مخيم اللاجئين في مخمور... قصص مقاومة لا تنتهي

قصص المقاومة التي أبدتها النساء في مخيم الشهيد رستم جودي للاجئين بإقليم كردستان لا تنتهي، وكريمان كانات واحدة من نساء المخيم التي تأثرت بإرادة ومقاومة الشعب الكردي، تسعى للحفاظ على هويتها وثقافتها وتاريخها.

برجين كارا

مخمور ـ مخيم مخمور للاجئين هو أحد ساحات المقاومة والنضال. في عام 1994، هاجر شعب بوتان إلى إقليم كردستان. لوقت طويل لم يكونوا يدركون أن هذا هو أيضاً أرضهم وموطنهم نتيجة لسياسة تقسيم كردستان.

لقد فرض على الشعب الكردي سياسة الإنكار والتدمير، بسبب قمع الدولة التركية وظلمها فروا وهاجروا إلى إقليم كردستان، لكنهم لم يكونوا يعرفون شيء عن عدوهم الدولي. لقد اعتبروا الدولة التركية فقط عدواً لهم، ولهذا السبب لم يعتبروا أنفسهم من شعب تلك المنطقة.

لقد واجه الشعب الكردي الكثير من الصعوبات بعد القدوم إلى إقليم كردستان وعانوا من الجوع والعطش على الطرقات. كانت الأمهات حزينات، ولم تأكلن أي شيء لأيام ولذلك لم تستطعن حتى إرضاع أطفالهن. بقيت سعادة الأطفال في القرية فقد انتزعت أرضهم منهم. كان الأطفال الذين ينامون على أصوات غناء أمهاتهم هدفاً لمدافع الدول المحتلة، لذلك كان تعتيم عالم الأطفال أعظم ظلم. لقد فكروا في الموت لكنهم لم يفكروا قط في أن ينقطعوا عن موطنهم. بدأت النساء والأطفال والشباب والكبار مسيرة طويلة معاً، لقد عانوا كثيراً في الطريق، لكن مقاومة هؤلاء الأطفال الصغار أعطت الأمل ومنحت القوة للجميع.

في نهاية المسيرة الطويلة، استقروا في مخمور مخيم اللاجئين. لقد أخذوا القوة من القائد عبد الله أوجلان الذي خلق فلسفة حياة لهم، خاصة للنساء الكرديات، وأضاء لهم طريق المستقبل. لقد ترسخت فلسفة القائد أوجلان في حياتهم كلها، فكره وفلسفته كانت السبب وراء هذه المقاومة التي أبديت أثناء هذه الهجرة.

 

"لا زلت أتذكر طفولتي وكأنها حلم تمر أمام عيني"

كريمان كانات إحدى نساء مخيم مخمور، تعيش في المخيم منذ 20 عاماً، على الرغم من أنها لم تهاجر مع أهالي المخيم ولكن قوة ومقاومة وإيمان هذا الشعب قادتها نحو هذه الأرض. توجهت مع عائلتها إلى مخيم مخمور هرباً من ظلم الدولة التركية ولتعيش حياة حرة.

وعن حياتها والمصاعب التي مرت بها وتضامن أهل المخيم في المهجر، تقول "لا زلت أتذكر طفولتي وكأنها حلم تمر أمام عيني. كنا أصدقاء نحن عدة فتيات وفتيان، كنا نذهب معاً إلى البساتين، وإلى مراعي الأغنام، كما كنا نقضي أيام العيد أيضاً معاً. كانت الحياة في القرى أفضل منها في المدن. لم يكن هناك اضطهاد، ولا مشقة ولا صعاب، كان الجميع سعداء. كانت هناك كل أنواع البساتين والفواكه، وفي الربيع كنا نذهب إلى المراعي والجبال ونحضر أعشاب ونباتات القلقاس (كاردي) والبيك والهلز وسورلياز وغيرها. كنا صغاراً، قضينا حياتنا في الحقول بين الأغنام والحيوانات".

 

"كانوا يقولون لنا لا تتحدثوا باللغة الكردية"

وبينت كريمان كانات أنهم في القرية لم يقبلوا أبداً أن يصبحوا من حراس القرى (الجردفان) على الرغم من كل ضغوط الدولة التركية "في عام 1993 أجبرتنا تركيا على أن نصبح حراس قرى ومرتزقة وجواسيس لصالحها. وأحرقت قريتنا عدة مرات واعتقلت أزواجنا وآباؤنا وأعمامنا وإخواننا. كانوا يأخذونهم جميعاً إلى مدارس في قرانا ويقومون بضربهم وتعذيبهم وكسروا أسنانهم. كانت الدولة تمارس كل أنواع الضغوط علينا".

وأضافت "كانوا يقولون لنا لا تتحدثوا باللغة الكردية. قريتنا تقع في الجزء الخلفي من كاتو، كان والدي رجلاً ثرياً في قرية قوال، حيث كان لدينا العديد من المتاجر وكثيراً ما ساعدنا حزب العمال الكردستاني. اعتاد الأشخاص الذين ينتمون إلى الحكومة التركية تقديم شكوى ضدنا ويعذبوننا. لقد أزيلت جميع القرى، قالوا إن من سيكونون حراساً سيبقون ومن لن يكون يجب أن يخرجوا ويغادروا القرى. لم تصبح عائلتي حراساً، وذهبوا جميعاً إلى جولميرك وكفر وأنطاليا ومرسين. جاء والدي إلى جولميرك وقضى حياته هناك".

