رفاهية الموت... حلم النساء الفاقدات في قطاع غزة

تعاني النساء الفلسطينيات صراعاً يومياً مع الفقد والألم، وتواجهن صدمات لا توصف وتواصلن الصمود والعيش رغم قسوة الحرب التي تطال أغلى ما تملكن.

نغم كراجة

غزة ـ في غزة المحاصرة، حيث العيش تحت الحصار والجوع جزء من الحياة اليومية يمتزج الألم بالصمود في كل زاوية، تتكرر مشاهد الفقدان والمعاناة، كل يوم يضاف اسم جديد إلى قائمة القتلى، ويمثل قصة حياة وحلم والتي تتحوّل إلى كابوس في لحظة واحدة، قصة بسمة الخزندار واحدة من تلك القصص، أم فقدت ابنها الوحيد في مشهد مأساوي يعكس الواقع القاسي الذي يعيشه أهالي غزة.

 

مهمة إنسانية تحت النيران

في صباح ذلك اليوم المشؤوم من شهر تموز/يوليو، قررت بسمة الخزندار إرسال وجبة طعام لجار مصاب لم يستطع النزوح مع عائلته إلى الجنوب بسبب جراحه، وكان ابنها الوحيد خالد، رغم جوعه الشديد، مستعداً للمساعدة، تناول وجبته على عجل وركب دراجته لينقل الطعام لجارهم، لم يكن يعلم أن هذه المهمة الإنسانية البسيطة ستكون آخر ما يقوم به في حياته "لا أعرف كيف تناول طعامه بسرعة واختفى من المنزل كأنه مقبلاً ليلقى حتفه، فقدته بلمح البصر".

 

اللحظة التي انطفأ فيها النور

بعدما أكمل خالد مهمته وعاد على دراجته نحو البيت، كانت الحياة تمضي في الحي كالمعتاد، رغم أصوات القصف المتواصلة لكن هذه اللحظات انقلبت رأساً على عقب عندما استهدفت القوات الإسرائيلية سيارة صحفية مرت بجوار ابنها، لم يكن الصاروخ غادراً فقط في استهداف الصحفيين، بل قتل خالد أيضاً الذي لم يكن سوى طفلاً مدنياً لا علاقة له بأي أحد، بل حاول مساعدة جارهم، وفقاً لقولها.

 

لحظة مواجهة الحقيقة

تلقى والدا خالد الخبر من أحد سكان الحي الذي تعرف على هويته من خلال محفظته، أخبرهم الرجل أن ابنهم مصاب ونقل إلى المستشفى، هرعت والدته إلى المستشفى وقلبها يشتعل، تبحث عن ابنها بين الجرحى لكن عندما وصلت، اكتشفت أنه لم يكن بين المصابين، بل كان جثماناً هامداً مجهول الهوية يغطي جسمه المفتوك بشظايا الصاروخ كفناً أبيض، وعندما رفعت الكفن ورأت وجهه كانت تلك اللحظة هي بداية ألم لا يمكن وصفه.

 

وداع بلا وداع... آخر نظرة على ابنها الوحيد

بيدٍ مرتجفة، كشفت عن وجه أبنها، الذي كان ملطخاً بالدماء، إصابات واضحة في رأسه ورقبته وفك أسنانه، لم تصدق ما تراه، لكنها عرفت أنه خالد، ابنها الوحيد. في تلك اللحظة، كانت الكلمات الوحيدة التي خرجت من فمها "لماذا تركتني ورحلت يا خالد؟"، كان ذلك الوداع القاسي هو آخر لحظة تجمع بين الأم وابنها، لحظة اختلط فيها الحزن بالغضب واليأس.

فقدت بسمة الخزندار كل ما كانت تعيش من أجله، وتقول "لقد فقدت ساعدي الأيمن ونكهة حياتي، الضوء انطفئ في عيني، خالد كان يعيلنا في كل شيء رغم صغر سنه، هو فرحتي وكل الأحلام التي بنيتها له ولنا ماتت معه. حلمت باليوم الذي يتخرج به من الثانوية العامة وأقيم له احتفالاً لكنه احتفل وحده وباكراً قبل أن يصل هذه المرحلة"، هذه الكلمات تعكس حجم الألم الذي تعيشه، فقد انطفأ نور حياتها برحيل ابنها.

 

صمود تحت وطأة الموت

رغم الألم الذي يعتصر قلبها، تعترف بأنها كانت محظوظة لأنها تمكنت من دفن ابنها ومعرفة مكان قبره، في غزة حيث تحول الصواريخ البشر إلى أشلاء، وتظل الجثث تحت الأنقاض لأسابيع وأحياناً لأشهر، تعتبر بسمة الخزندار نفسها محظوظة بامتلاكها رفاهية الموت، إذ تقول "نحن لا نمتلك رفاهية الموت ولا الحق في الوداع الأخير، هذه المدينة رأت ما لم يتحمل أحد أن يراه في العالم على شاشة التلفاز وليس على أرض الواقع".

 

الحلم الذي تحول إلى كابوس

في كل مرة تذكر فيها أبنها، تتذكر كل الأحلام التي كانت تبنيها له، حلمت برؤيته يكبر، ينجح في حياته، ويصبح شاباً ناجحاً لكن هذه الأحلام تحولت إلى كابوس عندما سُرقت حياته في لحظة "كل شيء تحول إلى رماد، ولم يبقَ إلا الذكريات التي تؤلم القلب أكثر من أي جرح"، هذه الكلمات تعكس حقيقة أن الحرب لا تقتل فقط البشر، بل تقتل أيضاً الأحلام والآمال.

قصة بسمة الخزندار ليست فريدة من نوعها، بل هي واحدة من آلاف القصص التي تعكس معاناة شعب بأكمله، غزة المدينة التي تعيش تحت الحصار والقصف المستمر، تحولت إلى مكان لا يمكن أن يتحمل فيه الإنسان العيش، كل بيت يحمل قصة من الألم والفقدان، ورغم ذلك يستمر السكان في الصمود لأنه الخيار الوحيد أمام شعب لا يزال يبحث عن حقه في الحياة والحرية.