ثورة يناير... كسرت العديد من التابوهات وجعلت قضايا النساء أكثر تعبيراً عن احتياجاتهن
تمكنت ثورة يناير من كسر حالة الخوف لدى النساء حيث أسقطت الكثير من التابوهات التي لم يكن هناك مساس بها خاصة تلك المرتبطة بالعادات والتقاليد وغير ذلك.
أسماء فتحي
القاهرة ـ تأثرت المؤسسات النسوية بالثورة إلى حد كبير سواء في مساحات عملها ونطاق وجودها أو في القضايا التي يتم تناولها بشكل عام، وهو الأمر الذي جاء نتيجة الاقتراب من الحلم، حيث الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية التي اعتلت مطالب الجماهير في ميدان التحرير.
خلال تلك الفترة كانت النظرة للمؤسسات النسوية مختلفة وكأنها تغرد خارج السرب بدرجة كبير، إلا أن ذلك تغير كلياً بعد الثورة، فأغلب القضايا التي تم طرحها باتت تعبر إلى حد كبير عن الاحتياجات الحقيقية للنساء، وليست مجرد أفكار مرتبطة بـ "سيدة مصر الأولى" وما تراه بحاجة لنقاش كما كان يحدث قبل الثورة.
والمشاركات في التقرير معنا وجدوا أن كسر الخوف والوصم والتابوهات مكن النساء من البوح بشكل أكبر وأصدق عما تتعرضن له من انتهاكات سواء في المجال العام أو الخاص، وهو الأمر الذي انعكس على المضامين التي تناقشها المؤسسات النسوية وتطالب بها بعد الثورة لأن "السقف بات أعلى والحلم أقرب"، وبالتالي التمسك بالحقوق وعدم التفاوض عليها بات أكثر وضوحاً.
مساحات العمل الاجتماعي والمؤسسات النسوية
قالت مؤسسة برنامج المشاركة العامة للنساء بمؤسسة قضايا المرأة المصرية ندى نشأت أن الثورة كسرت التابوهات خاصة فيما يتعلق بمسألة حقوق النساء، مؤكدةً أنه رغم العمل الدؤوب على هذا الملف قبل الثورة، إلا أن لها دور حقيقي في كسر حاجز الخوف.
وأوضحت أن للثورة تأثير على مستوى الحقوق والحريات وعلى سبيل المثال كان هناك عمل ممتد على قانون الأحوال الشخصية، إلا أنه وبعد الثورة تحول لطلب مُلح يحتاجه جميع أفراد الأسرة ويضمن حقوقهم وخاصة النساء.
وأكدت أن الحديث عن قضايا العنف الجنسي اختلف كثيراً عقب الثورة لأن التابوهات والوصم والخوف بالفعل تم كسره وارتفع عدد الفتيات والنساء اللواتي يمكنهن التحدث عن الانتهاكات التي تحدث لهن بما في ذلك هذا الملف الشائك.
وأضافت أن ثورة يناير خلقت حالة من الإحساس بالمساحات على المستوى الاجتماعي في عمل المؤسسات الذي اختلف حتى في المطالبات التي يقوموا بها، فقانون الأحوال الشخصية تم تعديل الكثير فيه بعد الثورة لأن النساء بتن تشعرن بمساحتهن أكثر لكون سقف الحقوق المرغوب بها أيضاً ارتفع وباتت هناك الكثير من القضايا يتم تناولها بشكل مختلف كما هو الحال أيضاً بالنسبة لقوانين مناهضة العنف التي باتت أقوى بعد يناير.
وأوضحت أن حقوق النساء كانت مرتبطة بالحكومة بشكل أو بآخر قبل الثورة وهناك عدد من التعديلات التشريعية كانت تطلق عليها اسم زوجات الرؤساء السابقين ولكن بعد الثورة باتت التعديلات ناتجة عن الاحتياجات التي تخص جموع النساء وتولد من الأرض ولم تعد تأتي من رأس الحكومة.
