قصة مريم التي تحررت من يد داعش

عادت مريم كاكو البالغة من العمر 83 عاماً إلى قريتها بعد أن تحررت من قبضة مرتزقة داعش التي اختطفتها في 23 شباط/فبراير عام 2015 رغم كبر سنها

سوركل شيخو
الحسكة ـ ، ودعت الآشوريين الموجودين خارج البلاد للعودة إلى أحضان الخابور. 
في الثالث والعشرين من شهر شباط/فبراير عام 2015، أشرقت الشمس مثل كل يوم ولمعت أشعتها على نهر الخابور وأضاء نورها أسطح ونوافذ المنازل في القرى المحيطة بالنهر. فجأة دخل بعض الأشخاص الذين يرتدون ملابس سوداء ويحملون الأسلحة إلى تلك القرى وقتلوا العديد من الأشخاص. في هذا اليوم اختطفت عصابات من مرتزقة داعش أكثر من مئتي شخص آشوري من سكان القرى المحيطة بالخابور من النساء والأطفال وكبار السن. وعلى الرغم من معرفتهم بنهاية حياتهم إذا ما علمت العصابات بمحاولة فرارهم، تمكن بعضهم من الهرب، والبعض الآخر لم يعرف مصيرهم حتى الآن. 
مريم كاكو البالغة من العمر 83 عاماً، واحدة من تلك النساء المتقدمات بالسن التي قضت حياتها كلها في قريتها على ضفاف نهر الخابور، وشاهدت في نهاية حياتها وحشية مرتزقة داعش، تمكنت من الفرار من قبضتهم. تعيش مريم التي فقدت والديها، بمفردها منذ فترة طويلة في قرية تل فيدا الواقعة في الجزء الجنوبي من منطقة تل تمر التابعة لمقاطعة الحسكة في شمال شرق سوريا. هذه المرة أردنا التعرف على قصة مريم كاكو.
 
"حرمني من التعلم"
تقول مريم كاكو إن والدها لم يسمح لها بالتعلم والدراسة في المدرسة بسبب الذهنية الأبوية (الذكورية) وتابعت قائلة "أعيش في قرية تل فيدا منذ 83 عاماً، أي مذ فتحت عيني على الحياة. وعلى الرغم من توفر الفرص، لكنني لم أرغب في التخلي عن الأرض التي ولدت عليها. وبسبب الذهنية الذكورية التي كانت تمنع ذهاب الفتيات إلى المدرسة وتصفه بالعار، حرمني والدي من التعليم دون التفكير في مستقبلي. فالزمن الذي كنا نعيش فيه حينها كان مختلفاً عن الوقت الحاضر. جعلوني أقوم بأعمال المنزل وتربية الماشية والأبقار فقط ليصرفوا انتباهي عن الدراسة. العمل ليس عاراً، لكن الجهل عار كبير. وبالإضافة إلى ذلك اندلعت الحرب في المنطقة وتعرضنا للإبادة، الأمر الذي جعل وضعنا أسوء".
 
"صوب البندقية إلى رأسي وقال سأقتلك" 
استذكرت مريم كاكو المعارك التي خاضتها كل من جبهة النصرة وداعش في المنطقة قائلة "تأسست قريتنا بين عامي 1933ـ1935 على ضفاف نهر الخابور وكانت تعج بالسكان ومزدحمة للغاية في السابق. لكنهم انتقلوا إلى أماكن أكثر أماناً بعد بدء الهجمات على المنطقة. فقد شعروا بالخوف من تكرار مجزرتي سيفو وسيميل حيث كانت بوادر اعتداءات مماثلة تلوح في الأفق، لذا لم يستطيعوا البقاء وغادروا. كما هاجر بعضهم إلى الخارج، وخاصةً بعدما هاجمت عصابات داعش القرى الآشورية ومنطقة تل تمر في الثالث والعشرين من شباط/فبراير عام 2015 واختطفت أكثر من مئتي آشوري. في ذلك اليوم وبينما كنت أزيل العشب في فناء منزلي بالمنجل، رأيت رجلاً يرتدي ملابس سوداء يقف فوق رأسي ويصوب البندقية إلى رأسي ويقول لي إما أن تتركي هذا البيت وتغادري أو سأقتلك. اعتقدت في البداية أنه أحد أصدقائنا ويريد المزاح معي، لكنه تحدث معي بعدها بطريقة سيئة جداً، حينها أدركت إنه من المرتزقة. قلت له هذا منزلي فكيف تقتلني على أرضي؟ لقد قال ذاك المرتزق لجيراني؛ سنضع الألغام والقنابل في منزلكم ونفجره، لذا اضطرت تلك العائلة أيضاً إلى المغادرة". 
 
