سودانيات تروين معاناة نزوحهن وتشتكين تردي الأوضاع في المخيمات
تبحث النازحات في السودان عن ملاذ آمن في ظل فشل الجهود الدبلوماسية الرامية لإجراء محادثات سلام بين القوى المتنازعة في السودان، فلم تكن المخيمات تلك الملاذ نظراً لافتقارها لأبسط مقومات الحياة.
سلمى الرشيد
السودان ـ تعاني السودانيات من ظروف صعبة في مخيم مجمع السكن الداخلي لطالبات جامعة البحر الأحمر، في ظل غياب دعم منظمات حقوق الإنسان وشح المساعدات الإمكانيات المقدمة لهن وعلى رأسها مستلزمات النظافة.
تسبب الصراع الدائر في السودان منذ 15 أبريل/نيسان العام الماضي بنزوح أعداد كبيرة من النساء والفتيات والأطفال إلى مناطق أكثر أمان سواء داخل أو خارج البلاد، حيث بلغ إجمالي عدد النازحين في مخيم مجمع السكن الداخلي لطالبات جامعة البحر الأحمر 1537 نازح منه 500 امرأة و350 طفل بصحبة أمهاتهم.
قالت مشرفة المخيم رماح موسى حسن "يعد المخيم الأكبر بالمقارنة مع المخيمات الأخرى بولاية البحر الأحمر حيث يبلغ عدد الأسر فيه قرابة 359 أسرة، حيث بدء باستقبال النازحين منذ الثامن عشر من شهر حزيران العام الماضي، ليتم فيما بعد إجلاء عدد منهم إلى جزر القمر ونيجيريا وأفريقيا الوسطى وسوريا".
وأوضحت أن جملة من التحديات تواجه النازحات في المخيم "قلة الخدمات والنظافة داخله تتسبب بانتشار العديد من الأوبئة والأمراض، فقد تم تسجيل حالات وفاة سببها مرض الكوليرا، كما يهدد مرض الأنيميا الكثير من النساء اللواتي تواجهن مشكلة في الحصول على مياه صالحة للشرب"، مؤكدةً أن الصراع الدائر تسببت في تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للنازحات اللواتي فقدن عملهن وسبل عيشهن لذلك أجبرن على العمل في مجالات أخرى منها بيع الشاي والقهوة على قارعة الطرقات العامة.
بينما اشتكت النازحة نور عبد اللطيف من سكان مدينة الخرطوم تردي الأوضاع الصحية داخل المخيم وغياب الجهات المعنية بهذا الجانب خاصة وزارة الصحة بالولاية، بالإضافة لغياب دور المنظمات الإنسانية وعلى رأسها منظمة اليونسيف التي لم توفر للنازحين سوى ثلاث خيم لم تكفي العدد الكبير من النازحات، وبسبب الاكتظاظ الشديد اضطرت عدد من النساء للإقامة في فناء المخيم فافترشن الأرض والتحفن السماء، بينما قدمت لهن بعض الجمعيات المحلية بعض المستلزمات الأولية منها حقائب الكرامة.
من جانبها قالت الطفلة مريم اسماعيل وهي تذرف الدموع إنها لا تستطيع النوم نظراً لاكتظاظ المخيم والأوضاع الصحية المزرية التي يعانوها، كما أن أصوات الاشتباكات لا تفارق مسامعها.
وعن رحلة هروبها مع عائلتها أوضحت إنهم توجهوا إلى ولاية الجزيرة وكيف احتموا بأسوار إحدى المدارس في مدينة ود مدني التي اقتحمها عناصر من الدعم السريع، لتدخل في نوبة بكاء متواصل عند سماعها أصوات الاشتباكات ودوي المدافع الأمر الذي أجبر عائلتها على مواصلة المسير وقطع مسافات طويلة بحثاً عن مخرج آمن إلى أن وصلوا إلى مدينة سنار التي مكثوا فيها أيام قليلة ثم اقلتهم شاحنة إلى مدينة بورتسودان، حيث استغرقت رحلتهم أسبوع عمها الخوف وانعدام الغذاء إلى أن وصل بهم الحال إلى مخيم السكن الداخلي لطالبات جامعة البحر الأحمر.
بينما تعاني زبيدة عثمان صعوبة في الحصول على العلاج الكيميائي كونها مصابة بمرض السرطان منذ خمسة أعوام، بالإضافة لارتفاع تكلفة الأدوية التي يتوجب عليها تناولها بشكل دائم، وعن رحلة هروبها من منطقة جبل أولياء التي شهدت اشتباكات عنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بينت أنه "أصبح البقاء في المنطقة يشكل خطراً على المدنيين هناك، كما أن الطائرات كانت تلقي رسائل تطالب فيها بإخلاء المنطقة"، مضيفةً أنها غادرت جبل أولياء برفقة والدتها وجدتها وأبناءها الثلاث إلى ولاية الجزيرة حيث أن الطريق لم يكن آمناً واضطروا لاستقلال أكثر من سيارة للوصول إلى مدينة ود مدني.
