نساء إدلب تحاربن الصورة النمطية

أظهرت المرأة في إدلب خلال سنوات الحرب مشاركة لا يستهان بها وتأقلمت مع كل الظروف، وتبوأت مساحة لإثبات ذاتها فحققت أكثر بكثير مما كان متوقع منها

سهير الإدلبي

إدلب ـ أظهرت المرأة في إدلب خلال سنوات الحرب مشاركة لا يستهان بها وتأقلمت مع كل الظروف، وتبوأت مساحة لإثبات ذاتها فحققت أكثر بكثير مما كان متوقع منها، وعملت على تمكين ذاتها بالتدريبات العملية والمهنية لتكون أقوى وأقدر على مواجهة ظروفها القاسية التي فرضتها عليها الحرب من جهة، والعادات والتقاليد المقيدة لها من جهة أخرى.

مع فقد المرأة السورية قسراً ولوقت طويل فاعليتها في النشاطات الإنسانية العامة التي تعتمد العقل والقدرات والمواهب والجهد والمشاركة في الحياة بكل مجالاتها، بناء على التمييز القائم على النوع الاجتماعي، والإقصاء الناجم عن سنوات طويلة من استضعاف المرأة وتنحيتها جانباً، ليقتصر عملها ودورها على الثانويات في الحياة الاجتماعية، وقولبها ضمن إطار محدود من العلاقات والأعمال التي تفقدها قيمتها كأي فرد فاعل في المجتمع، ورغم ظروف الحرب والأوضاع الأمنية والمعيشية المتردية ظهرت نساء طموحات عملن على كسر تلك الصورة النمطية فتحدين واقعهن وانطلقن للعمل بإخلاص وقوة وعزيمة، ومع كل العقبات والصعوبات التي واجهتهن استطعن تحقيق النجاح.

لم تستكن غالية الرحال (47) عاماً الكوافيرة لواقعها بل تحدت مجتمعها، وقامت بتأسيس أول مركز لتمكين المرأة في ريف إدلب، هذا المركز الذي غدا واحد من سلسلة مراكز متعددة موزعة في المنطقة حملت شعار "لم أعد عبئاً أصبحت سنداً" وساهمت وماتزال تساهم بتخريج عدد كبير من المتمكنات في مختلف المهن.

تقول غالية الرحال مختصرة رحلتها "بدأت من لا شيء، فقط عزيمة قوية وقبو صغير ومظلم، أدوات بسيطة، استقطبت النساء المتضررات والمنهكات، ساعدتهن على النهوض بمؤازرتهن ورفع قدراتهن وانتاجياتهن، فقد تضاعفت الأعباء عليهن، هن اللواتي غدون المعيلات بعد وفاة الزوج أو اعتقاله أو اختطافه أو تغييبه لأي سبب كان "، تصمت قليلاً لتتابع "لقد عملنا معاً على إثبات ذاتنا ونجحنا في ذلك".

وتشير إلى أنها تعرضت وما تزال للكثير من الانتقادات والتهديدات والمضايقات من مجتمع لم يعتد إلا أن "يرى المرأة ربة منزل ومربية أطفال، جل همها إرضاء زوجها ومجتمعها".

استمرت غالية الرحال في عملها رغم أن زوجها خيرها بينه وبين عملها، فكان أن اختارت عملها الذي جاهدت لنجاحه وغدا بارقة أمل للكثيرات ممن استفدن منه سواء بتدريبهن أو بحصولهن على فرص عمل ضمن اختصاصهن.

ولسلمى العوض وهي نازحة من مدينة معرة النعمان إلى إدلب المدينة، قصة مع تخطي كل الظروف الشائكة والمعقدة في حياتها لتثبت أنها ليست عديمة الفائدة، وأنها موجودة وقادرة على تحدي المستحيل، بدأت قصتها بزواجها المبكر وعمرها لم يتجاوز السادسة عشرة، حينها لم تكن سلمى حائزة سوى على شهادة التعليم الأساسي، أمضت سلمى مدة سبع سنين بعد زواجها حبيسة جدران المنزل، تقوم بواجبها المعتادة وهو العناية بأطفالها الثلاثة، وتكريس كل وقتها للاهتمام بزوجها وخدمته وإرضائه.

تقول سلمى العوض "شعرت أنني مغيبة ككائن قادر على التفكير والفعل واتخاذ القرارات، شعرت أنني مسيرة لدرجة أنني لا أملك من أمري شيئاً، علي إهدار كل وقتي في تفاهات الحياة اليومية والروتينية المملة، هنا قررت تحقيق شيء ما على صعيد حياتي الشخصية والعملية".

من هذا المنطلق قررت سلمى العوض دراسة البكالوريا والحصول على الشهادة الثانوية ولكن زوجها بعقليته المعقدة لا يسمح لها بمغادرة المنزل، فكان أن عملت على استحضار المقررات والدراسة في المنزل سراً وفي أوقات فراغها وأثناء غياب زوجها عن المنزل لا سيما وأنه رفض فكرة دراستها كلياً.

