طويلة... محطة نزوح محفوفة بالرعب والمعاناة بعد السيطرة على الفاشر
في منطقة طويلة القريبة من الفاشر، تتكشف مأساة إنسانية مروعة؛ آلاف النازحين يعيشون بلا مأوى أو غذاء، والنساء والأطفال يواجهون انتهاكات جسيمة ترقى لجرائم حرب وسط غياب الدعم الدولي.
ميرفت عبد القادر
السودان ـ على بُعد نحو 50 كيلومتراً من مدينة الفاشر المنكوبة، وتحديداً في منطقة طويلة التي تؤوي آلاف النازحين القادمين من الفاشر غربي السودان، تواجدت وكالتنا هناك لتنقل صورة عن واقع إنساني شديد التعقيد. واقع يعيشه المدنيون الفارّون من حملات الإبادة الجماعية وأعمال القتل الممنهج التي تشهدها مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور.
داخل خيام قديمة تخلو من كل شيء إلا أصوات بكاء الأطفال الجوعى، التقت وكالتنا بـ رقية آدم التي خرجت من معسكر "أبو شوك" بالفاشر بعد سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة لتروي مآسي لا يتخيلها العقل، تقول إنها خرجت من الفاشر برفقة عدد من الفتيات قاصدات لمنطقة طويلة، إلا أن هذه القوات لم تسمح لهن بالهروب وقامت باغتصاب الفتيات اللواتي برفقتها واقتيادهن لمكان مجهول، من بينهن طفلتين توفيتا في الحال من هول ما حدث لهن.
كانت رقية آدم حامل في شهرها الثامن وقامت بوضع مولودها على الطريق قبل موعد ولادتها دون وجود طبيب أو قابلة مما عرضها لكثير من المشاكل الصحية، حملت مولودها بين ذراعيها المنهكتان من الضرب والتعذيب وسارت به لمسافات حتى وصلت لمنطقة طويلة، ليستقر بها الحال داخل الخيمة، حيث لا يتوفر لها الغذاء والماء، وتعمل ابنتها الصغيرة التي تبلغ من العمر 7 سنوات في جمع الحشائش من الطريق وبيعها للآخرين لإشعال النار حتى تجمع منها أموالاً بسيطة عسى أن تسد رمقهم، وتقول رقية آدم إن الأسر مازالت تبحث عن بناتها المفقودات دون جدوى.
النساء في طويلة ليسوا بأمان
وتُعد منطقة طويلة من المناطق المستهدفة منذ بداية النزاع، إذ استقبلت خلال الأشهر الماضية آلاف النازحين الباحثين عن الأمان، رغم ضعف إمكاناتها وبُعدها عن مراكز الإغاثة الرئيسية وقربها من مدينة الفاشر بؤرة النزاع المشتعل.
وحذّر ناشطون وعاملون في المجال الإنساني من أن استمرار النزوح دون دعم كافٍ قد يؤدي إلى أزمة إنسانية أوسع نطاقاً في شمال دارفور، خاصة مع اقتراب موسم الأمطار وغياب البنية التحتية اللازمة لتقديم الخدمات.
وأكدوا أن الوضع في طويلة يعكس صورة مصغّرة من مأساة دارفور، حيث يعيش مئات الآلاف من المدنيين بلا مأوى أو رعاية صحية أو غذاء كافي، في وقت تتراجع فيه قدرة المنظمات على الوصول الميداني بسبب تدهور الوضع الأمني.
أوضاع صحية ونفسية سيئة
وأوضحت منسقية النازحين بشمال دارفور أن قوات الدعم السريع لاحقت الفارين من الفاشر على الطرق المؤدية إلى طويلة، وقامت بجمع بعضهم في منطقة قرني التي لا يزال فيها آلاف العالقين ممن تقطعت بهم السبل، بينهم أطفال انفصلوا عن أسرهم نتيجة الفوضى والرعب أثناء النزوح.
وبينت أن الأوضاع الإنسانية في طويلة بالغة القسوة والخطورة، إذ بلغت الإصابات بالطلقات النارية أكثر من 1300 شخص، بينما يعاني 1210 طفل من سوء التغذية الحاد، و700 من كبار السن في حالة صحية حرجة نتيجة انعدام الدواء والماء والغذاء.
