رغم فقدانها للبصر... تعزف بأناملها على الأورغ

إذا جلست معها لدقائق أو استمعت إليها، لن تشعر أنك أمام فتاة فاقدة للبصر، وستتوه في معضلات كونية عما يمكن أن يعنيه البصر والرؤية وهل هي تصوير المجسمات الحية أمام ناظريك أم هو الإحساس بها

إيناس كمال
القاهرة ـ .
ياسمين كشك شابة مصرية في منتصف عشريناتها، فقدت بصرها وهي في الخامسة من عمرها، استيقظت في أحد الأيام لتجد نفسها مصابة بسرطان في الشبكية وبعد رحلة علاج باءت بالفشل، فقدت ياسمين على إثرها بصرها، لكن ذلك لم يعيق الطفلة المرحة أن تواصل حياتها كما لو كانت مبصرة.
أحبت ياسمين كشك منذ صغرها الموسيقى وجدت فيها روحها، جعلتها تشعر كأنها في عالم مليء بالألوان تتحرك على موجاته، فإذا أردت أن تعرف كيف فعلت ذلك، فالإجابة تكمن في الإحساس وهي أقوى حاسة، الإبصار والاستماع بالقلب.
ياسمين كشك (27 عاماً)، صاحبة الأصابع الذهبية أنهت مرحلة التمهيدي ماجستير بكلية الآداب جامعة المنصورة وهي المدينة التي ولدت وتعيش فيها الآن، وتأمل أن تكمل دراستها بها.
تعرضت للإحباط مرات عديدة في طفولتها وكذلك شبابها، البعض قالوا لها "اجلسي في البيت أفضل لك" والبعض قال "لن تستطيعي أن تكملي" وغيرها من الكلمات الجارحة، لكن بمساعدة ودعم عائلتها ومعلمها استطاعت تعلم العزف على آلة "الأورغ" وهي آلة موسيقية ذات لوحة مفاتيح شبيه بالبيانو يستطيع تجسيد عدة أصوات لآلات موسيقية مختلفة.
رويداً رويداً استطاعت حفظ مكان الأزرار وما يمكن أن يمثله سماع كل نغمة منه حتى حفظته تماماً، بدأت بالعزف من خلال حفظ النوتة ثم انتقلت إلى مرحلة أعلى وهي تمييز الألحان والنوتة الموسيقية لها، ومن ثم عزفها دون مساعدة أحد، إلى أن أصبحت تؤلف مقطوعات خاصة بها حتى كونت كورال موسيقى بمحافظة الدقهلية.
تقول ياسمين كشك عن حبها للموسيقى وآلة الأورغ "جذبني صوت آلة الأورغ فبدأت أتعرف عليها، أول آلة عزفت عليها كانت هدية نجاحي في الصف الأول الإعدادي لحصولي على المركز الأول على مستوى المدرسة، ومن بعدها بدأت أتعلمها ومنذ الصف الثاني الإعدادي شاركت في الحفلات كأعياد الأم وأعياد المحافظة والمسابقات والحفلات".
آخر حفل لها كان في تموز/يوليو الماضي، في نادي "جزيرة الورد" بمدينتها الأم، وقد تم تكريمها وتكريم فرقتها الموسيقية خلال الحفل، وهي فرقة مكونة من مجموعة عازفين من فاقدي البصر وذوي الهمم.
 
