مأساة النقل المدرسي في المناطق المهمشة "تحت المجهر"

في أعقاب الحادث الذي أودى بحياة تلميذ في ريف القصرين، شددت العاملات في المجال التربوي، على ضرورة أن تتجه الحكومة والمجالس المحلية نحو المناطق الريفية، تسمع أصوات سكانها، وتستجيب لحاجاتهم، نظراً لأن هذه المناطق منسية، ولذلك تتكرر فيها الحوادث.

إخلاص الحمروني

تونس ـ في أقاصي منطقة الخروب، من عمادة حاسي الفريد التابعة لولاية القصرين، وفي مدرسة ابتدائية نائية تُعرف بمدرسة "الخروب"، هزت منذ فترة فاجعة مؤلمة سكان المنطقة بعد وفاة التلميذ رامي حمدي وهو في السنة السادسة ابتدائي، في حادث مرور أليم أثناء عودته من المدرسة إلى منزله. لم يكن الحادث مجرد واقعة معزولة، بل كان نتيجة مباشرة لغياب وسائل النقل المدرسي وتجاهل السلطات لمعاناة أبناء الريف الذين يقطعون يومياً كيلومترات طويلة للوصول إلى مقاعد الدراسة.

 

التلاميذ لا يملكون وسيلة تضمن لهم العودة

شذى الدخيلي، أستاذة التعليم الابتدائي ومربية التلميذ رامي، تحدثت بحرقة وألم عن الحادث "هذه الواقعة آلمتنا كثيراً وصدمت الجميع، لأنه كان تلميذاً في السنة السادسة ابتدائي، وعاد إلى بيته بعد يوم دراسي، لكنه لم يصل".

وأوضحت أن هذه المدرسة تفتقر كلياً إلى وسائل النقل، والتلاميذ لا يملكون وسيلة تضمن لهم العودة إلى منازلهم بسلام، مضيفةً "نحن لا نتحدث عن حالة واحدة بل عن عشرات التلاميذ الذين يسكنون على بعد 8 إلى 11 كيلومتراً عن المدرسة، يأتون مشياً على الأقدام، أو يوقفون السيارات أو الشاحنات التي تمر، وكلها تفتقر لأبسط مظاهر السلامة. رامي في ذلك اليوم، كان عائداً مساءً، وركب سيارة لا تتوفر فيها شروط السلامة وتعرضت لحادث على الطريق، وتوفي رامي على إثر ذلك، فيما أصيب بقية الأطفال الذين كانوا معه في السيارة".

وأكدت أن رامي لم يكن أول تلميذ يقع ضحية لغياب النقل المدرسي، ولن يكون الأخير إذا استمر الوضع على ما هو عليه "الحوادث تتكرر، وهذه الفاجعة يجب أن تكون جرس إنذار للسلطات المعنية. نعم، هو قضاء وقدر، لكن لكل شيء أسبابه، فلو توفرت وسيلة نقل آمنة، لما ركب رامي تلك السيارة، ولما فقدناه".

وأشارت إلى أن "الأطفال يسألون: لماذا حدث هذا؟ لماذا لا نملك وسائل نقل مثل التلاميذ الآخرين في المدارس الأخرى؟ لسنا بصدد المقارنة بين الولايات، ولكن أطفال المدن ليسوا أفضل من أطفال الريف"، لافتةً إلى أن تلاميذ الريف يخوضون مغامرة يومية للوصول إلى المدرسة "لا نريد للتعليم أن يكون مغامرة، بل حقاً مضموناً. التلميذ هو محور العملية التعليمية، ومن واجب الحكومة أن توفر له حقوقه الأساسية".

وبينت أن كامل الإطار التربوي في هذه المنطقة يساند هؤلاء الأطفال ويريدون أن يذهبوا ويعودوا سالمين، في سيارة تتوفر فيها شروط السلامة وهذا ليس بالأمر الصعب، بل هو سهل إذا وُجدت الإرادة "مدرسة الخروب ليست استثناءً، بل هي نموذج من عشرات المدارس الريفية التي عرفت مآسي مماثلة. هناك تلاميذ تعرضوا لإصابات بليغة، ومنهم من غادر مقاعد الدراسة نهائياً بسبب الحوادث".

