شيماء قائد… طفلة بتر النزاع ساقها ولم يكسر حلمها
18 بالمئة من الأطفال في اليمن يواجهون صعوبات وظيفية في الحركة أو اللعب أو التواصل، وتفيد تقارير حقوقية بأن الألغام والمتفجرات غير المنفجرة تستمران في تهديد المدنيين.
رحمة شنظور
اليمن ـ تسبب النزاع الدائر في اليمن منذ آذار/مارس 2015 في مضاعفة معاناة الأطفال، الذين لم يكتفوا بفقدان طفولتهم، بل فقد بعضهم أطرافهم وسواعدهم، وظلوا على قيد الألم والحرمان من أبسط أنشطة الحياة اليومية.
تسلّط قصة الشابة شيماء علي أحمد قائد، الضوء على جانب من الثمن البالغ الذي يدفعه الأطفال في اليمن جراء النزاع المسلح، والتي أصيبت قبل سنوات جراء سقوط قذيفة أمام منزلها في وسط مدينة تعز، عندما كان عمرها سبع سنوات فقط.
وتقول الطفلة التي أصبحت شابة بعمر الـ15 عاماً، وهي الآن طالبة في الصف التاسع "لا أنسى ذلك التاريخ أصبتُ في 29 أيار 2017 بقذيفة أدّت إلى بتر ساقي اليمنى، وكان عمري حينها سبع سنوات فقط. بعد الإصابة تغيّرت حياتي تماماً كنت أعيش في حالة صعبة جداً، مليئة باليأس والتعب، ولم أكن أريد أن أرى العالم، كنت أفضّل أن أبقى مقيدة في مكان مظلم، بعيدة عن كل شيء".
وتستعيد الشابة ذكريات ما قبل الإصابة بالقول "قبل ما حدث كنت أمشي وأجري كأي طفلة، وعندما أتذكر نفسي قبل الإصابة، أحزن كثيراً، وأدخل في حالة اكتئاب"، كانت أسابيعها الأولى بعد الخروج من المستشفى الأصعب، لم تكن قادرة على المشي بثبات، تراقب الأطفال يلعبون أمام المنزل فيما تقف هي عاجزة "كلما رأيت طفل يمشي ويلعب أحزن وأسأل نفسي لماذا أنا هكذا؟".
ورغم كل ذلك، بدأت رحلتها نحو التعافي بدعم أسرتها "تلقيت العلاج، وأبي وأمي كانوا أكبر سند لي يقولان لي دائماً واصلي حياتك، نحن معك، ولا أحد يستطيع أن يقلل منك، وفعلاً هذا الكلام أعطاني قوة كبيرة"، وتلقت علاج نفسي أيضاً ساعدها على الخروج من دائرة الألم "بعد الإصابة حزنت لمدة شهرين أو ثلاثة وبعدها تلقيت علاجاً نفسياً، وبدأت أشعر بالتحسن قليلاً شعرت أني أعود لنفسي".
قبل إصابتها، كانت شيماء قائد تقطع يومياً طريق المدرسة سيراً على قدميها، لعدم توفر باص ينقل أطفال الفئة المهمّشة ولم تكن تشكو من ذلك، بل تستمتع بالمشي وصعود الدرج ونزوله أكثر من مرة، وكأن الحركة جزء من لعبها اليومي تقول "كنت أمشي للمدرسة، يعجبني صعود الدرج ونزوله، كنت أعيش طفولتي بشكل طبيعي".
لكن بعد فقدان ساقها، أصبحت أبسط تفاصيل يومها عبئاً جديداً، انتقلت إلى مدرسة أهلية، وبدأ الباص يقلّها بدل المشي، بدا المشهد مألوفاً لكل الأطفال إلا لشيماء، التي باتت تتوقف أمام الدرج طويلاً، تتفحصه بعين الحزن قبل أن تحاول صعوده بقدم واحدة وطرف صناعي "عندما أرى زميلاتي تمشين بسهولة أحزن والوقوف عند الدرج صار أصعب شيء".
ومع الوقت، وبمساعدة أسرتها والدعم النفسي الذي تلقّته، بدأت تستعيد جزءاً من توازنها، تعلمت كيف تمشي مجدداً على قدم واحدة، وشاركت في ألعاب الحي عندما يجتمع الأطفال، محاولةً إعادة بناء ما تبقى من طفولتها.
تقول بوعي أكبر من عمرها "الحزن كان موجود وما زال قليلاً لكن أحاول أن اتقبل ما حدث وأن أعيش حياتي"، لم تتوقف الصعوبات عند الإصابة، فشيماء قائد واجهت أيضاً التنمّر في سنواتها الأولى بعد البتر "في البداية كان صعباً جداً، بعض زميلاتي كنّ يتهكمن عليّ، لكني قررت ألا أترك المدرسة مهما حدث".
ومع مرور الوقت، وجدت طريقها للتعافي الداخلي، وبدأ أداءها الدراسي يتحسّن، ووجدت في التعليم تعويضاً لأشياء كثيرة فقدتها "شجّعت نفسي واليوم دراستي أحسن من قبل شعرت أني استطعت أن أعوض بعض ما خسرته".
"نريد العيش مثل أطفال العالم"
شيماء علي أحمد قائد تنتمي إلى الفئة المهمّشة في اليمن، لكنها ترى في إصابتها حافزاً لا عائقاً آخر وتقول "الإصابة جعلتني أقوى، وحلمي أن أصبح محامية لأحاكم من تسببوا في الجرائم والانتهاكات التي أفقدتني ساقي، كما أريد أن أدرس الإعلام لأكون صوت الأطفال الذين يعانون مثلما عانيت".
وبالنسبة لها، لا يمثل النزاع صدمة فردية بقدر ما هي جرح مجتمعي واسع وتقول "الحرب لم تؤذني فقط وإنما تأذى المجتمع اليمني بأكمله"، متسائلةً "كيف يكون لنا مستقبل ونعيش بأمان؟ نريد حياة بلا ألغام ولا رصاص نريد العيش مثل أطفال العالم".
وتضيف "الحرب أخذت مني سعادتي أخذت ساقي وأخذت أشياء كثيرة، أطفال العالم يلعبون براحة، أما نحن فجأة نسمع الرصاص والقذائف ونرجع لبيوتنا".
وتظل قصة شيماء قائد نموذجاً واقعياً لتداعيات النزاع على الأطفال في اليمن، الذين فقد كثير منهم أجزاء من أجسادهم وطفولتهم، وعانوا من الحرمان النفسي والاجتماعي، وتسلط الضوء على حجم التحديات التي ترافق الحياة في بيئة يعصف بها النزاع بشكل مستمر.
حيث تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن حوالي 4.5 مليون يمني يعانون من إعاقة، وهو رقم يزداد بفعل النزاع الجاري.
كما تبيّن بيانات يونيسف أن نحو 18 % من الأطفال في اليمن يواجهون صعوبات وظيفية في واحد أو أكثر من المجالات مثل المشي أو اللعب أو التواصل، وبالإضافة إلى ذلك، تفيد تقارير حقوقية بأن الألغام والمتفجرات غير المنفجرة تستمران في تهديد المدنيين؛ فمنذ بداية عام 2025 فقط، قُدّر أن ما لا يقل عن 40 طفلًا قد تضرّروا من مخلفات الألغام.
كما سجّلت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات، بين عامي 2017 و2025، مقتل 387 طفلاً وإصابة 738 طفلاً نتيجة الألغام المزروعة من قِبل جماعات متصارعة.