نازحات سودانيات: المحنة تولد منحة
اقترب عدد الفارين بسبب النزاع الدائر في السودان من 8.5 ملايين بين نازح/ـة ولاجئ/ـة، مع تردي الظروف الاقتصادية وشح فرص العمل التي تمثلاً تحدياً كبيراً يواجه النازحات خاصة المعيلات لأسرهن.
ميساء القاضي
السودان ـ في ظل أوضاع اقتصادية ومعيشية بالغة التعقيد في السودان، تبذل النازحات جهوداً مضاعفة من أجل توفير لقمة العيش والمتطلبات الأساسية لأسرهن.
بلغ عدد النازحين/ات داخل السودان أكثر من ستة ملايين ونصف يتواجدون في ستة آلاف موقع من ولايات البلاد الثمانية عشر، بينما عبر ما يقارب المليونين الحدود إلى البلدان المجاورة، وعلى الرغم من أن بعض النازحات لم تعانين لإيجاد مكان آمن تلجأن إليه كونهن انتقلن للسكن مع أقاربهن في الولايات الآمنة، لكن المصاريف اليومية خاصة في ظل الغلاء وتدمير البنية التحتية من معامل ومصانع وإغلاق الأسواق، كل ذلك يمثل تحدياً كبيراً في بلد يعاني أساساً أزمة اقتصادية فاقمها النزاع المستمر منذ عام تقريباً.
تخرجت داليا محمد من كلية الآداب قسم التاريخ وكانت تعمل معلمة في الخرطوم، ومع بدء النزاع في البلاد أجبرت على النزوح إلى الولاية الشمالية برفقة طفلها ووالدها وأخوتها كون زوجها كان يعمل في هذه الولاية، وتقول "في البداية كنا متعايشين مع الأوضاع التي خلفها النزاع لكنها ازدادت سوءاً وصعوبة مع إغلاق المحال التجارية أبوابها والقذائف بدأت تسقط بشكل عشوائي على منازل المدنيين كما أن والدي بات بلا عمل مما زاد الأوضاع سوءاً، فكنا مجبرين على النزوح وبعد رحلة طويلة وصلنا إلى الولاية الشمالية، حيث بدأ أشقائي بالعمل مع زوجي، لكن ذلك لم يكن كافياً لتغطي مصاريفنا الضخمة، فقررت إطلاق مشروعي الخاص بعد أن اشتريت بعض الأدوات والمستلزمات لصناعة المخمريات التي لم يكن هناك أقبال عليها حتى بدأ الجيران بشرائها مني، ثم تمكنت من الاشتراك في البازار المقام في الحي، في البداية قمت بالاشتراك بنصف طاولة بعدها اشتركت بطاولة كاملة".
واجهت داليا محمد صعوبات كثيرة منها كثرة أعداد اللذين يعملون في ذات المشروع خاصة النازحات، بالإضافة إلى "كوني غير معروفة في المنطقة خصوصاً أنني انتقلت مؤخراً للإقامة هنا لا يشتري الناس من منتجاتي مهما كانت جودتها عالية بل يفضلون الشراء من الأشخاص المعروفين بالنسبة لهم، كما أن غلاء أسعار المواد التي استخدمها وتكلفتها زاد الوضع سوءً".
وأضافت داليا محمد أنها بسبب النزوح والتشريد تعلمت عدم الاكتفاء بالجلوس في المنزل ولوم الحظ، بل يجب أن يستثمر وقته للقيام بعمل يساهم بالنهوض بواقعه "بالرغم من أن الحرب سيئة إلا أن فيها الكثير من الأمور التي بت أقوم بها لم أتخيل نفسي يوماً ما أني سأفعلها".
وفي أحد المعارض التي تنظمها النساء المعروفة باسم (البازار) تكتسب أهمية خاصة، فهناك بعض الأسباب المجتمعية تُمنع على إثرها الكثير من النساء من ارتياد الأسواق لشراء حاجياتهن بحجة أن ذلك معيباً، لتصبح هذه المعارض التي تقيمها النساء متنفساً للنساء ومكاناً للتبضع بحرية ومصدر دخل للكثيرات منهن، وواحدة منهن بثينة جيب الله الخليفة التي نزحت من الخرطوم، تضع أمامها طاولة عليها بعض السلع من أشياء مختلفة منها المعجنات والإكسسوارت وعيدان البخور والعطورات.
وعن المعاناة التي خلفها النزاع بينت "خرجنا من الخرطوم بعد اشتداد المعارك هناك، لم يتسنى لنا الوقت الكافي لنحمل معنا أي شيء"، مشيرة إلى أنها "واجهت صعوبات كثيرة حتى تمكنت من العمل في البازارات، فقد استدنت الكثير من المال، إلا أنني أبيع منتجاتي بثمن زهيد، وتمر أيام يكون الأقبال جيداً وأيام لا يكون كذلك، عدم الحصول على أرباح بات أفضل من الجلوس في المنزل عاطلين عن العمل ونفكر بما آلت إليه الأوضاع بسبب النزاع الذي خلف آثار نفسية كثيرة".
وأشارت إلى أنها "لا أجني الكثير من المال فمرة أخسر وتارة أربح القليل، أريد توفير لقمة العيش لأطفالي بالإضافة لادخار بعض المال للأيام القادمة خاصة أن زوجي عاطل عن العمل بسبب قلة فرص العمل في هذه المنطقة وكثرة أعداد النازحين"، مبينة أنها تواجه جملة من التحديات أبرزها "ارتفاع أسعار المواد الخام التي استخدمها خاصة في صنع العطور السودانية التقليدية".