مرارة الفقد والفراق... قصة صمود امرأة أمام التحديات

في سوريا، لم تكن الزنازين فقط للأجساد، بل تُحتجز فيها الأحلام وتُقيد الآمال في غياهب الاعتقال، ويبقى صوت الحرية صدىً يئن في أعماق القلوب المنتظرة بلهفة للحظة العودة.

غفران الهبص

حلب ـ بين أعماق الأمل واليأس، تُنسج قصة امرأة تقف بشموخ أمام تحديات الحياة اليومية، فهي ليست مجرد زوجة لمعتقل، بل رمز للصبر والقوة، وسط العواصف التي تضرب حياتها، تستمر في الحفاظ على شعلة الحب والأمل، متشبثة بذكريات الماضي ومؤمنة بأن المستقبل يحمل في طياته فرجاً قريباً.

حورية سليمان تبلغ من العمر 60 عاماً، لديها 12 ولد، رحلة امرأة شجاعة تتحدى الصعاب، تُكافح من أجل الحفاظ على كرامتها وعائلتها، وتجسد قصة صمودٍ تلمس أعماق القلوب.

 

بداية الفقد

تروي حورية سليمان واقع حياتها قبل اعتقال زوجها قائلة "بسبب الأزمة السورية وما تعرضنا له حيث القصف المستمر والمكثف في مدينة حلب، خرجنا تاركين بيوتنا وأحلامنا وشوارع مدينتنا التي تحمل في كل خطوة حكاية واتجهنا إلى قرية بعيدة عن المدينة"، مضيفة "كان زوجي يعمل سائق وينقل الركاب والبضائع وذات يوم في عام 2014 لم يعود إلى المنزل وفقدنا الاتصال معه، وإلى هذا اليوم لايزال مصيره مجهول".

وأوضحت أنها "جمعت مبلغ مالي بصعوبة فائقة لتوكيل محامية له على أمل أن تجده أو تعرف عنه أي شيء لكن كنا ضحايا احتيال".

 

التحديات والصعوبات

عدد كبير من الأعباء تتكبدها النساء إذا ما كن مسؤولات بشكل كامل عن أسرهن وعن ذلك تقول "مسؤولية الأولاد كبيرة جداً وتحتاج إلى جهد وتعب ومصروفات، فكل ولد بحاجة إلى رعاية ومتابعة ومصاريف لا تنتهي". مشيرة إلى أنها واجهت الكثير من المواقف مع أبنائها "في كل مرة يطلب مني أحدهم شيئا كنت أشعر بالألم في أعماق قلبي وأطفالي لم يكونوا يدركون ما نحن فيه والظروف التي نمر فيها"، مؤكدة أنها كانت تستجمع ما بداخلها من حطام ومشاعر مرتبكة لتكون قوية وتدعم أطفالها في تلك المشاعر لتعويضهم عن حرمانهم والداهم، ولجأت إلى العمل في تصنيع الخضروات والفواكه المجففة والأطعمة الشتوية (المونة) لتأمين احتياجاتهم بمساعدة أولادها.

 

التهجير وآثاره

للتهجير آثار معقدة على الأسر لكونها فاقدة لكل شيء الأهل والأصدقاء والجيران ومكان التنشئة جميعها أمور عليهم تحمل مفارقتها والبدء من جديد وتقول "أتينا من دون أي شيء، فقط نفذنا بأروحنا، كنا ننتظر أن يتم مساعدتنا من قبل الأهل والجيران لكن بقيت وحيدة في مجابهة جميع الصعوبات".

وأوضحت "التحدي الأكبر هو عدم قدرتي على دفع مصاريف الدراسية لأبنائي، فأتجه كل واحد منهم إلى العمل في مهنة محاولين تأمين مصدر دخل حتى يستطيعوا المساعدة في تأمين احتياجات الأسرة".

وبنبرة حزن تقول "فقدت اثنين من أبنائي في قصف وحشي استهدف المنطقة التي نعيش فيها في عام 2019، الأمر الذي زاد من مرارة الفراق والفقد، اسودت الأيامي في عيني والدموع لم تفارق عيني وبات جسدي فريسة لمختلف الأمراض حتى أني أجريت عملية جراحية بسبب القهر الذي عانيته".

 

من رحم الأزمة يولد الأمل

حورية سليمان ليست المرأة الوحيدة التي تعاني، فهناك الكثيرات مكلومات تعانين في صمت من الفقد والفراق والمسؤولية التي تفوق قدرتهن ومع ذلك عليهن أن تتحلين بالقوة والصبر وتتجاوزن ما يعانونه من أجل أطفالهن "استطعت التغلب على جميع الصعوبات التي واجهتني، إلى أن تمكن جميع أولادي من تأمين عمل لهم لتأمين احتياجاتهم دون مساعدة أحد".

ورغم جميع الصعوبات ومرور سنوات عديدة على فقد زوجها إلا أنه لا يزال لديها الأمل لرؤية زوجها المفقود والعودة إلى منزلها ومدينتها بعد أن حرمتها الحرب جميع تلك الأشياء.