'قيمتي لا تكمن في قامتي التي تميزني عن غيري'
إعاقتها لم تقف حاجزاً أمام طموحاتها حيث شجعتها عائلتها وأصدقائها على ممارسة هوايتها في الصعود على خشبة المسرح، للتغلب على ما تواجهه في ظل التنمر والنظرة الدونية من قبل المجتمع.
دلال رمضان
الحسكة ـ لم تسمح عزيزة نايف لإعاقتها الجسدية أن تقف أمام تحقيق حلمها، لتتخطى كافة الصعوبات من خلال الصعود على خشبة المسرح كاسرة بذلك حاجز الخوف والنظرة النمطية المجتمعية.
يعاني قصار القامة وهي إحدى أشكال الإعاقة الجسدية تحدث إثر عدة عوامل منها تأخر النمو البنيوي، وسوء التغذية، والعامل الوراثي، وقصور في الغدة الدرقية؛ من نظرة المجتمع الدونية، وهو ما يدفعهم للانعزال والانطواء، والكثير منهم يتعرضون في حياتهم اليومية للإهمال والتهميش والتنمر، والحرمان من حق التعليم والحصول على فرصة عمل، ما يضاعف من سوء حالتهم النفسية.
وهو ما حدث مع عزيزة نايف البالغة من العمر 35 عاماً، التي قالت "لقد عانيت كثيراً في طفولتي من التنمر، فالأطفال دائماً ما كانوا يسخرون مني، كما أن نظرات المجتمع كانت تشعرني وكأنني كائن غريب يعيش على سطح الأرض".
وأشارت إلى أن ما تعرضت له من تنمر دفعها لترك مدرستها بالرغم من أنها كانت تحب التعلم "إن نظرات السخرية والشفقة دفعتني إلى العزلة والانطواء، لم أكن أخرج من المنزل سوى عندما يحل الليل"، إلا إن إعاقتها تلك لم تقف حاجزاً أمام طموحاتها حيث شجعتها عائلتها وأصدقائها على ممارسة هوايتها للتغلب على ما تواجهه وتخرج من حالتها النفسية المتدهورة.
بعد افتتاح مركز الخابور للثقافة والفن في مدينتها الحسكة بشمال وشرق سوريا عام 2013، سارعت للانضمام إليها، لتشارك في التمثيل والأعمال المسرحية من خلال فرقة تولهدان، مضيفةً "في بداية انضمامي للفرقة عانيت كثيراً حيث كنت أرى أنه أمرٌ معيب، واتساءل كيف سأقف على المسرح وأقدم الأدوار أمام كمٍ هائل من الجمهور، فقد كنت متأثرة بنظرة المجتمع وأعطيها الحق، إلا أنني فيما بعد أيقنت أن ما اتعرض له تنمر وتهميش، ومن حقي الخروج إلى العلن وممارسة هوايتي التي أحبها".
استطاعت عزيزة نايف بعد مشاركتها في عدة أعمال وأدوار قدمتها على المسرح، من كسر حاجز الخوف والرهبة مما سيقوله المجتمع ونظراتهم لها "اتضح لي أنه عليّ التحلي بالقوة والعزيمة للتغلب على الخوف ونظرات المجتمع التي كانت تلاحقني أينما ذهبت منذ إن كنت طفلة، ولكنني تخطيت كل تلك المخاوف، وقد استعدت ثقتي بنفسي".
وأشارت إلى أنها تلقت دعماً وتشجيعاً من عائلتها وأصدقائها في مركز خابور، لافتةً إلى أنه من الضروري توعية المجتمع حول المصاعب التي يواجهها ذوي الإعاقات من أجل الاعتماد على أنفسهم، وعدم تهميشهم وتشجيعهم على العمل مع اقرانهم وتقديم الرعاية النفسية والصحية لهم، لأنهم أكثر الفئات عرضةً للتنمر والتهميش.
وأضافت "بنجاحي تغلبت على التنمر والخوف وتقبلت وضعي الصحي وما أنه عليه، وأصبحت ذات قوة وإرادة، فالإعاقة هي إعاقة العقل والفكر وليست الجسد، فقيمتي لا تكمن في قامتي بلفي جهودي وعملي، وقصر قامتي هو ما يميزني عن غيري".
وعن العروض المسرحية التي قدمتها عزيزة نايف تقول "بعد فترة قصيرة من دخولي مجال المسرح، قدمت أول مسرحية لي في يوم المرأة العالمي الذي صادف الثامن من آذار، تحت عنوان "مهر المرأة"، وكنت أجسد فيها دور الأم"، مشيرةً إلى أنه تملكها الخوف ورهبة الصعود على المسرح أمام جمع من الجمهور "عندما صعدت على المسرح تجاهلت الحضور وبدأت بعرض المسرحية، من شدة خوفي لم أنظر إلى أي أحد، ولكن بعد انتهاء المسرحية رأيت تشجيع الجمهور والأصدقاء لي، وهو ما شجعني على المواصلة في ممارسة هوايتي وتقديم مسرحيتي الثانية بعد أيام بمناسبة عيد النوروز".
وأشارت إلى أنها لا تستطيع أن تعبر عن مدى سعادتها من تحقيق حلمها، فهي كانت تحب التمثيل منذ صغرها "كنت أتمنى دائماً أن أكون ممثلة وأقف أمام الجمهور وأقدم عروضاً ممتعة لهم".
وحول المهرجانات والعروض المسرحية المختلفة التي تشارك فيها تقول "اليوم وبعد عشرة أعوام أصبحت أشارك في مهرجانات ومسرحيات على مستوى شمال وشرق سوريا، كما أنني حصلت على عدة جوائز فنية في المراتب الأولى، وشاركت في الأفلام القصيرة والطويلة كذلك منها فيلم "لا أريد أن أعطش"، كما شاركتُ في فيديو كليب لأغنية فلكلورية، وأعمل الآن على تدريب الأطفال على الغناء والمسرح والرقص الفلكلوري".
وتأسف عزيزة نايف أنها تركت تعليمها في المرحلة الابتدائية بالرغم من أنها الآن تجيد اللغتين العربية والكردية، مطالبة الأهالي بتشجيع أطفالهم من ذوي الإعاقات على الانخراط في المجتمع مهما بلغت درجة الصعوبات التي تواجههم، وتقديم الدعم المعنوي والنفسي لهم "إن الإعاقة ليست بإرادتنا فنحن لم نخترها، لذا علينا النظر إلى أنفسنا بفخر واعتزاز، وألا ندعها تقف عائقاً أمام طموحاتنا وأحلامنا، على الجميع تنمية مواهبهم ولا يبقوا مكتفي الأيدي وخاصة الفتيات والنساء، وأن تكن ذوات إرادة قوية".
وتمنت في ختام حديثها أن تصبح في المستقبل القريب مخرجة أفلام ومسرحيات تعرف في الوسط الفني العام "اليوم أنا أحب نفسي أكثر من ذي قبل ولا اسأل لماذا خلقت هكذا؟، فلربما هي سبب نجاحي وتحقيق حلمي".