كانت تسرع لتخبئة كتبها ما إن يحضر زوجها المنزل، فتأمن متطلباته وحاجاته، وكثيراً من الأحيان كان يدخل زوجها المنزل فجأة ليجد الكتاب في يدها، فيغضب ويمزق الكتاب ويعنف سلمى نفسياً وجسدياً.

هذه الحادثة أخذت تتكرر لدرجة أن الزوج بدأ يتململ ويتغاضى قليلاً عن زوجته حين وجد من عزيمتها وإصرارها على الدراسة، وخاصة أنها لم تكن مقصرة في أعمال بيتها وتقوم بواجباتها اتجاهه واتجاه أبنائها على أكمل وجه.

اقترب موعد الامتحانات وهنا أصبح من الضروري على سلمى العوض إقناع زوجها بالسماح لها بمغادرة المنزل لتقديمها في مركز الامتحانات الحرة في إدلب، وفعلاً سمح لها بوساطة من بعض الأقرباء، كل ذلك وسط تهكمات وتعليقات وهمسات من هنا وهناك والسخرية من سلمى التي عادت للدراسة بعد انقطاع طويل باستحالة قدرتها على النجاح ضمن ما تعيشه من ظروف وأعباء عائلية، إضافة لدراستها في المنزل لجميع المقررات دون حضور أي دورات تقوية أو خصوصية من شأنها مساعدتها في استيعاب ما تعلمته، مع العلم أن المنهاج عجز عن تحصيله الكثيرون حتى ممن يداومون على حضور دروس كافة المواد ضمن المدارس ومعاهد الدورات الخاصة.

اجتهدت سلمى العوض طوال عام كامل تمكنت من النجاح ونالت أعلى الدرجات وسط دهشة من زوجها والوسط المحيط الذي وجد فيها مثالاً للعزيمة والإرادة والذكاء.

علاماتها أهلتها لدخول مختلف الفروع في جامعة إدلب، وقررت ألا تقف عند حد الشهادة الثانوية، فطموحها أبعد من ذلك، وبالوقت ذاته لا تريد خسارة زوجها وبيتها، فعملت على إقناع زوجها ليسمح لها بالتسجيل في الجامعة، واختارت قسم التمريض لحاجة المنطقة لهذا الاختصاص بعد مضي سنوات على الحرب التي تسببت بهجرة الخبرات والطواقم الطبية، وباتت المشافي بحاجة لطواقم عمل جديدة.

بكثير من التعب والجهد حققت النجاح وحازت على إجازة جامعية في التمريض وبدأت بمزاولة المهنة أواخر 2016.

واجهت سلمى العوض ومازالت العديد من الأخطار والمشكلات ضمن عملها وخاصة بعد التحاقها بفرق الدفاع المدني النسائية لإسعاف النساء أثناء القصف والحوادث المتعددة ومنها العادات والتقاليد التي تتربص بالمرأة وترصد تحركاتها وتشكك بأي عمل تقوم به، وكذلك المخاطر التي تواجهها أثناء إعادة قصف المناطق التي تم قصفها أثناء تواجدهم في المكان، ومع كل ذلك هي مستمرة وثابتة ومؤمنة بقضيتها.

لم تكن سلمى وغالية الوحيدتان، بل هما نموذج لنساء عديدات انتفضن على واقعهن وخرجن من القوقعة التي وضعن فيها، ليحققن ذاتهن، وليثبتن للعالم حقيقة قدرتهن على أن يكن نداً للرجل في جميع جوانب الحياة متجاوزات كل الأفكار والقوالب المتوارثة، ليبينن بأنهن كفء لتحمل المسؤولية وصنع القرار والمساهمة في التغيير الإيجابي.

من جهتها تعترف الناشطة المجتمعية روان الشلح (33) عاماً بأن المرأة السورية استطاعت إثبات نفسها كرديف أساسي للرجل بشتى المجالات إلا أنها تنتقد قلة تمثيلها للجانب القيادي والسياسي.

وأشارت إلى أن مشاركتها لا زالت محدودة ضمن المجالس المحلية والهيئات السياسية والتي تفتقد للمشاركة الفاعلة من جانب المرأة، لكنها بالوقت نفسه لا تحمل المسؤولية للمرأة ذاتها بقدر ما تحمله للمجتمع الذي ما زال يحد من تفاعل المرأة في هذا المجال.

وسلط تقرير صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان في يوم المرأة العالمي العام الماضي الضوء على جانب من الانتهاكات والمضايقات التي تتعرض لها المرأة العاملة في الشأن العام.

ويتحدث التقرير عن تعرض بعض النساء اللواتي انخرطن في الشأن العام، وعملنَ في الأنشطة السياسية والإعلامية والإغاثية إلى السخرية على أساس الجنس، والتضييق لدفعهن إلى التخلي عن عملهن، ويشير إلى أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية القاسية أجبرت الكثير من النساء على العمل في مجالات عمل وبيئة غير مناسبة، تعرضنَ خلالها لكثير من المضايقات، والتمييز على أساس الجنس، إضافة إلى فرض حالة من تقييد حرية الحركة، واللباس.