"أغلقوا أعيننا أفواهنا واقتادونا إلى جبل كزوان (جبل عبد العزيز)"
وصفت مريم كاكو لحظات هجوم داعش التي كانت كيوم القيامة بالنسبة لهم وقالت "بعد أن أخرجتني المرتزقة من القرية، أخذوني إلى أميرهم الذي كان يلعب بورق الشدة وقال؛ ما هذا؟ لماذا أحضرتم هذه العجوز؟ ومع ذلك لم يتركوني أنا والآشوريين الآخرين. كان من الواضح أن مؤامرة جديدة تحاك ضد الشعب الآشوري. في ذلك الوقت ومن أجل عبور نهر الخابور الذي غمره الفيضان وكان منسوب المياه فيه قد ارتفع جداً، جهزوا لنا قوارب مليئة بالماء. وبعد أن عبرنا النهر، أغلقوا أعيننا وأفواهنا وأخذونا إلى جبل كزوان ثم الرقة وبعدها إلى الشدادي. في الطريق كانوا يطلقون الرصاص علينا من مسافة بعيدة لتستقر بالقرب منا وذلك كنوع من التعذيب النفسي لنا. لقد اختطفوا النساء والأطفال وحتى كبار السن أيضاً. بدا كما لو أنهم جهزوا كل شيء لإبادة وإنهاء الآشوريين الذين يعيشون على ضفاف نهر الخابور. لكن العصابات لم تختطف الآشوريين فقط بل اختطفت الكرد والعرب والإيزيديين أيضاً". 
 
"قالوا لنا سنقتلكم ونضعكم في الأكياس التي كانوا يحملونها في أيديهم"
كما وصفت مريم كاكو الأحداث التي عاشتها في السجن كالتالي "أحضر مرتزقة داعش الأكياس وقالوا سنقتلكم ونضعكم في هذه الأكياس إذا لم تدخلوا دين الإسلام. قلنا مهما فعلتم لن نصبح مسلمين، لأن لكل أمة دينها الخاص. لقد قتلوا امرأة أمام أعيننا بدم بارد وسعادة كبيرة. هؤلاء هم الذين يطلبون منا اعتناق دين الإسلام. قلنا لهم إذا أحضرتم لحماً يومي الجمعة والأربعاء سنرميه ولن نأكله وسنصوم أيضاً. لقد صمنا صيام العيد الصغير والكبير. وعلى الرغم من تعذيبهم لنا إلا أننا كنا نصلي كل يوم أحد سراً دون أن يرونا. لم يسمحوا للأطفال بالاقتراب منا، فقد فصلوا النساء والأطفال وكبار السن ووضعوهم في أقسام مختلفة. كانت علاقتنا مع الكرد جيدة جداً، وعندما نسمع أن أحدهم فقد حياته نحزن جداً. كل لحظة من تلك السنة كانت تمر علينا كما لو أنها دهر، كان عاماً مليئاً بالألم".
وأوضحت مريم كاكو أنها شعرت بالأمان والراحة لحظة إطلاق سراحها ووصولها إلى قريتها وأضافت "بعد عام تم إطلاق سراحنا وذلك بعد دفع الفدية. لقد شعرت عند اقترابي من تل تمر ودخول قريتي أنني ولدت من جديد. لكن بعدما تجولت في القرية لم أجد من أعرفهم. كانت قريتنا قد تحولت إلى صحراء لا تهب فيها سوى الرياح. لقد عشت في لحظات خروجي فرح الحرية وحزن عدم وجود أحد".
في نهاية حديثها دعت مريم كاكو الآشوريين الذين هاجروا إلى خارج البلاد للعودة إلى وطنهم وأرضهم، "يجب أن يعود الآشوريون الذين غادروا البلاد. لأن بلاد الغرباء لن تصبح بلدنا أبداً. فليعودا إلى أرضهم، فوجودهم ونهايتهم ستكون عليها، لا في بلاد أجنبية. إن عيني تتوق إلى الشوارع المليئة بالأطفال والنساء، ولم تتعود أن ترى الشوارع الخالية من الناس".