مريم الحجازي: اللغة مرآة عاكسة للفكر

أكدت الدكتورة مريم الحجازي أن اللغة تعبر عن الحقيقة وعن أرض الواقع وهي مرآة عاكسة للفكر والبيئة.

ابتسام اغفير

بنغازي ـ هناك اتجاهات عدة لطرح مفهوم جندرة اللغة والعمل به في عدة لغات من العالم والعربية ليست استثناء من هذه اللغات، فبدأت تظهر مؤخراً دعوات لجندرة اللغة العربية، وابتكار نماذج للكتابة التي تظهر اللغة العربية بشكل مغاير يختلف كثيراً عما تعودنا عليه كأن يقال صحافي/ة، شاعر/ة، أو كأن يتم تأنيت الصفات مثل مديرة بدلاً عن مدير، رئيسة تحرير بدلاً عن رئيس تحرير.

طرحت الدكتورة مريم بيد الله الحجازي متخصصة في النحو والدلالة قسم اللغة العربية في محاضرتها لطلبة الدراسات العليا بقسم العربية مفهوم جندرة اللغة بفكرة مغايرة، والتي كانت مدخل لتعريف الطلاب بأن هناك علاقة قوية بين الفكر واللغة وتقول "أنا لا أستطيع أن أقول جندرة اللغة، لأن اللغة لا تجندر عمداً، بل أنها تعكس الفكر السائد في أي فترة".

وحول مسألة جندرة اللغة أوضحت "في المواثيق والعهود الأخيرة خاصة تلك التي تركز على المرأة، هناك تيار يسعى إلى إرغام اللغة كي تعبر عن هذه المفاهيم الجديدة، فاللغة أداة حرة تعبر وتعكس الحقيقة من غير أن يتم إرغامها على شيء، ولكن في الفترة الأخيرة هناك تيار يسعى لأن يفرد خطاب خاص بالمرأة كأن يتم تأنيث صفات معينة لا يمكن تأنيثها في اللغة العربية".

وأوضحت أن الصفات التي على وزن فعيل في اللغة العربية تشمل المذكر والمؤنث، وأن للمؤنث حضور طاغي في اللغة العربية، فأبواب التأنيث في اللغة العربية كثيرة جداً، فالعرب في أحيان كثيرة يؤنثون حتى المذكر، فاللغة كانت تعكس ما كان عليه العرب في تلك الفترة من ثقافة عبر مراحل زمنية مختلفة.

وبينت أن هناك تمايز بين الاستخدامات، ففي فترة من الفترات كان العرب يستخدمون صيغة التذكير المطلق، ثم جاءت فترة استخدموا فيها التأنيث، فاللغة ماهي إلا انعكاس لما كان عليه العرب آنذاك وليس العرب فقط وإنما أي أمة من الأمم تعكس لغتها ما هو سائد فيها.

وحول إمكانية جندرة اللغة قالت "اللغة صادقة، واللغة تعكس ما عليه تلك البيئة من ثقافة، من هويات، لذلك نحن لا نستطيع جندرة اللغة، لأنه إذا ما أرغمنا اللغة ستكون هناك ردة فعل عكسية دون شك، فلا يمكن أن تأتي بأداة من أدوات التعبير وأن ترغمها عن التعبير على شيء معين، وستكون فترة مؤقتة ولا تعكس الواقع بأي شكل من الأشكال".

وأوضحت أن اللغة تعبر عن الحقيقة وعن أرض الواقع، وهي تنتصر للأنثى، لأن الفكر العربي كان منتصراً للأنثى، فاللغة لا تنتصر لوحدها، ماهي إلا مرآة عاكسة للفكر، فعلى سبيل المثال نجد أبواب التأنيث كثيرة جداً في النحو العربي، فالمؤنث له علامات ولديه نوع من الخصوصية، وقد تؤنث أشياء غير مؤنثة، ويقال عنها مؤنث مجازاً، مثل الشمس، السماء، كل ذلك يعكس بيئة لها عناية خاصة بالأنثى.

وترى أن الظاهرة واحدة ولكن كلاً ينظر إليها من واقع فكره، فاللغة العربية مرت بمراحل كثيرة ولكن ما نعرفه هو ما تم توثيقه بعد نزول القرآن وربما مرت بمراحل عكست من خلالها ثقافات كثيرة، فلو جئنا بقول "قالت الأعراب"، وقوله "قال نسوة"، ربما في هاتين المرحلتين قد طغى التذكير مرة والتأنيث مرة أخرى ثم حصل توازن فيما بينهما.

وبينت أنها تستدل من ظواهر اللغة على الفكر السائد، فعلى سبيل المثال هناك ظواهر متعلقة بالأنثى فقط، فأي أنثى ممنوعة من التنوين لأن التنوين استقلال، فالكلمة عندما تنون لا يمكن أن تضاف، فكأن يقال إن المرأة لا يمكن أن تكون وحدها خوفا عليها وصيانة لها، لأن المرأة بالنسبة للعرب هي مناط الشرف، وبالتالي الحرص عليها يكون شديد جداً "كل يفسر الظاهرة من وحي ثقافته وبيئته، فأنا أراها مزايا وليست عيوباً".

وعن كيفية جعل اللغة تواكب مفهوم الجندرة الحالي من خلال ما طرحته أكدت "نحن لا نستطيع أن نرغم اللغة على التعبير عما ليس موجود في الواقع، فاللغة تملك إرادة حرة، فمهما فرضنا على اللغة من جندرة بالمفهوم الحالي ستظل مرحلة مفروضة مصطنعة وليست حقيقية، ولكن القيم متغيرة وليست ثابتة"، مؤكدة أنه لو تغيرت البيئة في تعاملها مع المرأة بالتأكيد ستتغير اللغة، لأن اللغة كما أسلفنا هي مرآة الفكر، ولكن أن نفرض على اللغة استخدامات معينة، قد تستمر فترة ثم تتلاشى.