ترى النور بعزيمتها... شيماء أنور كفيفة تدرب المبصرين بصعيد مصر
لم تسمح شيماء أنور لإعاقتها أن تكون حاجزاً أمام طموحها العلمي والمهني، بل واجهت التحديات وتفوقت وكرست حياتها لتدريب المكفوفين والمبصرين على التعايش والتواصل وسعت لنشر ثقافة الدمج والتوعية.
إيمان سمير علي
مصر ـ شيماء أنور، فتاة من صعيد مصر، رغم ولادتها فاقدة للبصر، إلا أنها اختارت أن تُبصر بنور العزيمة والإصرار، وأثبتت أن البصيرة أعمق من البصر، وأن الإرادة قادرة على تحويل المستحيل إلى واقع، فلم تكتفِ بالتفوق الدراسي، بل تجاوزت حدود التحدي لتصبح أول كفيفة في الصعيد تُدرّب المبصرين.
شيماء أحمد أنور البالغة من العمر ثلاثةً وثلاثين عاماً، وُلدت كفيفة البصر، إلا أنّ فقدان بصرها لم يكن عائقاً أمام طموحها وإصرارها على النجاح، فتخرجت من كلية الآداب، قسم التاريخ، ثم واصلت مسيرتها العلمية بحصولها على دبلوم تربوي وآخر مهني.
تقول إنها درست في مدرسة المكفوفين منذ الصف الأول الابتدائي وحتى نهاية المرحلة الثانوية العامة، ثم التحقت بكلية الآداب، قسم التاريخ، وهي كلية مخصصة للمبصرين، نظراً لعدم وجود كليات خاصة بالمكفوفين.
وخلال المرحلة الثانوية، كانت تتلقى دروساً خصوصية في منزلها، إذ كانت المدرسة بنظام الإقامة الداخلية، وكانت تستفاد يومي الخميس والجمعة، وهما يوما العطلة، في مراجعة دروسها وتلقي الدروس الخصوصية، واستمرت كذلك حتى أنهت جميع مراحلها الدراسية بتفوّق، وكانت من أوائل مدرستها.
تحكي شيماء أنور أحد المواقف التي لا تنساها، فتقول إن والدها كان يحضر لها المدرسين إلى المنزل، ومن بينهم مدرس الرياضيات الذي رفض في البداية التعامل معها، خوفاً من عدم قدرته على شرح المادة لطالبة كفيفة، نظراً لأن الرياضيات تعتمد على الشرح بالكتابة، وهي تتعلم جميع المواد بطريقة الشفوي فقط، ومع مرور الوقت، وبعد أن لاحظ استيعابها السريع للمنهج وتفوقها، اعترف لها بأنه كان خائفاً في البداية من التعامل معها.
رحلة حياتها مليئة بالتحديات والأمل
كانت الكلية تبعد عن محل إقامتها أكثر من سبعين كيلومتراً، فكانت والدتها تصحبها يومياً في الخامسة صباحاً لتصل إلى الكلية قبل بدء المحاضرات، ثم تعود إلى عملها. شعرت شيماء أنور بالإرهاق الذي تعانيه والدتها، فقررت أن ترافق بعض الطالبات من بلدتها ليساعدنها في الذهاب إلى الكلية والعودة منها، وقد وجدت منهن كل الدعم والمساندة في الدراسة والحياة الجامعية.
أما عن نظام الامتحانات، فكان كحال الطلاب المبصرين تماماً، إذ لم تكن الكلية مجهزة لاختبارات بطريقة "برايل"، لذلك كانت إدارة الكلية توفّر مرافقين يكتبون لها الإجابات أثناء الامتحانات، بشرط أن يكون مستواهم الدراسي أقل لتجنّب الغش. وكانت تعاني من هذا النظام لأن تقديرها في الكلية كان يتأثر بخط المرافق الذي تُحاسب عليه، رغم أنها ليست من كتبه. وعندما اشتكت للأساتذة، نصحوها بأن تكتب على الورقة عبارة "إملاء كفيف" للدلالة على أن اللجنة خاصة، لكنها رغم ذلك كانت تُقيَّم على الخط نفسه.
بعد إنهاء دراساتها العليا، قررت شيماء أنور خوض الحياة العملية، وبدأت بالبحث عن عمل في مراكز التدريب المختلفة، وبالفعل عملت في أماكن مختلفة على تدريب المبصرين والمكفوفين على طريقة "برايل"، كما عملت في قصور الثقافة والمراكز الخاصة، وقدمت تدريبات في مدارس الدمج على استخدام الحاسوب، وساهمت في تدريب المبصرين على كيفية تدريب المكفوفين على ممارسة حياتهم اليومية، والاعتماد على النفس في العناية الشخصية.
وتتمنى شيماء أنور اليوم أن تحصل على منحة للسفر إلى الخارج للتعرف على أساليب تعامل المكفوفين في الدول الأخرى مع الحياة، وكيفية تأقلمهم معها، كما تحلم بالحصول على ما تُسميه "نظارة الحياة"، وهي نظارة حديثة تساعد المكفوفين على الإحساس بما حولهم من خلال اهتزازات خاصة وذاكرة إلكترونية مدمجة.