 

 

عندما نذهب إلى المدرسة مترجلين نشعر بالخطر

من جانبها، قالت التلميذة بلقيس حملاوي، من أرياف القصرين، إن الحادث الذي أودى بحياة رامي ليس الأول من نوعه "هذه الحوادث تتكرر في مناطق كثيرة. ما حدث لرامي جعل العائلات تعيش في خوف دائم على أطفالها".

وأشارت إلى أن جميع من عرف رامي من أقاربه وأصدقائه وزملائه أصيبوا بصدمة كبيرة "كان من المتفوقين والمتميزين، كان يمزح ويلعب معنا في ساحة المدرسة وكان محبوباً من الجميع. في كل المناطق الريفية تحدث حوادث مشابهة، لأن الأطفال لا يتوفر لهم أي نوع من الحماية، ولا توجد إجراءات وقائية كافية. نقطع يومياً مسافات تتراوح بين 5 و7 كيلومترات مشياً على الأقدام، عبر طرق وعرة وجبال. لا توجد وسائل نقل، ونحن مجبرون على السير بمفردنا. أحياناً نركب مع سائقين لا نعرفهم، فقط لأننا نريد الوصول للمدرسة".

وبينت أن "أكثر مخاوفنا نحن التلاميذ هي من الشاحنات والسيارات السريعة. حتى عندما نمشي على ممر المترجلين نشعر بالخطر، لأن بعض السائقين لا يحترمون الإشارات ولا يخففون من السرعة"، مطالبة بتوفير حافلات نقل مدرسية آمنة "تنقلنا من بيوتنا إلى المدرسة. لا نستطيع عبور كل هذه المسافات يومياً. الحوادث كثيرة والطرق خطيرة".

 

 

الحل يبدأ من الاعتراف بالمشكلة وتحمل المسؤولية

أما فرح قرميزي، مربية وناشطة في نقابات التعليم بالقصرين، فقد أكدت أن الحوادث الأليمة التي تقع باستمرار في هذه المحافظة هي نتيجة مباشرة لغياب النقل المدرسي "هذه الحوادث تتكرر للأسف، وهي تعود في أغلب الأحيان إلى غياب وسائل النقل المخصصة للتلاميذ. أغلب الحوادث تقع على الطرقات بسبب اضطرار الأطفال إلى ركوب سيارات أو شاحنات غير مهيأة، لا تتوفر فيها شروط السلامة".

وتنتقد فرح قرميزي استهتار بعض المسؤولين "في كل مرة تقع حادثة، نسمع أن المعنيين بالأمر لم يُبلغوا أو لم تصلهم المعلومة. هذا تبرير غير مقبول. الحل يبدأ من الاعتراف بالمشكلة وتحمل المسؤولية وتوفير ما يلزم من وسائل نقل تضمن سلامة أبنائنا. هذه ليست كماليات بل أساسيات وحقوق للتلاميذ".

ودعت إلى زيادة الميزانية المخصصة للنقل المدرسي "هذه المسألة مهمة جداً. لا يجب أن نكتفي بالكلام. على النقابات أن تواصل الضغط على وزارة التربية وسلط الإشراف، والمجتمع المدني يجب أن يتحرك أكثر"، موضحة أن منظمات المجتمع المدني لديها تأثير حقيقي، ويمكنها أن تُطلق حملات توعية، وتقوم بمشاريع لنقل التلاميذ، خصوصاً في المناطق النائية.

وحثت فرح قرميزي كل أم بضرورة توعية أبناءها بخطورة ركوب الشاحنات، حتى بأبسط الطرق، لأن هذه الوسائل تمثل خطراً حقيقياً، لكن الوعي وحده لا يكفي، الحكومة مسؤولة قبل الجميع.