من الحي إلى المجتمع... كيف تبني الكومينات نموذج العدالة والمساواة
يعيش مناطق إقليم شمال وشرق سوريا وفق أسس نظام كومنالي من التنظيم والديمقراطية، بمشهد تعاوني اشتراكي بين الرجل والمرأة.

نور الأحمد
الرقة ـ أعتمد نظام الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا بشكل مباشر على تنظيم المجالس والكومينات ويعتبر مفهوم النظام الكومنالي الذي هو العمود الفقري لمشروع الأمة الديمقراطية الذي طرحه القائد أوجلان، تجربة فريدة وجديدة على مناطق إقليم شمال وشرق سوريا، ويمثل الكومين المعتمد على نظام الرئاسة المشتركة إرادة المجتمع.
الكومين هو أحد أدوات بناء مجتمع يسوده العدل والمساواة، وتتوزع الكومينات بشكل منظم على أحياء المدن والأرياف والقرى، ويعتمد عمله من خلال لجانه المتنوعة على تنظيم الأفراد ضمن الحي وتأمين الخدمات الاجتماعية.
ويعد الكومين أصغر خلية في المجتمع يعمل على تنظيم الأفراد ضمن الأسرة ثم الحي ثم المجتمع بأكمله للوصول إلى مجتمع ديمقراطي أخلاقي حر.
وعن الحاجة الماسة لتطبيق النظام الكومنالي قالت الرئيسة المشتركة لمجلس الشهيدة هيلين جودي فلك الهلال "جاء تطبيق النظام الكومنالي كحاجة ضرورية وإسعافية لتنظيم المجتمع وفق أسس ومعاير محددة من التنظيم للوصول إلى مجتمع متماسك أخلاقي تسوده أجواء من العدل والديمقراطية، حيث انبثق من فكر وفلسفة القائد أوجلان وركز عليه ضمن مشروع الأمة الديمقراطية الذي طرحه، ويعتبر النظام الكومنالي هو الحجر الأساس لبناء نظام الإدارة الذاتية".
لجان الكومين
وعما يتألف منه النظام الكومنالي أوضحت "يتألف الكومين من الرئاسة المشتركة لكل من الرجل والمرأة، وعدة لجان وهي لجنة الصلح المعنية بحل النزاعات والشجارات والقضايا العالقة بين أفراد الحي، ولجنة الحماية الجوهرية وهي عبارة عن مجموعة من الأشخاص المعنيين بحماية الحي من أي حالة سرقة أو غيره لتحقيق الأمن والاستقرار، وبالنسبة للجنة الخدمية هي مسؤولة عن تأمين الخدمات الاجتماعية إضافة الى تيسير المعاملات الورقية، ولجنة الشبيبة التي لها دور كبير من حيث توعية الشباب للانتساب إلى مؤسسات الإدارة الذاتية، والقيام بواجباتهم المطلوبة، ولجنة عوائل الشهداء والشؤون الاجتماعية المختصة بعوائل الشهداء ومعالجة مشاكلهم بشكل خاص، ولجنة النظافة، ولجنة التدريب مهمتها تعريف الأهالي بالنظام الداخلي للكومين ومهامه ومؤسسات الإدارة الذاتية، ولجنة الاقتصاد ولجنة الصحة ولجنة النظافة".
وبينت أن تجربة مفهوم النظام الكومنالي جديدة وفريدة في المنطقة، ومن الضروري ألا تقتصر على إقليم شمال وشرق سوريا فقط، بل ونقلها إلى سوريا والشرق الأوسط "المجتمعات بحاجة إلى التنظيم وهذا يتطلب تطبيق مفهوم النظام الكومنالي".
المرجعية الأساسية للأهالي
وأوضحت أن "الكومين يعد المرجعية الأساسية لأفراد الحي، فهو يعمل على إحصاء أعداد الأفراد ضمن الحي وأماكن سكنهم وتنقلهم وواقعهم الاجتماعي والخدمي، إضافة إلى تلبية متطلباتهم الخدمية واليومية".
