شابات غزة... نضال يومي وإرادة لا تنكسر في وجه الحرب

تجسد تجربة آية صلوحة وبسمة شقورة معاناة جيل كامل من الشابات في غزة، هذا الجيل الذي ولد في ظل الحصار والحروب المتكررة، يجد نفسه اليوم محاصراً بين الفقر والقمع والخوف، لكنه رغم ذلك يسعى لتحقيق الأمان المعيشي.

نغم كراجة 

غزة ـ تضطر الشابات في غزة إلى العمل في مجالات تنشيط الأطفال وتوزيع المساعدات الإغاثية بسبب انعدام فرص العمل ومصادر الدخل، لتحقيق اكتفائهن الذاتي وسط الظروف الاقتصادية الصعبة.

في قطاع غزة المحاصر، تجد الفتيات أنفسهن مجبرات على العمل في مجالات محدودة، كتنشيط الأطفال وتوزيع المساعدات الإغاثية، نتيجة انعدام فرص العمل والمصادر المستدامة للدخل جراء الحرب المستمرة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وهذه المهام أصبحت الملاذ الوحيد للعديد من الشابات اللواتي يسعين لتحقيق اكتفائهن الذاتي وتوفير متطلباتهن اليومية وسط ظروف اقتصادية خانقة وغياب شبه كامل لأي دعم أو تمويل.

تقول الشابة آية صلوحة التي تقطن شمال غزة "منذ بدء الحرب وأنا أبحث عن فرصة عمل تسد الفراغ وللتغلب على الخوف المستمر الذي نعيشه، بالإضافة إلى توفير مصروف يومي يكفيني في ظل غياب أي مصادر دخل حقيقية"، مشيرةً إلى أن الوضع في شمال غزة لا يترك مجالاً للاختيار، إذ يفتقر تماماً لأي توزيع عادل للمساعدات أو فرص عمل مستقرة، مما دفعها وغيرها من الشابات للبحث عن سبل جديدة لتحمل المسؤولية "نحن نتحدث عن عام كامل محرومون من أدنى الحقوق، ومللنا انتظار هذا الكابوس".

وتعتبر نفسها مثالاً لمعظم الفتيات اللواتي أصبحن المسؤولات عن عائلاتهن بعد اعتقال القوات الإسرائيلية للرجال، مما جعلهن يقفن وحدهن في مواجهة موجات الفقر والمجاعة التي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، مضيفةً "ما نقوم به هنا ليس مجرد عمل بل معركة بقاء، نحن نعمل وسط ظروف قاسية لا يتحملها أحد، نعيل أنفسنا ونحاول مواجهة هذه التحديات بقوة بدلاً من انتظار العالم الصامت الذي يراقب إبادة شعبنا، قررنا أن نتحرك".

وتعمل حالياً في مهمة توزيع المساعدات الغذائية والإغاثية بأجرٍ رمزي لا يغطي كل احتياجاتها، لكنها ترى في هذا العمل خطوة ضرورية لتأمين الحد الأدنى من الدخل "ليس هذا ما نطمح إليه، ولكن هذا ما فرض علينا، تعلمنا أن نصنع مصدر دخل من رحم المعاناة، لقد مررت بويلات عديدة في عام واحد فقط، ونحن ما زلنا نحاول التمسك بالحياة بأي وسيلة كانت".

ولا تقتصر التحديات التي تواجهنها في غزة على الجانب الاقتصادي فقط، بل تمتد لتشمل كافة جوانب حياتهن، فمن جانب العمل الشاق، يواجهن مخاطر يومية من استمرار القصف والاعتداءات العسكرية "نضطر يومياً للمخاطرة بحياتنا من أجل توفير الحد الأدنى من متطلبات العيش، ومع كل يوم يمر، تزداد معاناتنا، لكننا نواصل العمل رغم كل شيء"، مشيرةً إلى أنها تضطر أحياناً للذهاب إلى مناطق خطرة لتأدية مهمتها.

