معاينات طبية باهظة تمنع حوامل عن متابعة حملهن في إدلب
لم تعد مراجعة العيادات النسائية خياراً متاحاً للعدد الأكبر من حوامل إدلب، فحتى الجنين في رحم أمه، كان من ضحايا الفقر، وباتت الصحة الانجابية مهددة، بعدما أصبح الحمل يضفي "أعباء" مادية ومعنوية مستجدة على المرأة في هذه البقعة من سوريا.
هديل العمر
إدلب ـ أعاقت أجور المعاينات المرتفعة وصول مئات الحوامل إلى الخدمات الاستشفائية الأساسية، إذ تعاني الحوامل الكثير من الضغوطات المادية التي راحت تؤثر على صحتهن الجسدية والنفسية والتي تبدأ بقلة الدخل بحيث لا تكفي لمصاريف المعاينة لدى الطبيبة النسائية، ولا تنتهي بتأمين الغذاء المغذي لأجسامهن طيلة فترة الحمل.
قالت فاتن نشوان (27) عاماً، الحامل في شهرها السابع، أنها لم تزر طبيبة نسائية خاصة منذ بداية حملها، والسبب يكمن في غلاء أجور المعاينات، فيما لا يستطيع زوجها العامل في المياومة تأمين قوت يومهم.
وأضافت أنها تعاني آلام الظهر والالتهابات النسائية جراء الحمل، وقصدت المراكز الطبية المجانية عدة مرات دون أن تتمكن من الوصول إلى العلاج لضعف الخدمة في تلك المراكز المكتظة والتي تضم قابلات متدربات قلما تصبن في تشخيص المرض وتحديد الدواء المعالج.
ترددت فاتن نشوان كثيراً قبل أن تفكر بالحمل والإنجاب على وقع الأزمة المعيشية والخوف من تداعياتها في المستقبل، لاسيما وأنها تعيش في مخيمات النزوح ويعاني زوجها قلة فرص العمل.
أما علا الحسونات (٢٥) عاماً، لجأت لتقليص عدد الزيارات للطبيبة النسائية بشكل كبير بعد غلاء المعاينات على الرغم من معاناتها المستمرة من أمراض الحمل، وذلك جراء تراجع قدرتها على دفع أجور المعاينة مع اقتراب فصل الشتاء وحاجتهم للحصول على ما هو أهم ومنها مواد التدفئة.
وقالت أن الأزمة الاقتصادية التي تشهدها إدلب أثرت بشكل سلبي على الجوانب المعيشية لحياتهم على كافة الاصعدة، من مأكولات ومشروبات، وكذلك تكاليف السكن والنقل والتدريس والاستشفاء الذي باتت كلفتها رهينة ما يسجله تدهور قيمة صرف الليرة مقابل الدولار.
تزور علا الحسونات الطبيبة النسائية كل ثلاثة أشهر مرة واحدة، فليس هناك ما يشجع الحامل برأيها على بذل أي محاولات إضافية للحفاظ على صحتها وصحة جنينها بعد الغلاء الكبير للمعاينات بالتزامن مع حالة الفقر والنزوح.
أما ساره الكريم (33) عاماً فقد عجزت هي الأخرى عن تحمل تكلفة زيارة طبيبة خاصة، على غرار نساء كثيرات، واظبن على ارتياد مركز مخيمها الطبي الواقع في شمال بلدة قاح للاستفادة من خدماته المجانية، والتي لم تبدي ارتياحها اتجاهها.
وقالت "بعد معرفتي بحملي في الشهر الثاني، ونظراً لتردي الأوضاع المعيشية وتأثير هذه الأوضاع علينا كنازحين بشكل مباشر، بدأت البحث عن المراكز التي يمكنها تقديم الخدمات الطبية الأساسية، لعلها تخفف من وطأة الأوضاع التي نرزح تحتها".
ونوهت أنها في السابق كانت تسعى لتلافي الاكتظاظ في المراكز المجانية وزيارة أطباء وعيادات خاصة وشراء الأدوية على نفقتها "لكن ذلك بات صعباً في خضم الفقر ورفع سعر المعاينات بشكل لم نعد قادرين على مجاراته".
وأكدت أن المعاينة ضمن العيادات المجانية غالباً ما تكون سريعة نتيجة اكتظاظ المرضى، وهو ما يدفع الأطباء إلى الاستعجال لمعاينة أكبر عدد من المرضى الحاضرين دون أن يتسنى لها شرح حالتها بشكل أكبر.
وعن خطورة تقليص عدد المعاينات بالنسبة للحوامل، قالت الطبيبة ولاء الحلبي الأخصائية بالأمراض النسائية أن الخطورة "تكمن في إصابة الحامل بأمراض الضغط والسكري الحملي وفقر الدم والكالسيوم وأن تخف كمية المياه المحيطة بالجنين أو ما يعرف بـ "السائل الأمنيوسي"، الأمر الذي يشكل خطراً على الجنين".
وأشارت إلى أن الكثير من الحوامل اختصرت ارتيادها للعيادات الخاصة والخضوع للفحوصات نظراً لارتفاع أجور المعاينات بالتزامن مع الغلاء العام وقلة الدخل وفرص العمل، ولذا قررت البعض منهم التوجّه الى الطب البديل أو غضّ النظر عن مراجعة الأطباء في الحالات غير الملحة، وباتت الأكثرية تقصد المستوصفات الشعبية والمراكز الصحية المجانية التي تقدم خدمات بكلفة أقل.
ودعت المنظمات الطبية في إدلب إلى تقديم خدمات صحية أو فتح مراكز رعاية خاصة بالحوامل داخل المخيمات من شأنها أن تقدم خدمات الصور الصوتية والمعاينات النسائية في ظل الوضع الاقتصادي الراهن.