نساء غزة بين آلام الفقد وجحيم الهجمات الإسرائيلية

تتفاقم معاناة النساء في غزة وتتدهور أوضاعهن النفسية نتيجة مأساة الفقدان التي تعصف بهن منذ بدء الهجمات الإسرائيلية والاجتياح البري على القطاع.

نغم كراجة

غزة ـ في ظل استمرار الهجمات الإسرائيلية والحصار الصارم، تعيش نساء غزة تحت وطأة معاناة الفقد، حيث تلقي إسرائيل بظلالها الثقيلة على حياتهن وتزيد من الأعباء النفسية عليهن؛ بسبب تكبدهن خسائر فادحة وعيشهن مأساة الفقدان ومواجهتهن صعوبات مضاعفة مع تزايد حدة الصراع.

تتعرض النساء في غزة لمأساة لا يمكن تصورها إذ تتجلى وحشية الحروب في فقدانهن أطفالهن وعوائلهن وبيوتهن بطريقة قاسية تنتهك معاني الإنسانية جراء القصف الإسرائيلي العنيف المتواصل منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 وحتى اليوم، والذي أسفر عنه ارتكاب عدد كبير من المجازر الدامية ضد الأسر في القطاع راح ضحيتها آلاف القتلى والجرحى معظمهم من النساء والأطفال.

وفاء راجح نازحة بالغة من العمر 41 عام فقدت عدد من أقاربها في إحدى الغارات الإسرائيلية على المربع السكني الذي تقطن به شرق القطاع، أوضحت أن "مشاهد الجثامين الملقاة في الطرقات كانت صادمة وتقشعر الأبدان، كل لحظة نعيشها في غزة تحمل في طياتها آلام الفقدان والحسرة لكن ضراوة الحرب وقسوتها ما هي إلا اختبار لصمودنا ولا تثني من قوتنا وإرادتنا شيء بل نسير على أوجاعنا؛ لمواجهة التحديات وحماية ما تبقى لنا"، مشيرةً إلى أن "النساء في قطاع غزة محاصرات بين ألم الفقد والحاجة الملحة لتأمين المقومات المعيشية بينما يترنح العالم في مشاهد التصاعد العنيف للنزاع".

وأكدت أن "النساء وحدهن من تحملن آلم الفقد مدى الدهر، ومع ذلك تجبرهن الظروف القهرية وتغاضي مأساتهن وحزنهن العميق وسط تفاقم الأزمة الإنسانية وصعوبة الحياة اليومية جراء استمرار الحصار الخانق ومنع دخول المساعدات الطبية والاحتياجات الأساسية على الاستمرار"، مؤكدة على أنه "برغم صرخاتنا ومناشداتنا المتواصلة منذ أكثر من مئة يوم إلا أن المجتمعات الإقليمية والدولية تتجاهل هذه الاستغاثات وتكتفي ببيانات الاستنكار والشجب".

وروت تفاصيل اليوم الأكثر مأساوية بعد نزوحها قسراً هي وعائلتها من حي الثلاثيني في منتصف شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي إلى إحدى مراكز الإيواء بسبب شدة القصف على المنطقة "في لحظة واحدة تغير الحال أصبحت حجارة المنزل تنهال علينا من كل زاوية فاضطررنا للخروج تحت وابل من القذائف والرصاص الحي، والمشهد الصادم عندما رأيت أمام عيني أفراد عائلتي والجيران يقتلون وهم يحاولون الفرار من الموت" مشيرةً إلى أن الذين أصيبوا حينها غادروا الحياة بعد ساعات من إصابتهم نتيجة منع طواقم الإسعاف إنقاذهم.

لم تكن المدارس ملاجئ الأمان كما اعتقدت وفاء راجح فمركز الإيواء الذي لجأت له هي وعائلتها بات ضمن قائمة استهدافات اسرائيل التي لم تفرق بين عسكري ومدني "مكثت في إحدى مدارس الأونروا نحو سبعة أيام ومشاهد الجثث الملقاة على الأرض لا تذهب من ذهني ومن المؤسف أن مشهد النزوح تكرر حينما ألقى الطيران الحربي قنابل الغاز بكثافة في سماء المدرسة ومعظم النازحين هربوا من قوة الضربات".

وأوضحت أنها "اضطررت للبقاء مع أسرتي داخل المدرسة برغم خطورة الأجواء لكن الاحتلال الإسرائيلي اجتاح المنطقة برياً واشتد القصف المدفعي من حولنا مما استدعى نزوحنا العاجل وفي خضم هذه المعركة الصعبة لم يسلم نجلي البالغ 16 عام من الهجمات، حيث تعرض لإصابة بالغة الخطورة في أعلى كتفه وامتدت إلى عضلة القلب خلال هروبه من مركز الايواء".

وقالت أنها استكملت طريقها هي وبقية أطفالها تاركة نجلها المصاب دون علمها بإصابته "ظننت أن ابني سبقني في الطريق أثناء نزوحنا وصدمت عندما أخبرني أحد الأقارب أنه أصيب بجوار المدرسة، وأبلغني البعض أنه توفي متأثراً بإصابته، وبعد محاولات كثيرة من البحث عنه في مستشفيات الشمال وجدته في مجمع الشفاء الطبي في حالة يرثى له من شدة الإهمال".

وبينت أن حالة نجلها صعبة للغاية وقد يبتر كتفه أو يفقده في أي لحظة بسبب تراجع حالته الصحية وفقدانه الوعي "الآن يصارع أبني بين الحياة والموت في ظل انعدام المستلزمات الطبية وعجز الإمكانيات في توفير العلاج والاحتياجات الأساسية نظراً لسوء الوضع المادي والفقر المدقع الذي وصل له أهالي القطاع مع مواصلة القصف الإسرائيلي".

وأوضحت أنها تعاني من كثرة الأعباء والضغوطات النفسية والمسؤولية الثقيلة على عاتقها حيث أنها تضطر يومياً للذهاب إلى المستشفى للاطمئنان على نجلها الذي نحل جسده من سوء المتابعة الطبية والتغذية في مشهد مأساوي ومؤلم إلى جانب محاولتها توفير قوت باقي أطفالها "حالي كحال آلاف النساء والأمهات اللواتي تحاولن بكافة الوسائل الممكنة تأمين لقمة العيش لأبنائهم في ظل المجاعة التي نعاني منها".

وطالبت بضرورة التحرك الدولي للتصدي للهجمات وإنهاء معاناة نساء غزة، وتقديم الدعم النفسي والإنساني الضروري لهن، والعمل على إنهاء الحصار وتحقيق السلام في القطاع.

وتتساءل وفاء راجح "هل يمكن أن ينتهي القصف ويحل السلام، ونجد دعماً حقيقياً لتأمين العلاج والمأوى الآمن لأطفالنا؟"، قائلةً "نحن نحتاج أن يسمع العالم صرخاتنا ويقف بجانبنا وينتهي مسلسل الفقدان الذي أصبح جزء لا يتجزأ من حياة كل امرأة فلسطينية".