من التهميش إلى شريكة في البناء... المرأة السورية في قلب التحوّل

شكّلت تجربة الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا نموذجاً ناجحاً لمشاركة المرأة في الحياة العامة، فقد أثبتت النساء قدرتهن على قيادة العمل السياسي، والمشاركة في اتخاذ القرار، وإدارة المشاريع، وبناء مؤسسات المجتمع الديمقراطي.

زينب خليف

دير الزور ـ شهدت سوريا في السنوات الأخيرة تحولات كبرى، بعد أن تخلّصت مناطق واسعة من قبضة الإرهاب داعش والأنظمة الاستبدادية، ما فتح الباب أمام مرحلة جديدة قائمة على التعددية والديمقراطية والمشاركة المجتمعية في إقليم شمال وشرق سوريا، وفي هذا المشهد المتغير، تبرز المرأة كعنصر فاعل، لا مجرد متلقٍ للتغيرات، بل قوة دفعت أثماناً باهظة لتكون اليوم في مواقع صنع القرار.

 

المرأة السورية في مرحلة التحول

أكدت عضوة لجنة المرأة في مجلس الشعب بمدينة هجين في ريف دير الزور الشرقي ختام حدو، أن المرأة كانت وما زالت "الركيزة الأساسية" في مقاومة الإرهاب، وفي دعم مشروع سوريا ديمقراطية جامعة لكل مكوّناتها القومية والدينية قائمة على المساواة والعدالة الاجتماعية.

وشددت على أن المرأة حجر الأساس في مسيرة التحرر والبناء، لافتةً إلى أن سوريا الجديدة يجب أن تكون شاملة لجميع أطيافها قائمة على الديمقراطية وعلى المساواة الفعلية بين الرجل والمرأة "نتحدث اليوم عن سوريا جديدة تحررت من الإرهاب والدكتاتورية والطغيان، لتكون موطناً جامعاً لكل أطياف وأديان وقوميات الشعب السوري الذي عرف عنه حب الحياة والتعايش والدفاع عن الحرية".

وأضافت "لقد واجهنا طغاة وحاربنا فصائل إرهابية من أجل أن نبني وطناً يسوده الفكر الديمقراطي والانفتاح، وطن يليق بتضحيات شعبٍ مقاوم، دفع أثماناً باهظة من دماء أبنائه، وخاصة من نسائه".

 

دور المرأة في المقاومة والبناء

وأشارت ختام حدو إلى أن المرأة السورية لم تكن مجرد ضحية في الحرب، بل كانت شريكة حقيقية في النضال، وقدّمت فلذات كبدها من أبناء في سبيل تحرير البلاد "لا يمكن الحديث عن نصر تحقّق دون الاعتراف بدور المرأة. فهي الأم والزوجة والمناضلة التي لم تتراجع رغم كل ما فقدت. وعلى هذا الأساس، يجب أن يكون لها الدور الأساسي في سوريا الجديدة وألا تُهمّش أو تُقصى من أي مرحلة من مراحل البناء القادمة".

ولفتت إلى أن تجربة الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا شكّلت نموذجاً ناجحاً لمشاركة المرأة في الحياة العامة، فقد أثبتت النساء قدرتهن على قيادة العمل السياسي، والمشاركة في اتخاذ القرار، وإدارة المشاريع، وبناء مؤسسات المجتمع الديمقراطي.

وأكدت أن "المرأة في هذه المناطق فاعلة في المجالس والهيئات السياسية، وساهمت بشكل كبير في صياغة القرارات التي أثّرت بشكل مباشر في حياة الناس. لم يكن حضورها رمزياً أو شكلياً، بل حقيقياً وفعّالاً".

وحذّرت من خطورة العودة إلى الوراء أو إلى أي مرحلة يتم فيها تهميش النساء، بعد أن قدّمن كل هذه التضحيات "لا نريد شعارات فقط، ولا نريد تمثيلاً شكلياً للمرأة، نريد أفعالاً تؤكد أن المرأة شريك في القرار السياسي".

المرأة السورية، التي عبرت النيران ووقفت على خطوط النار الأمامية، وأدارت البيوت تحت القصف، وتحدّت سلطة السلاح والتكفير، ترفض اليوم أن تُقصى أو يُختزل دورها، لقد أثبتت في الحرب قدرتها على الصمود، وها هي في السلام تثبت قدرتها على القيادة.

لذلك فإن دعم المرأة وتمكينها في سوريا الجديدة ليس مجرد استحقاق أخلاقي، بل هو ركيزة لبناء وطن ديمقراطي متماسك، لا يعيد إنتاج الاستبداد بقوالب جديدة فمن رحم المعاناة تُصنع القادة ومن بين أنقاض الخراب تنبت النساء شريكات في مستقبلٍ لا يقصي أحداً.