وعن الصعوبات التي واجهوها خلال تطبيق النظام الكومنالي قالت "في البداية لم يكن هناك قبول وفهم لطبيعة عمل الكومين كونه فكرة جديدة على المنطقة، وعملنا على التوعية بمفهوم النظام الكومنالي وأهميته وضرورة تطبيقه لفائدة الأهالي وتنظيم الأحياء والمجتمع، إضافة إلى ما يقدمه من مساعدات لتأمين الخدمات والاحتياجات الأساسية للأفراد بدأ هناك قبول وانخراط كبير ضمن عمل الكومين".
وأضافت "كمجلس الشعب نقوم بزيارات للأهالي في المدينة والقرى بشكل مستمر ومن خلال ذلك نكون على إطلاع بالمشاكل الاجتماعية والخدمية التي تواجههم ونأخذ آرائهم ومقترحاتهم ومتطلباتهم حيال ما ينقصهم من خدمات، ونبذل ما بوسعنا لتلبيتها وتأمينها، ومن خلال عقد اجتماعات جماهيرية نقوم بتشكيل لجنة الكومين المؤلفة من رئاسة مشتركة رجل وامرأة بعد ترشيحهما من قبل أفراد حيهم، فعمل الكومين يكون في قلب الشعب".
وساهم الكومين في تنظيم المجتمع وضمان حقوق كافة الأفراد "إذا ما قارنا واقع المجتمع قبل وبعد تطبيق النظام الكومنالي سنرى التغيير الكبير الذي طرأ على المجتمع، وقد ساهم التنظيم الكومنالي في التخلص من الفوضى والازدحام في الأماكن العامة والخاصة، وتسيير جميع الأمور الاجتماعية والخدمية بشكل سلسل دون تعقيد".
وعن دور المرأة أكدت أنها "لعبت دوراً بارزاً على جميع الأصعدة وكانت الريادية عسكرياً وسياسياً، وأثبتت ذاتها من خلال انخراطها ضمن مفهوم الرئاسة المشتركة لجميع المؤسسات المدنية والعسكرية، وعلى رأسها نظام الكومين، فرغم التحديات التي تواجه عملها إلا أنها برهنت على أن المرأة قوية ولا يصعب عليها شيء". واصفةً النظام الكومنالي بالناجح وأنه يمكن أن يكون تجربة عالمية.
"الكومين ساهم في تحقيق الاشتراكية بين الجنسين"
ومن جانبها قالت الرئيسة المشتركة لكومين الشهيد حامد الأسعد في حي المدينة بمدينة الرقة غادة جبارة عن تجربتها في عمل الكومين "كنت أول من أنضم إلى العمل التطوعي في الحي الذي أقطنه بعد قرار تطبيق النظام الكومنالي في المنطقة، خاصة بعد الدمار والفوضى التي مرت بها مدينتي لنبدأ بإعادة الحياة والنهوض بها من جديد، والفرد يبدأ بتنظيم نفسه أولاً ثم تنظيم أسرته ومحيطه، وأردت أن أشارك بشيء لأقدم مساعدة تنفع المجتمع وتطوره".
وقارنت كيف كان واقع المجتمع قبل وبعد تطبيق النظام الكومنالي "في السابق عاش المجتمع واقع من الفوضى وعدم التنظيم وسادته العديد من الخلافات العالقة، أما اليوم وبعد تطبيق النظام الكومنالي بات المجتمع يعيش حالة من التماسك الاجتماعي والتنظيم والاستقرار".
