طالبان جعلت من أفغانستان سجن لجميع النساء
دفعت القيود التي فرضتها حركة طالبان على النساء كحرمانهن من التعليم والعمل الكثير من النساء والفتيات للإقدام على الانتحار وأنهاء حياتهن وأصبحن تفضلن الموت على الحياة في الوضع الحالي.
سوروشا آمين
مركز الأخبار ـ بعد مرور عامين على سقوط كابول وانسحاب القوات الأمريكية وسيطرة طالبان على أفغانستان أزادت القيود المفروضة على عمل المرأة وتعليمها والتي تسببت في إصابة عدد كبير من النساء والفتيات بأمراض عقلية مختلفة.
منذ عودة حركة طالبان إلى أفغانستان، حاولت تقييد النساء واستبعادهن من الأنشطة الاجتماعية من خلال إصدار أكثر من 20 قانوناً ينتهك بها حقهن، كما تم فرض العديد من القيود على النساء دون أوامر، ويمكن تصنيف هذه الإجراءات التقييدية ضد المرأة في أربعة مجالات رئيسية وهي "حرمان المرأة من المشاركة في الساحات السياسية، والحد من تواجدها في الأنشطة الاجتماعية، ومنعها من حقها في التعليم، وتقييد مشاركتها في الأنشطة الاقتصادية".
ومع عودة طالبان إلى السلطة، تدهور الوضع الاقتصادي، وأزدت القيود على الحريات الفردية والاجتماعية، وزيادة الفقر والبطالة، وقيود واسعة النطاق على المرأة، بما في ذلك العمل والتعليم، وفي مثل هذه الظروف تفاقمت معانة المرأة أكثر وأزدت مشاكلهن النفسية وحاولت الكثير منهن الانتحار أو خضع بعضهن للعلاج بعد محاولات الانتحار.
ووفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة، في المجتمع الأفغاني الذي تغلب عليه السلطة الأبوية، يعاني واحد من كل اثنين من المواطنين الأفغان، خاصةً النساء، من اضطرابات عقلية حتى قبل سيطرة طالبان على السلطة، لكن الوضع الآن أسوأ من أي وقت مضى، أصبح المجتمع الأفغاني منهك بسبب أربعة عقود من الحرب ويعاني الآن من قمع حرية المرأة من قبل حركة طالبان إضافة إلى الأزمة الاقتصادية.
وأن فقدان الحرية وزيادة حالات الزواج القسري وزواج القاصرات، والعنف الأسري كلها عوامل أدت إلى جعل النساء أكثر عرضة للخطر في أفغانستان خلال العامين الماضيين، مما أدى إلى إصابتهن بالاكتئاب الشديد، كما أنهن تشعرن بالقلق من أن المجتمع الدولي سوف يعتبر ما يحدث في أفغانستان أمراً طبيعياً، لكنهن فقط تريدن أن يسمعهن أحد ويفهم آلامهم العميقة.
ولكن الفتيات والشابات اللواتي لم تستطعن التكيف مع هذه القوانين تشعرن أن مستقبلهن مظلم وأنه ليس لديهن أي أهداف أو أمل في المستقبل، ولهذا السبب تحاولن إنهاء حياتهن وتقدمن على الانتحار.
ووفقاً للتقارير التي نشرها خبراء الصحة العقلية، أنه خلال العامين السابقين من حكم طالبان في أفغانستان، تسببت القيود المفروضة على عمل المرأة وتعليمها في إصابة عدد كبير من النساء والفتيات الأفغانيات بأمراض عقلية مختلفة، حتى أن غالبية المرضى في المصحات العقلية من النساء والفتيات تواجهن فيها الاكتئاب والضغط النفسي.
وأكدت التقارير أن المرأة الأفغانية، التي حققت إنجازات كبيرة في مختلف المجالات، لا يُسمح لها الآن بالعمل والنشاط أو حتى بالدراسة، وأصبحت أفغانستان سجناً لجميع النساء.
