قتل وليس انتحار... ارتفاع ضحايا العنف والسلطة الذكورية

خلال الفترة الأخيرة انتشرت حالات انتحار الفتيات والنساء لأسباب متعددة، وهو الأمر الذي اعتبره المهتمين بالملف النسوي قتل وليس مجرد انتحار نتيجة ضغوطات العنف الأسري والوصم المجتمعي.

أسماء فتحي

القاهرة ـ أن تقرر فتاة في مقتبل عمرها إنهاء حياتها أمر يستحق الوقوف وبحث أسبابه خاصةً مع ارتفاع معدل حالات الانتحار في الفترة الأخيرة، مما بات يتطلب دراسة تلك الوقائع في سياقها الصحيح وعدم الفصل بينها وبين الانتهاكات التي أدت لها.

أثارت الكثير من النقاشات خلال الآونة الأخيرة حول العنف الأسري وما حدث من حالات انتحار لفتيات في أعماراً صغيرة جدلاً واسعاَ، وراح ضحية تلك الحالات فتيات لم تجدن من يقدم لهن يد العون بل رافقهن الوصم المجتمعي والثقافة التي جعلت منهن فتيات خارجات عن أصول المجتمع وقواعده العامة، في حين اعتبرها عدد كبير أنها مجرد حالات انتحار.

وهناك عدد من الحالات وصل مستوى الضغط فيها للإيذاء البدني الذي أثر على حركة النساء وأعاق قدرتهن على مواصلة طموحاتهن سواء بمنعهن من التعليم أو الإجبار على الزواج أو حتى ما أسموه "سوء السمعة" الذي أودى بأرواح الكثيرات وكلها أمور يجب بحث مسبباتها لأنها تشكل خطراً حقيقياً على الفتيات والنساء.

 

القانون لا يجرم العنف الأسري

قالت محامية ومؤسسة مبادرة "آمنة" فاطمة العوامري، إن انتشار حالات انتحار الفتيات والنساء تعتبر واحدة من الممارسات التي بدأت في الماضي واستمرت على مدار سنوات طويلة، نتيجة الضغط والعنف الأسري الذي لا توجد آليات حماية واضحة رغم ما نتج عنه من حوادث وأزمات بقيت لصيقة بالنساء أغلب فترات حياتهن.

وأكدت أن القانون لا يجرم العنف الأسري على النحو الرادع فهو يحدث بكل منزل ويخلق ضغوطات نفسية على كل فتاة وامرأة، والأزمة الأكبر تتمثل في الإدراك أنها لن تستطيع التخلص منه حتى لو سلكت المسار القانوني ذاته فلن يتغير واقعها مما يجعل الكثيرات منهن تتجهن للخلاص بمغادرة الحياة.

 

الضغوطات والسلطة الأبوية من أسباب انتحار الفتيات

وأشارت إلى أن قرار الانتحار لم يعد قاصراً على القفز من مكان مرتفع، بل لجأت الفتيات في الآونة الأخيرة إلى تناول "حبوب الغلة" والتي تنهي حياتهن على الفور أو تناول "صبغة الشعر" باعتبارها أحد مسببات الوفاة السريعة.

وعن الأسباب التي تجعل الفتيات تلجأن لإنهاء حياتهن أوضحت أن من بينها السلطة الأبوية التي تتحكم فيهن وتقرر عنهن، فضلاً عن الضغط الممارس في تزويجهن قسراَ "إن الحياة الزوجية قد تصل لحد لا يستطيع الشريكان الاستمرار سوياً، نتيجة عدم القدرة على نيل الحقوق والتي تصل بالضحية إلى أخذ قرار الانتحار، إضافة إلى العنف والذي قد يكون من الشقيق أو الزوج أو الأب أو من أي شخص يملك سلطة على الفتاة مما يشكل ضغطاً شديداً عليها يتسبب لها بالاكتئاب الذي لا يجعلها تفكر سوى بالانتحار".

 

بين القانون الذي لا يجرم العنف المنزلي والحلول الممكنة

وأكدت فاطمة العوامري، أن هناك قصور واضح في القانون بملف العنف الأسري "تجد الفتيات صعوبة كبيرة في اللجوء لمسار التقاضي والأمر غير قاصر على المواد القانونية فقط، بل في الإجراءات ذاتها، لأنه من الصعب ذهاب الفتاة للإبلاغ عن والدها أو زوجة عن زوجها لأن أغلب العاملين في أقسام الشرطة لا يأخذون هذه البلاغات على محمل الجد، بل إنهم قد يتدخلون في إخطار الضحية أنه لا يحق لها القيام بهذا الأمر".

واعتبرت أن وجود قانون يحمي الفتيات أمر ضروري وكذلك قبول الجهات التنفيذية والمجتمع برغبة الفتيات والنساء في الإبلاغ دون وصمهن أمر يشجع على الإبلاغ، مشددةً على ضرورة وجود وحدة مختصة بهذا النوع من الجرائم مدربة على التعامل مع ضحاياها.

 

 

الوصمة المجتمعية

من جانبها قالت عضوة مبادرة "أنثى" في مدينة البحيرة شيماء حمدي، إن هناك عادات وتقاليد توصم الفتيات والنساء في حال فكرن بالإبلاغ عما تتعرضن له من عنف داخل نطاق الأسرة، وهو الأمر الذي يجعلهن أمام أزمة حقيقية لا تنتهي، معتبرةً أن المجتمع وثقافته له دور محوري في لجوء الفتيات للانتحار.

وأشارت إلى أنه لا يوجد أي مبرر لتحول مصدر أمان الفتاة "بيت أسرتها" لعنصر ضاغط عليها ومعنف لها، مؤكدة أن مسألة السلطة المطلقة للأب أمر لم يعد مناسب للواقع الحالي "صادفت الكثيرات تعانين من ضغوط العنف الأسري وبعضهن قررن تركها والاستقلال بذواتهن، بينما آثرت أخريات مفارقة الحياة والخلاص من تلك التعقيدات لكونهن لم تستطعن البقاء في قبضة الممارسات التي نالت من حقوقهن الإنسانية".

وأكدت أن الفتيات المنتحرات تقدمن على ذلك عندما لا تجدن لغة حوار مشترك مع أسرهن ولا تستطعن التأقلم مع الواقع فتقررن مفارقة الحياة، لافتةً إلى أن العنف الأسري واقع صعب لأن المنزل هو مصدر الراحة والسكينة وفي حال منع الفتيات من الخروج أو التعلم أو حتى إبداء الآراء في حياتهن لا يجعل أمامهن مفر فتشعرن أن وجودهن لا أهمية له ولا تستطعن طلب الدعم من المحيطين بهن حتى تتخلصن من تلك المشاعر أو الأفكار المتعلقة بالانتحار.

ولفتت إلى أن واحدة من الحلول تكمن في الأدوات المستخدمة في تعنيف الفتيات والنساء ومنها "الدين" على سبيل المثال وما يشاع حول أحكام الشرع الداعمة لتعنيف المرأة، مضيفةً أن القوانين الرادعة التي لها أثر كبير في إعادة منظومة العلاقات الأسرية لنصابها السليم بعيداً عن الخلل القائم حالياً.