 

 

وتواجه بسمة شقورة تجربة مشابهة لآية صلوحة، لكنها اتخذت طريقاً مختلفاً بعد أن دفعتها قساوة الحرب للتخلي عن مشروعها التعليمي الصغير الذي بدأته في الحرب "المشروع الذي عملت عليه طويلاً لم يلقَ الدعم اللازم ولم يتمكن من الصمود في وجه العاصفة الاقتصادية التي تضرب القطاع"، وفي ظل هذه الظروف، وجدت نفسها مضطرة للبحث عن بدائل أخرى لتحقيق اكتفائها الذاتي، حتى لا تقع ضحية الصراع المستمر والفقر.

وقالت "اضطررت للتنازل عن لقب المعلمة بعد محاولات في توسيعه، لكن عندما تصبح السبل مغلقة أمامك يجب أن تبحث عن طرق جديدة، انضممت لفريق شبابي يُدعى 'Sourire'، وبدأت أعمل في تقديم خدمات الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال"، موضحةً أن هذه الفرصة جاءت بعد محاولات عدة للانخراط في سوق العمل، ورغم أنها لم تكن ترى نفسها في هذا المجال، إلا أن الظروف أجبرتها على خوضه.

وأشارت إلى أنها خضعت لتدريب مكثف قبل الانضمام إلى فريق العمل، حيث تم تأهيلها للتعامل مع الأطفال وتنظيم الأنشطة الترفيهية والدعم النفسي "ليس من السهل أن تعيش في وسط الحرب والدمار ثم تبتسم لطفل كي يشعر بالأمان لكنني وجدت في هذا العمل رسالتي، وهو أن أزرع الأمل في قلوبهم الصغيرة بعدما أنهكهم الخوف والنزوح".

ولفتت إلى أن الأمر ذاته يتكرر مع العديد من الشابات في غزة، اللواتي لم يعد أمامهن خيارات أخرى سوى الانخراط في هذه المجالات، بحثاً عن مصادر رزق ولو كانت محدودة "نحن الشريحة الأكثر تأثراً في هذه الحرب، لا يوجد عمل آخر متاح لنا، وكل ما نفعله اليوم هو محاولة للنجاة من الوضع المتدهور".

أصبحت هذه الوظائف، رغم أنها قد تبدو بسيطة، لكنها مصدر حياة لكثير من العائلات في غزة، فالشابات اللواتي يعملن في توميع المساعدات أو تنظيم الأنشطة للأطفال لا يقمن فقط بتوفير دخل لأنفسهن، بل يساهمن في الخفيف من حدة المعاناة العامة التي يعانيها سكان القطاع، وفي ظل غياب الدعم الدولي الفعال، يصبح هذا النوع من العمل وسيلة للبقاء على قيد الحياة.

تعد هذه المهام الإنسانية، كتنشيط الأطفال وتوزيع المساعدات الإغاثية، الخيارات الوحيدة المتاحة حالياً للفتيات في غزة وسط ظروف اقتصادية خانقة وحصار مستمر، ففي ظل انعدام فرص العمل التقليدية وغياب مصادر الدخل المستدامة يلجأن للانخراط في هذه الأنشطة الإنسانية التي رغم رمزيتها وأجورها البسيطة تمثل شريان الحياة الوحيد لهن ولعائلاتهن.

هؤلاء الشابات ليس لديهن خيار سوى مواجهة التحديات بأنفسهن، والعديد منهن يضطررن للعمل في مجالات لم يكنّ ليخترنها في ظروف طبيعية، لكن الحرب والحصار حرمت الجميع من رفاهية الاختيار، اليوم في شوارع غزة المدمرة، نجد فتيات صغيرات يحملن على أكتافهن مسؤوليات أسر كاملة، ويقمن بأدوار كان المجتمع في الماضي يعتبرها حكراً على الرجال.

وفي ظل هذه الظروف القاسية، يطرح سؤال، إلى متى سيستمر هذا الوضع؟ وهل يمكن للشابات في غزة أن يجدن حلاً دائماً لأزماتهن المتكررة؟ الواقع الحالي لا يبشر بالخير، لكن النساء يثبتن يومياً أنهن قادرات على الاستمرار، حتى في أحلك الظروف.