مرحلة الاحتراف 
وحول كيفية تمكنها من العزف على آلة صعبة مثل "الأورغ" وحفظ أصوات أزرارها المتعددة وتداخلهم سوياً، تقول "الحب هو ما يسهل التعامل مع الأشياء، فمثلاً من يحب قيادة السيارة سيتمكن من قيادتها بشكل جيد طالما أحبها، كذلك أنا، فقد تعلمت على الأورغ بعد اسبوعين فقط لشدة حبي لها"، كما أنها تستعين بالفيديوهات الصوتية عبر منصة اليوتيوب لمساعدتها على تعلم العزف.
لدى ياسمين كشك قناة على منصة اليوتيوب لكن المشاهدات لا تزال ضعيفة ولديها فقط 82 متابع، وعن أصعب ما قيل لها في التعليقات، تقول "كان من ضمن التعليقات التي جاءتني على قناتي تقول أنني مخادعة أو أنني  سجلت المقطوعة الموسيقية التي أعزفها في الفيديو مسبقاً، كما كانوا يسخرون من قدرتي على العزف وأنا غير مبصرة".
تقسم العالم إلى فاقدي بصر ومبصرين والذين ترى أن بعضهم في مجالها أحياناً يخدعون الناس، وعن ذلك تقول "هناك مبصرين يخدعون الناس، فهم يسجلون مسبقاً المقطوعات الموسيقية ويضعون وحدة الذاكرة لنقل المعزوفة إلى الآلة التي سيتم العزف عليها، ليبدوا كما لو كانوا يعزفون مقطوعتهم في الوقت نفسه، لكن أنا أحببت موهبة العزف التي امتلكها، وبفضلها لا احتاج إلى خداع أحد".
تجلس على آلة الأورغ وتراها بيديها، تتحسس كل زر فيها وتحفظ مكانه وتستشعر كل صوت فيه وعن علاقتها وإحساسها بالآلة التي تحب وكيف تترجم الأصوات وتشعر بها، تقول إنها لا تترك الآلة إلا وقد جربت كل شيء فيها وأجادتها تماماً، الشيء الجميل في آلة الأورغ بحسب ياسمين كشك هو أنه جامع لكل أصوات الآلات المختلفة مثل آلة القانون والكمان والعود وغيرهم.
عندما تستعد للعزف، تستحضر داخل ذهنها اللحن وكيفية ترجمته إلى أصوات عبر أزرار آلتها المحببة، تترجم بعض الأصوات أنها قد تحتاج إلى صوت آلة معينة مثل القانون أو الأكورديون أو أحياناً مقطع صوتي يحتاج تداخل آلتين مع بعضها حسب تعبيرها، "أشعر وكأنها لغة حوارية جميلة".
ولدى ياسمين كشك مقطوعات ألفتها بنفسها لكنها تخشى احتيال الألحان ولا تعرف الإجراءات المتبعة لحفظ حقوقها الأدبية، فقد ألفت ألحان لموسيقى الجاز والشرقي، لكن موسيقاها المحببة هي الكلاسيكية سواء شرقي أو غربي، وتفضل موسيقى عمر خيرت وأم كلثوم. 
للأسف لم تجد داعمين لها من المشاهير والفنانين رغم لقائها بالعديد منهم في حفلات مختلفة وكانت تحاول التواصل معهم لعرض موهبتها لكنهم كانوا يقابلون طلبها بالإحباط أو التملص منها، "أتمنى أن يسمعني أحدهم ويدعمني، لقد تواصلت مع العديد من الفنانين على مواقع التواصل الاجتماعي لكن لم أتلقى الرد من أي أحد منهم".
 
موهبة أخرى تحتاج البصر
ترفض ياسمين كشك الاعتراف أنها فاقدة للبصر وبالتالي غير قادرة على فعل أي شيء أو أنها لا فائدة منها، ففي البيت حياتها تسير بشكل طبيعي فهي تقوم بالطهي والغسيل والتعامل مع الأجهزة الكهربائية، كما أن لديها موهبة فنية أخرى أجادتها قبل 7 سنوات وهي الحرف والأشغال اليدوية بدءاً من التريكو والكروشيه وتركيب الاكسسوارات بالخرز والأحجار الكريمة، وهي موهبة بدأت تعلمها منذ دراستها المدرسية.
رغم أن تلك حرفة تحتاج مهارة ودقة وبصر من أجل تركيب الألوان وتركيب الأشياء المختلفة، استطاعت ياسمين كشك أن تعرف كل ذلك بواسطة الإحساس واستطاعت أيضاً عمل علامات لها للتمييز بين الألوان والخامات، فهي تخزن الألوان في ذاكرتها، ففور أن تتعرف على اللون تستدعيه من الذاكرة ولا تحتاج لمجهود لمطابقة الألوان لبعضها، الأمر الذي أصبح سهلاً بالنسبة لها، إضافة إلى دعم المحيطين بها أحياناً في تعريفها بالألوان المتوافقة والدارجة.
وتحلم ياسمين كشك أن تكمل دراستها بالدكتوراه بجامعة القاهرة، لكن عراقيل عديدة تقابلها لتحقيق ذلك، كما تحلم بأن تصبح فرقتها أكبر وتشارك بحفلات أكثر وأن يكون مشروعها للأشغال اليدوية نافذة لمن يريد التعرف على الفن والتراث المصري اليدوي.