"سجن ناعم" قصة جزائرية تعرضت للعنف
لم تكن قصة حفصة بارا مجرد حكاية زواج انتهت بالطلاق، بل كانت رحلة من الانكسار والصبر عاشتها الفنانة تحت غطاء الحب والشراكة المهنية، قبل أن تكتشف أن ما عاشته كان أشبه بـ "سجن ناعم" مبني على العنف والتلاعب والسيطرة النفسية.

نجوى راهم
الجزائر ـ العنف ضد المرأة يستخدم للتعريف بأفعال عنيفة تمارس بشكل متعمد تجاه النساء، وهو يستند إلى جنس الضحية كدافع رئيسي منه الجسدي أو النفسي وحتى الاقتصادي، وهي تشبه جرائم الكراهية، وتجد المرأة صعوبة في الإفصاح عنها قد يكون ذلك خوفاً من المجتمع أو من ارتفاع وتيرة العنف.
قد تجد النساء صعوبة في طلب المساعدة بعد تعرضهن للعنف خاصة في ظل شعورهن بالعجز وانعدام السيطرة وعدم يقينهن بالحصول على الأمان، إلا أن الجزائرية حفصة بارا تحدثت بجرأة عن التفاصيل الدقيقة التي أخفتها لسنوات، عن رجل شاركته الحياة والمهنة، وعن شركة فنية بنتها بساعديها، ثم تحوّلت إلى ساحة صراع نفسي وانتهاك جسدي.
ففي عام 2015، تعرفت حفصة بارا، طالبة بالمدرسة العليا للفنون الجميلة بالجزائر العاصمة، على شاب يحمل الجنسية الكاميرونية، كان يشاركها نفس الشغف بالفن، توطدت العلاقة بينهما، وتوّجت بالزواج، ليبدأ معها فصلٌ جديد ظنّت أنه سيكون بداية لحياة مستقرة، خاصة بعد إنجاب طفلهما الأول، لكن الاستقرار لم يدم طويلاً، حيث بدأت تظهر على زوجها سلوكيات غريبة واضطرابات في التعامل، وكانت حفصة بارا في كل مرة تُقابل العنف بالصمت، محاوِلةً إنقاذ ما يمكن إنقاذه من صورة الأسرة.
وفي عام 2017، اقترح عليها زوجها إنشاء شركة للإنتاج والإخراج السينمائي، بحكم تخصصهما المشترك، وافقت حفصة بارا بحماس، وكانت هي من تولّت الإدارة والتسيير، واستثمرت علاقاتها في المجال الفني لإنجاح المشروع، لكنها، ورغم كل جهودها، كانت تدفع زوجها إلى الواجهة، تقدم له الضمان، وتُبرز دوره في المحيط المهني.
لكن بمرور الوقت، بدأت الضغوط تتزايد، وأصبح الزوج يطالب بثنائية التسيير، ويتذمر من طريقة عملها، رغم أنه لم يكن يملك المعرفة الإدارية الكافية، وعندما حاولت مناقشة الأمر، كان الرد عنفاً جسدياً متكرّراً، لكن سرعان ما بدأت في توثيق الاعتداءات طبياً، وفي كل مرة تتعرض فيها للضرب، كانت تتوجه إلى المستشفى وتُجري كشفاً طبياً، محاولة بناء ملف لحماية نفسها لاحقاً خاصة في ظل عجز القوانين عن حمايتها.
بلغ التوتر ذروته حين اشتكت موظفات الشركة من تصرفات الزوج، وعندما واجهته حفصة بذلك، هددته بحل الشركة إن لم يتوقف عن إساءاته، إلا أن الرد كان، مرة أخرى، الضرب، لكن هذه المرة، قررت عدم السكوت عن هذه الإساءة، فجمعت كافة الوثائق الطبية، وتوجهت بها إلى مركز الشرطة وقدمت بلاغاً رسمياً.
تم استدعاؤه من قبل مصالح الأمن، وأُجبر على توقيع تعهد بعدم التعرض لها مجدداً، إلا أنه لم يتقبل الأمر، وغادر المنزل غاضباً، ليعود بعد شهر باقتراح غريب: الذهاب إلى طبيبة نفسية، لكن ليس له بل لحفصة بارا.
وافقت مدفوعة برغبة في حماية أطفالها، خاصة بعد أن حصلت مؤقتاً على الحضانة، وخلال جلسات العلاج، تفاجأت بأن زوجها يحاول تقديم نفسه كضحية، ويبرر سلوكه على أنه رد فعل لاستفزازات زوجته، إلا أن الطبيبة النفسية لم تنطلِ عليها هذه الحيلة، فبعد عدة جلسات، شخصت حالته بأنه يعاني من اضطراب الشخصية النرجسية، وأكدت لحفصة بارا أنه شخص خطير في محيطه الخاص، رغم قدرته الكبيرة على ضبط انفعالاته أمام الغرباء.
نصحتها الطبيبة بألّا تبقى معه تحت سقف واحد، وأن تسير بخطى محسوبة حتى صدور حكم الطلاق، وهذا ما فعلته، بعد أن تيقنت أنه انطلق أيضاً بتشويه سمعتها بين الشركاء والمتعاملين في الوسط الفني.
رفعت حفصة بارا دعوى خلع، وطلبت من الغرفة التجارية حل الشركة التي كانت هي من أسّستها، ولم يحضر الزوج معظم الجلسات، لتُحسم القضية لصالحها، وحصلت على الطلاق، واسترجعت حقوقها الاقتصادية، وأنهت فصلاً من العنف المقنّع باسم الحب والعمل.
حيث اختصرت حفصة بارا تجربتها في رسالة موجهة لكل النساء "لا تمنحي أحداً حق تسيير حياتك، ولا تصمتي"، "لا تضعي كل ثقتك في أحد، حتى لو بدا شريكاً في الحلم، العمل هو حريتك الحقيقية، لا تسمحي لأحد أن يسيّر شؤونك المادية أو يتحكم بقراراتك، الاحترام لا يُشترى، والكرامة لا تُعطى، بل تُنتزع".
اليوم، تعيش حفصة بارا في الجزائر العاصمة برفقة أطفالها الثلاثة، في بيئة آمنة ومستقرة، خالية من الضغط النفسي والجسدية، وعادت تدريجياً إلى ممارسة فنها، وعملها، وتمسكها بالاستقلال الذي لطالما كان درعها في وجه العنف.