نساء الحوز تحاولن التأقلم مع العيش في الخيام بانتظار إعادة تأهيل المباني المتضررة
مع اقتراب فصل الشتاء، تتخوف نساء إقليم الحوز الناجيات من الزلزال الذي ضرب المغرب، من مصيرهن إذا طال الوضع في ظل الظروف القاسية التي تعشنها في الخيام وقلة المساعدات الإغاثية بسبب وعورة الطريق المؤدي إلى المنطقة المتضررة.
رجاء خيرات
المغرب ـ تحاول نساء إقليم الحوز التأقلم مع الحياة الجديدة والظروف الصعبة التي خلفها الزلزال المدمر الذي ضرب المغرب ليل الجمعة الثامن من أيلول/سبتمبر، داخل الخيام المنصوبة بعيداً عن البيوت الآيلة للسقوط، في انتظار إعادة تأهيل المباني المتضررة.
بقرية تدشرت بمنطقة أمزميز، إحدى الأقاليم الأكثر تضرراً من الزلزال الذي ضرب المنطقة والذي خلف 2946 قتيلاً و5674 مصاب، وقفت نساء القرية برفقة أطفالهن في انتظار شاحنة محملة بأكياس الدقيق، مؤكدات على أنه من النادر أن تصل مساعدات بسبب وعورة الطريق، وهو ما يضاعف من معاناتهن جراء نقص المواد الأساسية.
الشتاء على الأبواب والقرية توشك، مع تساقط الثلوج، أن تصبح معزولة كليا، مما يجعل النساء متخوفات من مصيرهن إذا ما طال هذا الوضع، حيث تعشن ظروف قاسية، بسبب الزلزال الذي ألحق أضرار بالبيوت الطينية وشرد الكثير من الأسر.
وتقول إحدى الناجيات من الزلزال فتيحة بوهداج إنها تعيش مع أطفالها أوضاع صعبة، فالطقس يكون حاراً خلال النهار ويحول الخيام إلى شبه أفرن مفتوحة، حيث لا تقوى النساء على المكوث بها لوقت طويل، بينما أثناء الليل يكون الطقس بارداً، ويصبح النوم فيها، مع نباح الكلاب المتواصل، أشد صعوبة بسبب عدم توفر الأغطية الكافية.
وغالبية نساء القرية تفضلن التجول طيلة النهار خارج الخيام هرباً من الجو الخانق داخلها، بينما أخريات تعشن في أعشاش عشوائية تم إنشاؤها مؤقتاً في انتظار إيجاد مساكن.
وأشارت فتيحة بوهداج إلى أن الأطفال توقفوا عن الدراسة ويتجولون طيلة النهار في العراء تحت أشعة الشمس الحارقة "لا نعرف إلى متى سيستمر هذا الوضع. ألفنا مساكننا الطينية البسيطة التي كانت توفر لنا البرودة أثناء الصيف وتمنحنا الدفء خلال الشتاء، ولم يكن في الحسبان أن نواجه مثل هذا المصير".
وعن وصول المساعدات الإنسانية، لفتت إلى أن أغلب القوافل لا تصل إلى القرية بسبب صعوبة المسالك الجبلية، والطريق الوعرة، التي تمنع الكثيرين من المجازفة لإيصال المساعدات إلى هناك، مما تضطر النساء إلى تدبير قوت يومهن من خلال ما ادخرنه طيلة العام.
بدورها أكدت عائشة أيت الطالب أنها لم تستطع لغاية اليوم أن تنام بشكل طبيعي بعد الرعب والخوف الذي خلفه الزلزال في نفسية أغلب سكان القرية والقرى المجاورة، مبينةً أنه على الرغم من مرور أكثر من أسبوع على إخلاء منازلهم، إلا أنها تشعر بأنهم قضوا شهور في العراء، مضيفةً "بسبب الظروف القاسية التي نعيشها. تركنا ملابسنا وأغراضنا في البيوت المتضررة، وأصبحنا نخاف من دخولها. نكتفي بالقليل من الطعام واللباس، ولا نعلم إلى متى سيستمر هذا الوضع".
وطالبت بإصلاح الطريق لتسهيل وصول المساعدات إلى القرية، خاصة وأنه مع اقتراب فصل الشتاء سيتسبب تساقط الثلوج في قطع كل المنافذ المؤدية للقرية، مما سيضاعف من حجم معاناة النساء والأطفال على حد سواء.
وأكدت أن الرجال يغادرون القرية بين الفينة والأخرى لجلب احتياجاتهم الأساسية، بينما النساء لا يسمح لهن بالمغادرة إلا للاستشفاء، وهو ما جعل حياتهن أكثر قسوة مع إخلاء المنازل.
من جهتها أشارت فاطمة أيت بلا إلى أنها لم تعد تعيش لا هي ولا باقي النساء حياة عادية، كما كانت في السابق قبل وقوع الزلزال الذي غير الكثير من عاداتهن "نقضي النهار كله بين تفقد بيوتنا المتصدعة وبين الخيام التي لا نقوى على المكوث فيها بسبب جوها الخانق. لم نعتد عليها. أجبرنا على العيش فيها عنوة لأننا لا نملك غيرها. الحياة أصبحت صعبة هنا، ونحاول قدر الإمكان أن نتأقلم مع الوضع الجديد لكننا لا نقوى على ذلك".
ولفتت إلى أن آثار الخوف والرعب لا تزال جاثمة في الصدور "أحياناً أصحو وأنا أتصبب عرقاً معتقدة بأنني فقدت أبنائي. لا أستطيع أن أنسى ما حدث. كانت ليلة قاسية علينا جميعاً، إننا نعيش في كابوس وأتمنى أن نصحو منه".
ولا يوجد حديث بين النساء في القرية إلا عن الزلزال الذي عصف بهن وشردهن وأطفالهن، تقول زهرة أيت مبارك "تعبت من المبيت في العراء ولم أعد أتحمل هذه الظروف. أنا امرأة كبيرة في السن والمبيت هنا يرهقني. نحاول أن نتأقلم مع الوضع الجديد لكنه صعب. كلما تذكرت ليلة الزلزال أشعر أن قلبي سيتوقف".
فقد شرعت السلطات المغربية في وضع المرحلة الأولى من برنامج إعادة الإيواء وإعادة تأهيل 50 ألف مسكن انهار كلي أو جزئي على مستوى كل القرى المتضررة بإقليم الحوز.
ويشمل البرنامج مبادرات استعجالية للإيواء المؤقت من خلال صيغ إيواء ملائمة في نفس المكان، عبر توفير خيام مؤقتة تحمي النساء والأطفال من العراء، تتوفر على بنيات مقاومة للبرد وللاضطرابات الجوية المحتملة، أو من خلال توفير فضاءات استقبال مهيأة تتوفر على كل المرافق الضرورية، كما ستمنح الحكومة مساعدة مالية.
ويشمل البرنامج كذلك اتخاذ مبادرات فورية لإعادة الإعمار، تتم بعد عمليات قبلية للخبرة وأعمال التهيئة وتثبيت الأراضي، حيث من المقرر لهذا الغرض، تقديم مساعدة مالية مباشرة بقيمة 140 ألف درهم للمساكن التي انهارت بشكل تام، و80 ألف درهم لتغطية أعمال إعادة تأهيل المساكن التي انهارت بشكل جزئي، مع ضرورة إجراء عملية إعادة الإعمار بإشراف تقني وهندسي يراعي تراث المنطقة ويحترم الخصائص المعمارية لهذه المناطق المنكوبة.