وفيما يخص مكتسبات الحركة النسوية، ترى ندى نشأت أن أحد أهم مكتسبات المؤسسات النسوية تتمثل في المساحات التي يعملون بها خاصة الاجتماعي منها على منصات التواصل المختلفة أو على مستوى طرح القضايا التي يتم مناقشتها، فضلاً عن الشعور بالحرية والعدالة مع الثورة وهو الأمر الذي جعل المستهدف ملموس سابقاً وبالتالي لا يوجد تفاوض على حقوق النساء ومكتسباتهن لاحقاً وزاد التمسك بها.
وأبرز التحديات التي تواجه المؤسسات النسوية تتمثل في الانغلاق المجتمعي النسبي على القضايا التي يمكن العمل عليها، إلا أن المؤسسات متماسكة ومستمرة في العمل من أجل الانتصار لحقوق النساء لكونها باتت هدف لا يمكن التنازل عنه.
تغير في الاتجاهات والرؤى والتناول
كشفت مديرة برنامج النساء والعمل والحقوق الاقتصادية بمؤسسة المرأة الجديدة مي صالح أن الثورة أثرت على البلاد كالكل وغيرت مسارات تفكير الجميع وفرصهم، وبالتالي غيرت في الاتجاهات والرؤى واستراتيجيات المؤسسات النسوية باعتبارها تعكس واقع النساء في المجتمع المصري.
وأكدت أن الحديث بعد الثورة كثر حول المشاركة الحقيقية للنساء وإحساسهن بالمواطنة سواء في الفاعليات والأدوار أو في مناقشة التحديات التي تؤثر على النساء في المجال العام أو حتى الخاص، وهناك عدد من الملفات فرضت نفسها على طاولة المؤسسات النسوية عقب الثورة تتمثل في العنف في المجال العام والخاص وأشكاله المختلفة ومنها التحرش الجنسي، كما صعدت عدد من المجموعات الشابة النسوية في المحافظات المختلفة ورغبت في العمل المحلي.
وأضافت أن الشرارة الأولى للثورة كانت عمالية والنضال العمالي أخذ مساحة أكبر من تلك التي كانت موجودة قبل الثورة تتمثل في وجود النساء في النقابات والأدوار النقابية، فضلاً عن وصولهن لمراكز صنع القرار في أماكن العمل المختلفة، وسبل استثمار نضال النساء العمالي في تحقيق مكاسب قانونية أيضاً.
وهناك أيضاً ملف مهم تم فتحه بعد الثورة ذات الصلة بالمشاركة السياسية حيث طرحت فكرة صياغة وكتابة الدستور مرة أخرى واللجنة التأسيسية ولجنة الخمسين التي كانت مختصة بالأمر، والتي ضمت ممثلات للنساء بشخصهن ورغم أهمية ذلك إلا أن المكسب الأكبر تمثل في وجود مواد تتعلق بتمكين النساء وتواجدهن في المناصب القيادية، والقضائية، والمجالس القومية، وغير ذلك من الأمور.
وأوضحت أن المرأة الجديدة تعمل على التمكين والمساواة بين الجنسين وحقوق النساء طوال الوقت، ولكن بعد الثورة برزت ثلاثة ملفات رئيسية تمثلت في "العمل والعنف والمشاركة السياسية"، وعملوا بعد الثورة على مسألة التنظيم لعدد من القطاعات ومنها مجموعات نسوية شابة كانت تعيد قراءة المشهد من جديد ورغبن في تكوين مجموعات محلية لكونهم تاريخياً معنيين بذلك الملف من خلال منتدى الشابات وغيره، وبعد الثورة أصبح الأمر جزء من بناء وتجدد الحركة النسوية من منظور نسوي سوي، والجزء الآخر كان يتعلق بالتنظيمات النقابية وبالفعل كانت هناك الكثير من الأنشطة والبرامج التي تمت مع النساء في مجال العمل.
وأكدت مي صالح أن أهم الدروس المستفادة من الثورة تتعلق بالتنظيم والعمل الجماعي بسبب ما حدث من تأزم وإخفاق نتيجة عدم وجود كوادر يمكنهم العمل واستكمال ما بدأه الثوار، مضيفةً أن المجتمعات كانت ترى أن المجموعات النسوية تغرد خارج السرب ولكن الثورة جعلت الجميع يلمس فرصة التعبير عن الرأي والتأثير وهو الأمر الذي ألقى بظلاله مستقبلاً على حقوق النساء.