مريم... حكاية النزوح والفقدان

تكاد هموم البشر لا تنتهي لتأتي الحروب وتزيدها، قصة النازحة مريم بكير تشبه الكثير من قصص النساء في سوريا وخاصة مناطق شمال وشرق سوريا الذي لا تفارقه الحروب

غدير العباس
الحسكة ـ ، وفيه تقع الهموم والمسؤوليات الأكبر على عاتق المرأة، التي تجبر على مواجهة عادات وتقاليد المجتمع من جهة، ومصائب الحياة من جهة أخرى، لكنها تبقى أهلاً لهذه المسؤولية وجبل شامخاً في وجه الأقدار.
 
مسؤولية عائلتين
رغم أنها كانت غير متزوجة إلا أن عائلة مريم أحمد بكّير قبلت بتزويجها لرجل متزوج ومطلق وله أطفال، وكان الحال ليختلف كلياً لو كانت هي المطلقة في مجتمع يطلق أحكام مسبقة على المرأة، ويصنفها في خانات انتجتها الذهنية الذكورية، يضع علامة سوداء على حياتها وكأنها "من أصحاب السوابق".
تقول إن زوجها تزوج عن طريق أحد تقاليد المنطقة المعروف بزواج البدل، وبذلك تدمر زواجه الأول لأن شقيقته طلبت الطلاق من زوجها، "زوجته تركت لأن اخته تركت زوجها". 
أجبر زوج مريم بكير على الانفصال عن زوجته الأولى وله منها ابنتان وولد، عندما تزوج مريم كان عمرها ثلاثة وعشرين عاماً، "كان عليه أن يتزوج لتقوم أم بديلة بتربية أولاده"، تشاركت بتربية أبناء زوجها مع بيت جدهم إضافة لأطفالها الذين انجبتهم فيما بعد "في البداية عاشت البنتان في بيت جدهم ثم استقرت الأبنة الصغرى في منزل والدها".
تزوجت إحدى ابنتي زوجها بعد فترة قصيرة من زواج مريم، وبقيت لديها طفلة عمرها لا يتجاوز سبع سنوات، وشقيقها الذي يصغرها وكان قد ولد قبل وقت قصير من طلاق والديه.
أصيب زوج مريم بكير بجلطتين الأولى قبل الأزمة السورية "أصيب زوجي بجلطة قلبية قبل الأحداث وأجرينا له عملية في دمشق" وكان قد أصيب بجلطة دماغية أيضاً في عام 2014.
هناك كثير من التفاصيل لم تتحدث عنها مريم بكير، عن حياتها مع رجل لديه عائلة، كيف كانت تُعامل من قبل زوجها وأبنائه، وكيف كان لها التوفيق بين أولادها وهم ولدين وابنتين وأولاد زوجها عادل حسين دون أن تثير الحساسيات فيما بينهم، وغيرها الكثير من التفاصيل.
 
النزوح إلى تركيا
منذ بداية الأزمة السورية في ربيع 2011 التي تحولت إلى حرب دامية، كافة المناطق لم تكن آمنة وحتى مناطق شمال وشرق سوريا والتي هي من أكثر المناطق أمناً مقارنة بغيرها، تعرضت للهجمات متكررة من قبل فصائل وتنظيمات إرهابية خلال هذه السنوات.   
وكان أن سيطر ما يعرف بالجيش الحر في عام 2012 على سري كانيه/رأس العين، ثم سيطرت مجموعة من الفصائل والتنظيمات التكفيرية التي بدأت تظهر في سوريا تلك الفترة منها جبهة النصرة الإرهابية، ومرتزقة داعش، وأحرار الشام عام 2013، ونتيجة المعارك فر عدد كبير من الأهالي منهم إلى الداخل السوري، وعدد آخر دخل الأراضي التركية؛ لسهولة الدخول إليها في ذلك الوقت. 
نتيجة سيطرة الإرهابيين تردت الأوضاع بشكل كبير في المنطقة مرت العائلة بضائقة مادية بسبب ذلك تقول مريم بكير "لم نكن نجد ما نأكل"، عندها قررت العائلة ترك قريتهم علوك في سري كانيه/رأس العين واللجوء إلى تركيا؛ هرباً من العمليات العسكرية وممارسات التنظيمات الإرهابية، واستطاعوا الحصول على عمل يعيشون منه "عشنا بفضل عمل بناتي".
 