وأضافت "شعرت بتعب شديد وكان لا بد من حصولي على جرعات علاجية بأسرع وقت إلا أن المشفى لا يتوفر فيها العلاج وليس بمقدوري دفع ثمنها على حسابي الشخصي، وما زاد الأمر سوء هجوم قوات الدعم السريع على ولاية الجزيرة لذلك كنا مضطرين لمغادرة المدينة بحثاً عن مكان أكثر أمان"، مؤكدة أن مغادرتها مدينة ود مدني كانت أكثر تعقيداً وصعوبة من رحلة الهروب من النزاع الدائر في الخرطوم، مضيفةً أنها توجهت إلى قرية تقع شرق مدينة سنار ومكثت فيها حوالي أسبوع ومن ثم توجهت إلى مدينة بورتسودان حيث تقيم في مخيم السكن الداخلي لطالبات جامعة البحر الأحمر.
وهذا حال النازحة زينب السماني من مدينة نيالا حيث أكدت أن ما زاد الخطر عليها وعائلتها كون منزلها الذي دمر قريب من الحامية العسكرية، لذلك كانوا يختبؤون تحت الأسرة لمدة أربعة أشهر خوفاً من الاشتباكات وأصوات الطائرات، وأنها كانت تعاني كثير في الحصول على الطعام والمياه لعائلتها وفي النهاية فضلوا البقاء بدون طعام نظراً للمخاطر والتهديدات التي كانت تواجهها في رحلة البحث، مضيفةً أنه بعد تعرض منزلها للدمار سُرقت الكثير من ممتلكاته بالإضافة لتعرض محلها لبيع المواد الغذائية للسرقة وتعرضت العديد من المواد فيه للتلف بسبب مرور فترة طويلة على تخزينها أو بسبب الأمطار.
وأكدت أن الوصول للأسواق في ظل الاشتباكات المستمرة بين طرفي النزاع هو موت محتم، فقد توفيت إحدى جارتها وقريباتها جراء سقوط قذائف على منازلهن، لذلك قررت الخروج مع عائلتها إلى مكان أكثر أمان فتوجهت إلى منطقة النهود ثم إلى ود مدني ومنها إلى مدينة بورتسودان حيث تقيم في المخيم، مشيرة إلى أن الأوضاع في المخيم متردية لعدم توفر بيئة نظيفة وصحية حيث ينتشر مرض الكوليرا وحدثت حالات وفاة بسبب عدم عزل المرضى عن بقية النازحين ولعدم توعيتهم حول كيفية التعامل مع مرضى الكوليرا، لافتةً إلى أن وزارة الصحة قامت برش مبيدات في المخيم بعد حدوث وفيات بسبب هذا المرض، ولا زالت بيئة المخيم غير نظيفة حيث هناك انتشار كثيف للذباب والبعوض، ونظراً لعدم وجود عدد كافي من دورات المياه تضطر النساء لقضاء حاجتهن في العراء هذا الأمر يزيد من انتشار الأمراض المعدية.
وعن دعم المنظمات والجهات الحكومية للمخيم قالت إن المشافي الحكومية لا تقدم أي دعم للنازحات خاصة التحاليل الطبية والدواء حيث تقمن بدفع مبالغ باهظة لشراء الدواء بينما في حقيقة الأمر وفي ظل الظروف التي تمر بها البلد على الحكومة تقديمها بالمجان للمدنيين، بالإضافة لقلة المساعدات الإنسانية التي كانت تقدمها المنظمات الإغاثية التي بدورها حرمت النازحين في المخيم منها.
منى العلي اسم مستعار قالت أن الصراع الذي انطلق من العاصمة الخرطوم في منتصف نيسان/أبريل، بث الخوف والرعب في نفوس المدنيين لذلك هربت مع أطفالها على الرغم من صعوبة توفر وسائط نقل في المدينة لذلك اضطرت لاستقلال عربة صغيرة، مؤكدة أن "الرحلة لم تكن سهلة فقد تعرضنا للسرقة من قبل عدد من عناصر الدعم السريع" قبل وصولهم إلى ود مدني ثم مدينة بورتسودان.
وأوضحت أنه بوصولها مع طفليها إلى المخيم بدأت معاناة من نوع أخر بسبب تردي الأوضاع المعيشية والصحية في المخيم، فالمياه غير متوفرة بشكل كافي بالإضافة لعدم توفر الأدوية اللازمة للأطفال أو توفرها بأسعار تفوق قدرتهن المادية كونهن بتن بلا عمل، لافتةً إلى أن وضعها الصحي متردي وكذلك أحد أطفالها الذي عرضته على الوحدة العلاجية في المخيم ولم توفر له الدواء المناسب، مطالبةً بتوفير فرص عمل للنازحات حتى يتمكن من تحمل أعباء المعيشة خاصة في ظل غياب الدعم سواء من قبل الحكومة أو المنظمات الإنسانية.
من جانبها قالت مريم. أ من سكان بمنطقة الحاج يوسف إن الاشتباكات المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع كانت تهدد حياتها وأسرتها لذلك كانت مجبرة على ترك منزلها والبحث عن مكان أكثر أمان واستقرار، خاصة أن هذ الصراع بات يهدد حياة أبناءها ومستقبلهم كما أن منزلها دمر وسرقت ممتلكاته وجعلها نازحة في بلادها، مطالبة الجهات المعنية بضرورة توفير تعليم للأطفال الفارين من ويلات الصراع الذي أجبرها على الهروب من الاشتباكات الدائرة في الخرطوم إلى مدينة ود مدني ثم إلى بورتسودان لتقوم إحدى المؤسسات الحكومة بنقلهم إلى مخيم مجمع السكن الداخلي لطالبات جامعة البحر الأحمر.