 

اعتقال الكرد

وأشارت كريمان كانات إلى أنه حتى بعد انتقالهم من القرية إلى المدينة، لم يقل ضغط الدولة التركية عليهم "كان يوجد نفس القمع والعنف والظلم في المدن، كنا نخاف من الذهاب للاحتفال بنوروز والثامن من آذار، لم نكن نستطيع الخروج من منازلنا. أينما ذهبت، كان هناك ظلم، واعتقالات، واحتجاز، إذا رفعت رأسك أو إذا فاحت منك رائحة الكردية، كانوا يعتقلونك. تم اعتقال والدي عدة مرات في جولميرك واقتيد إلى وان عدة مرات. كان ابن عمي في الجبال، وكانوا يسألون أبي أين ابن أخيك، وبسبب ذلك تم اعتقال والدي مرتين. في بعض الاحيان كان يعتقل لمدة شهر وأحياناً لشهرين".

 

"أعيش في المخيم منذ 20 عاماً"

كريمان كانات التي لم تلجأ إلى إقليم كردستان مع أهالي المخيم، عانت هي الأخرى من نفس الألم والقسوة، وعن مجيئها إلى المخيم، تقول "أتيت إلى المخيم عام 2003. سمعنا اسم مخمور، لكننا لم نراه بأعيننا، لكننا أتينا إلى المخيم وشاهدناه. حتى لو كان المرء غريباً يقوم هذا المجتمع باحتوائه. لا يدعونه يعاني من الفقر ويستوعبون الجميع. كان لدينا أقارب في أوروبا، وفي مرسين وغيرها من المدن كذلك. لكنهم قالوا إن هناك مخمور، لقد سمعت اسمها فقط إلى أن جئنا إلى هنا وقضينا حياتنا مع هذا الشعب. أعيش هنا منذ 20 عاماً، وهناك منظمة نسائية، ويتم تدريب الناس ويمكن للجميع تنظيم أنفسهم وقضاء حياتهم هنا. لم أكن لاجئة مع هذا المجتمع، ولا يوجد أحد من قريتي هنا، لقد كنا عائلة واحدة ولجأنا بمفردنا. لكن هذه المنازل كلها لنا، عندما أذهب إلى منزل أياً كان يعتبرونني كما لو كنت ابنتهم. لم تكن الحياة في ذلك الوقت كما هي الآن، أولئك الذين كانت تتوفر لديهم الإمكانات أداروا حياتهم، لكن أولئك الذين لم تكن لديهم الإمكانيات كانت حياتهم صعبة. نحن كنساء، اعتدنا على الخروج والعمل لأنفسنا. لقد أمضينا حياتنا بهذه الطريقة. كان ممنوعاً علينا الذهاب إلى هولير في ذلك الوقت".

 

"كنا نتقاسم الطعام"

وأوضحت كريمان كانات إنه على الرغم من كل المشقات والصعاب إلا أن مخيم مخمور كان متحداً ومتضامناً على الدوام "في ذلك الوقت كانت هناك وحدة وتضامن، إذا كانت هناك قطعة خبز أو القليل من الماء، كنا نتشاركها مع بعضنا البعض. ليس كمدن تركيا، حتى لو فقد شخص ما حياته في منزله لم يدري به أحد. إذا كان لدي بعض الماء لقمة خبز كنت أعطيه لجيراني".

وأشارت إلى أنه بعد التعليم والتدريب الذي تلقته في المخيم، يمكنها الآن التعبير عن نفسها بسهولة "لم أكن أعرف التحدث وأعبر عن نفسي عندما كنت في شمال كردستان، ولكن الآن يمكنني التحدث عن نفسي وما أشعر به لساعات، فكلما تدربت أكثر، كلما كان أكثر فائدة. التعليم ضروري للمرء كالخبز والماء. في شمال كردستان، كان يأتي شرطي ولم نكن قادرين على الدفاع عن أنفسنا أمامه، لكننا لو كنا نفكر حينها مثلما نفكر الآن لما استطاع مائة من رجال الشرطة من الوقوف أمامنا أو فعل أي شيء. نعلم أننا نساء ولدينا حقوق، ونأمل أن تقوم جميع النساء بالتعلم".

 

"لا ينبغي نسيان هوية الأم ولغتها"

وتسعى كريمان كانات للحفاظ على اللغة والثقافة الكردية "لدي ثلاثة أطفال، ولد أحد أطفالي في شمال كردستان وولد الآخران هنا. لقد قمت بتعليم أطفالي لغة هذا المكان وهم يدرسون هنا. كثيراً ما أتصل وأتحدث إلى عائلتي، وعندما يتحدث أطفالهم التركية أقول لهم إننا كرد، دعوا أطفالكم يتكلمون الكردية. سننشأ ونكبر بثقافتنا ولغتنا. يجب ألا ننسى هويتنا ولغتنا الأم. لنتعرف على جميع اللغات، فأنا أعرف ثلاث لغات، لكن لا ينبغي على المرء أن ينسى ويفقد لغته وثقافته وهويته. أينما كان المرء، لا يمكنه الدراسة بلغته، ولكن في هذا المكان يتعلم المرء لغته، وثقافته، وأخلاقه، يذهب أحد أطفالي إلى المسرح والرقص والعزف في الصيف بعد انتهاء المدرسة. في شمال كردستان وأوروبا، لا يدرسون بلغتهم، بل يدرسون ويتعلمون بلغة أجنبية".