فقدت ابنها ماهر في الغربة
وصلت العائلة إلى مخيم أبصون في مدينة أورفا، واستفادت من وجود عمل في المدينة التي يعتمد سكانها على الزراعة، وكان الملاك الأتراك يستغلون رخص اليد السورية العاملة، تحملت بنات مريم بكير جزءاً كبير من المسؤولية، فكن يعملن في قطف الفاكهة لإعالة الأسرة خاصة أن والدهن أصيب بأزمة قلبية فيما مضى "عملت بناتي في قطف البرتقال والتفاح والرمان... ساعدنا عملهن أن نعيش حياة كريمة"، كانت الحياة تبدو يسيرة وتمشي الأيام برتابة لو لم يقع الحادث المشؤوم في عام 2014 عندما توفي ابنها ماهر بعد تعرضه لحادث سير "كان علينا العودة به إلى سوريا ليدفن في بلده، فنحن لاجئين ومهما طال الزمن سنعود، ولا ينبغي ترك قبره في بلاد الغربة".
 
موت ابنتها آيات في عيد الأم
حررت وحدات حماية الشعب والمرأة مدينة سري كانيه/رأس العين ومعظم القرى المحيطة بها، في منتصف شهر تموز/يوليو 2013، مما مهد الطريق لعودة آلاف العائلات المهجرة ومنها عائلة مريم، التي فضلت ترك ديار الغربة والعودة إلى منزلهم بعد تحرير قريتهم في شهر أيلول/سبتمبر من ذات العام وكانوا قد قضوا سبعة أشهر في تركيا. 
وفي نهاية شتاء 2017 وبينما كانت مريم بكير تجلس في الغرفة وتقوم بخياطة بعض الوسائد، سمعت صوت صراخ فهبت مسرعة إلى الغرفة لتجد نار المدفأة شبت بابنتها آيات، "كانت قد طلبت منها اختها إمساك المدفئة "الصوبا" وظنتها غير مشتعلة"، لم تبدو الحروق الظاهرة شديدة الخطورة، لكن الأطباء قالوا للأم بأن النار قد دخلت إلى الرئتين وتحتاج إلى عناية خاصة، فما كان من مريم وزوجها إلا أن قررا الذهاب إلى دمشق لعلهما يستطيعان انقاذ حياة ابنتهما. 
بقيت تحت المراقبة قرابة عشرين يوماً، "بقينا في المشفى نحو 19 أو عشرين يوماً على ما أذكر"، لكن لم يستطع الطب تغيير القدر، وفي صباح يوم عيد الأم والذي يصادف الحادي والعشرين من آذار/مارس سلمت الفتاة آيات الروح، "توفيت صباح عيد الأم" كانت هدية مريم بكير في ذلك العيد مؤلمة عادت إلى رأس العين تحمل جثة ابنتها كما حصل معها عندما عادت بجثة ابنها من تركيا. 
 
النزوح إلى الحسكة 
كثرت التهديدات التركية لاجتياح مناطق شمال وشرق سوريا، فكان سكان المناطق الحدودية يتخوفون من الحرب لأنهم جربوها سابقاً وأكثر من سيتأذى إذا ما اندلعت.
وفي العام الماضي 2018 عندما زادت وتيرة التهديدات نزحوا إلى منزل أقاربهم وعندما لم يحدث شيء عادوا إلى منزلهم "نزحنا مدة أسبوع عند أقاربنا وعندما عاد الناس إلى منازلهم عدنا نحن كذلك".
كانت تصلهم أخبار من سكان المناطق الحدودية وبعض معارفهم الذين ما زالوا في أورفا عن قيام قوات الاحتلال التركي بإزالة الجدار الحدودي قبل الاجتياح بفترة "قالوا لنا أهربوا لقد هرب الكثير".
وفي عصر يوم الأربعاء في9تشرين الأول/أكتوبر2019 عندما بدأ القصف الجوي اجبرت العائلة على النزوح، "قلنا لأنفسنا سوف نتوجه للحسكة فالمنازل تعوض لكن كنا خائفين من أن يتسبب القصف في ايذاء أحد أفراد العائلة خاصة أن لدينا أطفال". 
تركوا كل شيء المنزل وملابسهم وحتى المونة التي حضروها للشتاء، واتجهوا صوب مدينة الحسكة إلى أحد اقرباء زوجها.
وجد أفراد العائلة بعد أسبوع أن عليهم ترك منزل أقاربهم، فليس معروف متى تتوقف الحرب ويعودون إلى منزلهم، "لا نستطيع البقاء عالة على الناس"، آثروا اللجوء إلى أحد المدارس التي يتواجد فيها نازحون، وتوجهوا إلى مدرسة عبد الله القادري في حي المفتي.
استقرت مريم بكير وعائلتها في المدرسة على أمل العودة إلى قريتهم، رغم أن الأخبار التي وصلتهم تفيد بأن منزلهم تعرض للقصف ولم يبقى منه شيء "خسرنا كل شيء...الحمد لله".