"
كشفت منظمة تنمية الأطفال في السودان عن تبرؤ أسر من بناتهم بعد تعرضهن للاغتصاب من قبل قوات الدعم السريع خلال النزاع المستمر منذ أكثر من عامين، بسبب الخوف من "وصمة العار" الناتجة عن حالات الحمل.

آية إبراهيم
السودان ـ في ظل النزاع الدائر في السودان، تتفاقم معاناة الأطفال والفتيات القاصرات الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة انتهاكات جسيمة تهدد حياتهم ومستقبلهم، بين مشاهد العنف، والاغتصاب، والتجنيد القسري، تبرز جهود منظمة تنمية الأطفال كخط دفاع إنساني يسعى إلى احتضان الضحايا وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهم.
في هذا التقرير، تسلط المسؤولة في منظمة تنمية الأطفال ازدهار عمر، الضوء على واقع مؤلم يعيشه الأطفال في مناطق النزاع، وتكشف عن خطط وبرامج تهدف إلى إعادة بناء ما تهدم من حياة هؤلاء الأطفال، وتمكينهم من استعادة الأمان والكرامة.
قاصرات في مواجهة الصدمة
أوضحت ازدهار عمر أن بعض الفتيات القاصرات يضطررن إلى الهروب من أسرهن عقب تعرضهن للاغتصاب، خوفاً من ردود الفعل المجتمعية أو العائلية "تستقبل منظمة تنمية الأطفال حالات لفتيات دون سن الثامنة عشرة يطلبن إجراء عمليات إجهاض، إلا أن تأخر اكتشاف الحمل في بعض الحالات يجعل الإجراء الطبي غير ممكن، مما يضطرهن إلى إتمام الحمل ووضع الجنين".
وقالت إنه في حال رفض الطفلة رعاية مولودها، تتولى الجهات المختصة في الرعاية الاجتماعية مسؤولية حضانته، مشيرةً إلى أن بعض الفتيات يعانين من صدمة مزدوجة تتمثل في الاعتداء الجنسي والانفصال عن الأسرة، مما يستدعي تدخلاً نفسياً واجتماعياً من قبل المنظمة لتقديم الدعم والتأهيل اللازم لهن، كما أن هناك دعم آخر يقدم لهن عبر فتح مشاريع صغيرة.
كما تقوم المنظمة بحسب ما بينته بمتابعة حالات الإجهاض وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهن "عمليات الإجهاض لا تجرى إلا بعد فتح بلاغ والتأكد من وقوع عملية الاغتصاب".
أطفال دارفور بين الألم والأمل
وتأسفت ازدهار عمر لتعرض الأطفال لكثير من المخاطر خلال فترة النزاع الذي يمر به البلاد، مبينة أن هناك من فقد أسرته وتعرض للعنف والأمراض وهناك من فقد أطرافه، لافتةً إلى أن غالبيتهم من إقليم دارفور غرب البلاد، في المقابل تقدم المنظمة لهم الدعم عبر فروعها هناك، ولديها نقاط استقبال للأطفال في المناطق الآمنة.
أوضحت أن المنظمة، عند استقبال الأطفال القادمين من مناطق النزاع، تباشر بتسجيلهم وحصر من فقدوا أسرهم، ثم تقييم أوضاعهم النفسية والاجتماعية "يتم تقديم الدعم اللازم لهم، وتوفير الملابس، وإلحاق من هم في سن الدراسة بالمدارس مع تأمين المستلزمات التعليمية، كما يتم تنظيم أنشطة داخل المدارس، مثل الألعاب وغيرها، بهدف التخفيف من آثار التجارب القاسية التي مروا بها، في إطار برنامج يُعرف باسم "مكانا"، الذي يهدف إلى شمولية جميع الأطفال.
وأضافت أن المنظمة تعمل أيضاً على البحث عن أسر الأطفال ولم شملهم من خلال فرق من الباحثين الاجتماعيين، حتى يتمكن الطفل من العودة إلى أسرته وتسليمها رعايته.
خطط إنسانية لإنقاذ الأطفال
وأوضحت ازدهار عمر بأن 25 طفلاً تعرضوا لإصابات بشظايا خلال الفترة الأخيرة، إلى جانب تسجيل حالات اختطاف وتجنيد قسري لأطفال دون سن الثامنة عشرة "بعض الأسر تعرف أماكن وجود أطفالها لكنها تخشى الوصول إليهم خوفاً من قوات الدعم السريع"، مشيرةً إلى وقوع حالات قتل لأطفال أمام أعين أسرهم، ما يعكس حجم المأساة التي يعيشها المدنيون في مناطق النزاع.
فيما يتعلق بالخطط المستقبلية، قالت إن المنظمة تعتزم البدء بدعم الأطفال المجندين قسراً، من خلال تقديم الرعاية النفسية والاجتماعية، وإعادة من هم في سن الدراسة إلى مقاعد التعليم، مشيرةً إلى وجود برامج للتدريب المهني تهدف إلى تمكين الأطفال المنفصلين عن أسرهم ودمجهم مجتمعياً، إلى جانب مشاريع مخصصة لدعم الأسر، واستمرار تقديم الخدمات العلاجية للفتيات اللواتي تعرضن للاغتصاب.
ووجهت ازدهار عمر، المسؤولة في منظمة تنمية الأطفال، نداءً إلى الأسر بضرورة بناء علاقة قائمة على الثقة والصداقة مع أطفالهم، ليشعروا بالأمان في التعبير عمّا يمرون به، مشيرةً إلى وجود حالات اغتصاب لأطفال تتراوح أعمارهم بين 9 ـ 10 سنوات، يمتنعون عن إخبار أسرهم بما تعرضوا له، في حين تصل المعلومات إلى المنظمة من جهات أخرى.
وشددت على أهمية عدم اعتبار الاغتصاب وصمة عار، بل فهم أن الظروف القاسية التي تمر بها البلاد والنزاع الدائر هي ما عرض الأطفال لمثل هذه الانتهاكات، داعية الأسر إلى التبليغ الفوري عن أي حالة اغتصاب، لضمان حفظ الحقوق وتوفير الدعم النفسي اللازم للأطفال المتضررين.