سمر القماطي قصة الكفاح والاستقلالية رغم اعتلالاتها الجسدية

سمر سعيد القماطي فتاة ليبية تعمل بمكتب الرعاية الصحية الأولية، أصبح العكاز رفيقها بعد أن أصيبت بعدة اعتلالات جسدية، تقول "أقوم بأعمال ونشاطات قد لا تقوم بها فتاة صحتها الجسدية ممتازة

ابتسام اغفير
بنغازي ـ ، أنا اتقبل نفسي كما أنا الآن، وحياتي تسير بشكل طبيعي". 
سمر سعيد القماطي (34) عاماً تحمل بكالوريوس صحة عامة، قسم التغذية، من جامعة بنغازي، تعمل بمكتب الرعاية الصحية الأولية، قسم الأمومة والطفولة، وعملت سابقاً بمكتب الإعلام والتوعية والتثقيف الصحي، بإدارة الخدمات الصحية بنغازي، أصيبت بعدة اعتلالات جسدية بحسب ما تحب أن تسميها بدلاً من كلمة مرض، كان أولها إصابتها بداء السكري في مرحلة الطفولة، وبعد ثمانِ سنوات أصيبت بالتهاب القولون التقرحي، ونتيجة لمضاعفات هذين المرضين أصيبت بالتهاب مزمن في جذور الأعصاب أثر على حركتها الجسدية وأصبح العكاز رفيقها. 
تقول سمر القماطي عن حياتها بعد إصابتها بهذه الاعتلالات "أعيش حياة طبيعية رغم إصابتي بثلاثة مشاكل صحية مما جعل حركتي محدودة وبطيئة"، وتضيف "كان الأمر المحزن إنني أصبت بالتهاب مزمن في جذور الاعصاب في فترة مشروع تخرجي، مما جعلني أوقف دراستي وأسافر لتونس من أجل العلاج، وعندما انهيت فترة علاجي عادت حياتي طبيعية وتخرجت من الجامعة، وحصلت على عمل في الدولة كموظفة بإدارة الخدمات الصحية". 
"اعتلالاتي لم تجعلني عالة على أهلي"
تقول سمر القماطي عن دعم أهلها لها "عائلتي حريصة كل الحرص على صحتي، ولكني لا أحب الجلوس في المنزل وأن أكون عالة عليهم، أحب أن أكون مستقلة خاصة من الناحية المادية، عائلتي لم تمنعني من عمل ما أحب أو الخروج بحجة الخوف على صحتي، لأنني أخبرهم باستمرار أن ما أقوم به يزيد من ثقتي بنفسي ويمنحني الصحة". 
وتؤكد بأنها عملت دون راحة في فترات كثيرة "خلال عام 2014 عملت بشكل يومي، وللفترتين الصباحية والمسائية، وكنت أقوم بإعطاء دروس خصوصية لطلبة السنوات الثالثة والرابعة في كلية الصحة العامة قسم التغذية"، وتضيف "أقوم بإلقاء محاضرات توعوية بين الحين والآخر، وأذهب لحضور الأمسيات القصصية والشعرية والثقافية، فأنا أهتم بهذا الجانب كثيراً".
وتصر على أن عملها ونشاطاتها الأخرى لا تؤثر سلباً على حالتها الصحية، وإنما تشجعها وتدفعها للمضي قدماً في حياتها "عندما يسألني أهلي هل أنت على ما يرام؟ أخبرهم بأن صحتي جيدة من أجل أن أستمر وألا يضايقني أحد".
وتشير إلى الفترات المزمنة التي تمر بها بين الحين والآخر "رغم الانتكاسات التي أتعرض لها بسبب مرضي فمثلاً أواجه ارتفاع السكري، أو أصاب بتهيج في القولون التقرحي، أو أعجز عن الحركة، أقول إنها فترة وجيزة وتمر لن أبقى دائماً هكذا، وفعلاً بعد فترة أعود لممارسة عملي ونشاطي". وتضيف "رغم حركتي البطيئة والشعور بالتعب في كثيرٍ من الأحيان إلا إنني لا أحب الجلوس في البيت والبقاء دون عمل".
ولكن بسبب جائحة كورونا اضطرت للمكوث في المنزل وعن تلك الفترة تقول "هذا شيء غير طبيعي، كانت فترة صعبة ولكني سوف أستأنف نشاطاتي بعد شهر رمضان".   
في كل مرة تجربة جديدة
سمر القماطي لم تتوقف عن ممارسة عملها ولكنها وفي كل مرة تقوم بتجربة جديدة "انضممت إلى مشروع صناعة القُراء، وكانت تجربة فريدة أن أقوم بالإشراف على مجموعة من الأطفال يقرؤون 30 كتاباً، ثم أقوم بتقييمهم بعد ذلك". هذا العمل جذب انتباه المشرفين لها مما جعلهم يضعون اسمها ضمن الفريق المراقب، بحكم المهارات التي تملكها.
"يستفزني الناس عندما يصفونني بالمريضة"
وعن سؤالها إن كانت هذه الأمراض قد أثرت على نفسيتها تقول "لا أحب أن استخدم كلمة أمراض لما أعانيه لأن المرض هو المرض العقلي الذي يمنعك من القيام بما تحب، وإنما أنا أعاني من مشاكل صحية، أو اعتلالات جسدية، ولم تؤثر هذه الاعتلالات على نفسيتي، فعندما كنت طفلة وأخبروني بإصابتي بداء السكري لم أحزن أو أبكي مثل باقي الأطفال".
وعن تعامل الناس معها تقول "أكثر ما يثير غضبي هو استخدام كلمة البنت المريضة من قبل بعض أقاربي، لا أحب هذا اللفظ فأنا لست مريضة أو معاقة أنا لدي اعتلالات جسدية فقط، وأقوم بأعمال ونشاطات قد لا تقوم بها فتاة بصحة جسدية جيدة".
"لا يوجد شيء أهم من الصحة"
تؤكد سمر القماطي بأنه لا يوجد شيء أهم من الصحة، "كنتُ أظن أن الدراسة أهم من الصحة وكنت أهمل صحتي من أجل الحصول على الترتيب الأول في الجامعة، ولكن بعد إصابتي بهذه الاعتلالات أيقنت بأن الصحة أهم شيء فهي التي تجعلكِ تقومين بكل شيء، وهي أساس أركان الصحة الأخرى، العقلية والروحية والنفسية".
"استثمري وقتك فلا يوجد شيء مستحيل"
في ختام حديثها قدمت سمر سعيد القماطي نصيحة لكل امرأة أو فتاة سواء كان لديها مشاكل صحية أو سليمة أو من ذوات الإعاقة وهي أن تستمر في حياتها بشكل طبيعي "يجب أن تستثمر كل امرأة وقتها، وتخصص حتى ولو ساعة في اليوم من أجل تعلم شيء جديد عن طريق اليوتيوب، أو قراءة كتاب والاطلاع على كل مفيد، أو التسجيل في الدورات عبر الانترنت، وأن تهتم بأركان الصحة الأربعة الجسدية والعقلية والنفسية والروحية، فأنا لست النموذج الوحيد فهناك نساء فقدنَّ أطراف أو ولدنَّ بدونها لكنهنَّ فاعلات وناشطات في المجتمع، فلا يوجد شيء مستحيل".