وأشارت إلى أن عدد الناجين من الفاشر الذين تمكنوا من الوصول إلى منطقة طويلة تجاوز 15 ألف شخص، يعاني معظمهم من أوضاع صحية ونفسية سيئة نتيجة الإصابات والعنف والاغتصاب الذي تعرضوا له في الطريق.
تحرش وتفتيش مهين بحق النساء
تعرضت النساء الفارات من ويلات الحرب وجحيمها في الفاشر إلى انتهاكات عدة ليست أقل مما يحدث داخل المدينة، فقد تعرضن للضرب والتعذيب علاوة على تعرضهن عدة مرات للتحرش والتفتيش المهين والاغتصاب بما في ذلك الاغتصاب الجماعي.
وأبدت وزيرة الرعاية الاجتماعية سليمى إسحق مخاوفها مما قد يحدث للنساء بمنطقة طويلة خاصة اللواتي ظهرن بالتقارير الصحفية وروين قصصهن للإعلام، مضيفةً بأنها "قلقة بشأن المنظمات الدولية والخدمية فالدعم السريع لا أمان له".
وتقول "في أول يوم لسيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر تم توثيق اغتصاب 25 فتاة داخل جامعة الفاشر مثلما حدث تماماً عند سقوط الجنينة، فأول ما تم هو اغتصاب طالبات جامعة الجنينة وتم توثيق الجريمة لأن المنطقة كانت تتوفر فيها خدمات الإنترنت حينها، وكذلك تم التوثيق من خلال كاميرات المراقبة المتوزعة على مباني الجامعة، وهناك انتهاكات عدة بحق النساء خارج الجامعات لم يتم توثيقها لعدم وجود خدمات انترنت وكاميرات مراقبة".
وأضافت "أن قوات الدعم السريع اعتادت على استخدام العنف الجنسي كسلاح مثله مثل استخدام التجويع والقتل وإهانة الآخرين كسلوك ممنهج يستخدم ضد المدنيين حيث تعرضت النساء بطريق الموت من الفاشر إلى طويلة للتفتيش المهين والتحرش الجنسي فقد جردت النساء تماماً من ملابسهن وتم تفتيشهن وكان القصد من ذلك التعرية والإهانة والتحرش".
وبحسب ما أوردت الأمم المتحدة فإن الاغتصاب والعنف الجنسي يتم في كل مكان بالفاشر، مؤكدة على أنه منذ دخول قوات الدعم السريع لمدينة الفاشر كل التقارير الأممية أشارت إلى وجود عنف جنسي غير مسبوق.
وعما تحتاجه النساء، قالت سليمى إسحق إن النساء بمناطق ومخيمات النزوح يحتجن للأمان بشكل أساسي والدعم النفسي والوصول للخدمات الإنسانية.
حجم مأساوي للانتهاكات
وتحدثت المنسقية العامة لمخيمات اللاجئين والنازحين بدارفور عن حجم مأساوي كبير للانتهاكات الإنسانية التي تعرضت لها النساء خلال رحلة النزوح من مدينة الفاشر إلى منطقة طويلة، مؤكدة أن 150 امرأة تعرضن للاغتصاب والتحرش الجنسي أثناء محاولتهن الفرار من ويلات النزاع.
وحذرت تقارير إنسانية من أن الانتهاكات الجسيمة ضد النساء والأطفال خلال النزوح تمثل جرائم حرب تستوجب المساءلة الدولية، فيما ناشدت لتدخل عاجل من الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية لإنقاذ آلاف المدنيين المحاصرين في مناطق بدارفور.
فيما أعلنت شبكة أطباء السودان توثيق 32 حالة اغتصاب لفتيات من الفاشر خلال أسبوع، استناداً إلى مصادر طبية وميدانية عقب سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ووصول الضحايا إلى محلية طويلة، فيما تعرّضت أخريات للاعتداء أثناء الفرار.
وأدانت الشبكة هذه الانتهاكات التي قالت إنها ترقى لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، محمّلة الدعم السريع المسؤولية، داعية إلى تحقيق دولي عاجل وحماية الناجيات والسماح للمنظمات الطبية والإنسانية بالوصول دون قيود.