وأشارت التقارير إلى أن أفغانستان عانت كثيراً من انتشار الأفكار الانتحارية على نطاق واسع، وهذا هو الوضع الأسوأ من أي وقت مضى، والعالم أقل اهتماماً به ونادراً ما يتحدث عنه؛ وتتصدر أزمة الجوع عناوين الأخبار دائماً، لكن لا أحد يتحدث عن أزمة الصحة العقلية، وكأن الناس يصابون بالتسمم العقلي بمرور الوقت، يوماً بعد يوم ويفقدون أملهم في المستقبل والحياة، بالإضافة إلى أن الناشطات في مجال حقوق المرأة والمؤيدين لتعليم الفتيات يتعرضون للاعتقال التعسفي إلى عقد محاكم ميدانية، كل هذه الممارسات زاد الضغط عليهن أكثر.
ويلفت وضع المرأة في أفغانستان الانتباه إلى أزمة نفسية يعيشها المجتمع الأفغاني، وهي أزمة غير ملموسة ولكنها خطيرة للغاية، حيث حذر مسؤولون أمميون وناشطون في مجال حقوق الإنسان من زيادة أعداد النساء اللواتي تنتحرن في أفغانستان، وربطوا هذه التدابير بالقيود التي تفرضها طالبان على النساء، بما في ذلك الحظر على التعليم والعمل ودخول الحدائق والحمامات وغيرها من الأماكن العامة.
ومع ذلك لم يذكر بشكل واضح عدد حالات الانتحار التي حدثت في أفغانستان بعد إعادة تشكيل حركة طالبان، كما أن المسؤولون عن حركة طالبان غير مستعدين للحديث عن هذا الأمر، وفي بيان لمكتب الأمم المتحدة قالت المفوضية السامية لحقوق الإنسان أن عدد حالات الانتحار في البلاد انخفضت بين النساء والفتيات.
وقد أمرت حركة طالبان المستشفيات بعدم تسجيل إحصائيات الانتحار، وليس لها حتى الحق في الوصول إلى الإحصائيات، لكن وفقاً لهذه الإحصائيات فإن عدد النساء اللواتي أقدمن على الانتحار أكثر من الرجال في أفغانستان بنسبة 75%.
وفي العام الماضي تم تسجيل 250 حالة انتحار في أفغانستان، 188 منهم من النساء، لكن الأرقام يمكن أن تكون أعلى من ذلك بكثير، وأعلى عدد من حالات الانتحار في 10 أقاليم في أفغانستان، بما في ذلك تخار، قندوز، باميان، بادغيس، فارياب، باروان، كابيسا، نيمروز، هرات، مزار الشريف".
ومن ناحية أخرى ونتيجة للعادات والتقاليد الاجتماعية في البلاد، لا يتم تسجيل العديد من حالات انتحار النساء في أفغانستان، ويتم دفن بعضهن سراً بعد الانتحار لعدم نشر الأرقام الحقيقية، وعزوف الأسر عن تسجيل حالات الانتحار أو الإفصاح عنها حيث يعتبر الانتحار وصمة عار في بعض المجتمعات، والسبب الآخر هو ضغط حركة طالبان على وسائل الإعلام لعدم نشرها والتكم عليها.
ولكن بإخفاء عدد حالات الانتحار يجب ألا يتم تجاهل الأزمة في أفغانستان، حيث أصبحت النساء والفتيات في أفغانستان تشعرن بخيبة الأمل في تحقيق أحلامهن، كما أصبحن تفضلن البقاء والعمل في المنزل، كما أن الفتيات اللواتي كن تذهبن للتعليم حرمن من حقهن في التعليم، وأجبرن بعضهن على الزواج القسري وتمر أفغانستان الآن بفترة وصل فيها التمييز بين الجنسين ضد المرأة إلى ذروته.
كما أن القيود المفروضة في أفغانستان لا تتوافق مع القيم الأخلاقية والإنسانية، فهي تنتهك حقوق الإنسان والحريات، الأمر الذي يمكن أن يكون له آثار قصيرة وطويلة المدى، وتتمثل آثارها قصيرة المدى في الاضطرابات النفسية ويمكن أن تظهر بأشكال مختلفة بل وتزيد من عدد حالات الانتحار، واستمرار هذه الحالة على المدى الطويل يؤثر على تطور الشخصية، عندما لا تتطور الشخصية بشكل طبيعي فإنه يسبب اضطراباً في نفس الشخص. وعلى الرغم من ردود الفعل المحلية والدولية واسعة النطاق على هذه القيود، فإن مسؤولو طالبان يزعمون أنهم وفروا حقوق المرأة في إطار الشريعة الإسلامية، ولا تزال المناقشات جارية بشأن إعادة فتح مدارس لتعليم الفتيات.