ولفتت إلى النقلة النوعية في واقع المرأة "انخرطت المرأة في مجال الكومين وبدأت بتنظيم نفسها وصفوفها، وعملت على تمثيل أراء ومطالب المرأة بعد أن كانت مهمشة لأعوام من قبل الرجل المهيمن، فاليوم المرأة في الكومين لعبت دوراً بارزاً وهام في اتخاذ القرارات المصيرية والمشاركة سوياً مع الرجل في طرح الأفكار والمقترحات التي تصب في مصلحة بناء المجتمع وتنظيمه بشكل الصحيح، فالتنظيم هو ليس حالة ترفيه اجتماعية بل ضرورة مهمة، ومن أسس ومقومات الحياة ويحتاجها كل مجتمع، وساهم في بناءه وتنظيمه وتلبية احتياجاته ومتطلباته".
وأكدت غادة جبار أن "تجربتي في الكومين فتحت الطريق أمام النساء وشجعتهن للانضمام، فالتجربة قد زادت ثقة المرأة بنفسها وكينونتها، حيث اتاحت للنساء المجال للتحدث والنقاش مع المرأة في الكومين التي تقوم بالاستماع إلى مشاكلهن وشكواهن وتلبية متطلباتهن بشكل مريح أكثر مع الرجل في الكومين، إذ بات الرجال يشاركون المرأة الرأي والمقترحات وهذا ساهم في تحقيق الاشتراكية بين الجنسين".
وعن التحديات التي واجهت مسيرتها في الكومين أوضحت "كانت البدايات في غاية الصعوبة خاصة من قبل ذهنية الرجل تجاه التعامل والتفاوض معي بحكم أني امرأة، فالنظرة هي نظرة استصغار تجاه دور المرأة ويتم اعتبار أنها عنصر غير فعال، لكن تحديت هذه الصعوبات مع مرور الوقت برهنت للمجتمع أن المرأة قوية وقادرة على قيادة زمام الأمور والنجاح أيضاً، فالمرأة الواثقة من نفسها لا تهاب الصعاب، وهذا كان ردي على الانتقادات وبهذا تغيرت نظرة الرجل والمجتمع اليوم تجاه المرأة العاملة في الكومين".
وأشارت إلى أنها تشعر بالفخر في هذا العمل "وضعت بصمة إيجابية في واقع المرأة والمجتمع، وأعاهد أنني سأستمر بكل جهدي لتلبية كافة احتياجات ومتطلبات المجتمع للوصول لمجتمع سليم".
حقق الكومين تغيرات إيجابية في المجتمع
أما وحيدة الحمد فتحدثت أيضاً عن تجربتها الكومنالية قائلة "أعتبر خوض تجربتي الكومنالية إنجاز عظيم، وقد ساهمت في تحقيق تغييرات إيجابية على المجتمع، عملنا هنا تطوعي وهدفنا النهوض بالمجتمع والارتقاء به". لافتةً إلى أن عمل الكومين هو عمل إنساني أخلاقي خدمي لمساهمته في تحقيق المساواة والعدل للجميع.
وأوضحت أن التجربة الكومنالية هي "داعم وتشجيع للمرأة لتفعيل دورها وصقل شخصيتها، فمشاركة المرأة وانخراطها في عمل الكومين في الأحياء سبب رئيسي في إنجاح النظام الكومنالي".
وتطرقت لعمل الكومين وتقديمه مساعدات للنساء المعيلات ضمن الأحياء "يعمل نظام الكومين على تحقيق الاستقلال الاقتصادي للمرأة خاصة المطلقات والأرامل ومن لديهن أولاد ولا معيل لهن، وذلك سواء من خلال تأمين فرص عمل لهن أو دعمهن مادياَ".
وشددت على أن مسؤولية تنظيم المجتمع تقع على كاهل كل فرد فيه، وأن ذلك يبدأ من تنظيم نفسه "على المرأة بالدرجة الأولى أن تكون طليعية في قيادة زمام الأمور بدءاً من أسرتها، فإن لم يكن هناك تطبيق لنظام الكومين لن يتنظم المجتمع، فالكومين هو الحجر الأساس للنهوض بالمجتمع والارتقاء به".