عمالة الأطفال... واقع يقتل أحلام الطفولة
رغم أن عمالة الأطفال تعمل على إعالة الكثير من الأسر ومساعدتهم في ظل الظروف المعيشية الصعبة، إلا أنها انتهاك يقضي على أحلامهم وتطلعاتهم المستقبلية وتحول دون قدرتهم على التطور والتعلم.
غفران الهبص
حلب ـ في ظل النزاعات المستمرة، يجد الأطفال أنفسهم بحاجة ماسة إلى دخل يدعم أسرهم المنهكة بسبب الحرب، وهذا الأمر يدفعهم إلى العمل في ظل ظروف خطيرة، فيتم استغلالهم في مجموعة واسعة من الأعمال بما في ذلك الزراعة، والبناء، والمناجم، والخدمات المتنوعة، وهو ما يعرضهم للعديد من المخاطر منها ما هو جسدي متمثل في الاصابات والاستغلال الجنسي، فضلاً عن الجانب النفسي وتبعاته.
تعد عمالة الأطفال واحدة من أكثر التحديات الإنسانية إيلاماً وإلحاحاً والتي تتطلب تدخل للتعامل معها بما يضمن تأمين دخل للأسر، فتلك الممارسة جعلت الأطفال يواجهون تبعات الخطر والتهميش والاستغلال بمختلف أشكاله بدلاً من ممارسة طفولتهم بشكلها الطبيعي.
قصص واقعية ومعاناة إنسانية تكبل الأطفال بالقيود
تروي مريم شلال، والدة الطفل حسن مأساتها قائلة "فقدت زوجي في ظل الحرب في عام ٢٠١٩ وليس لدي معيل إلا طفلي حسن البالغ من العمر نحو 14 عاماً وبسبب الظروف الاقتصادية الصعبة لجأت لاتخاذ قرار بإرسال ابني للعمل من أجل مساعدتي في توفير لقمة العيش".
وأوضحت أنه بالرغم من صغر سنه التحق بورشة لصيانة الدراجات النارية، ويستيقظ باكراً متوجهاً إلى الورشة للتعلم والتدرب على صيانة الدراجات، تقول والدمعة في عينيها أن طفلها يواجه الكثير من الصعوبات في هذا العمل بدءاً من التعب الجسدي بسبب ساعات العمل الطويلة، وصولاً إلى التعامل مع أدوات الصيانة الثقيلة والخطيرة "بالرغم من القلق على طفلي ومستقبله وتعليمه إلا أن هذا العمل ضروري لبقائي أنا وهو على قيد الحياة، وتأمين احتياجاتنا".
تقف مريم شلال أمام عمل طفلها حسن وتركه للتعليم حائرة وحزينة وتتمنى أن تتحسن الظروف ليتمكن ابنها من العودة إلى مدرسته وإكمال تعليمه، فعمالة الأطفال واقع مؤلم للكثير من الأطفال في تلك المناطق المتضررة من النزاعات حيث تجبرهم الظروف الصعبة على تحمل مسؤوليات تفوق أعمارهم.
نور حداد، البالغة من العمر 17 عام تستيقظ مع بزوغ الفجر، حاملة سلة صغيرة فيها كسر خبز وبعض المياه وتتوجه إلى الحقول، حيث تعمل لساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة على جمع المحاصيل، تقول "تحملت مسؤولية كبيرة بروح قوية وإرادة لا تنكسر".
وأكدت أنها تحلم بالعودة إلى المدرسة ومتابعة تعليمها، مبينة أن العائق الوحيد أمامها يتمثل في كون العمل هو السبيل الوحيد لتوفير احتياجات أسرتها "كنت أستعير كتباً قديمة من المكتبة الصغيرة في قريتي وأدرس في أوقات فراغي القليلة، كما كنت أتعلم القراءة والكتابة وأستفيد من أية فرصة لتوسيع معرفتي، وفي أحد الأيام أثناء عملي في الحقل، لاحظت معلمة متطوعة من إحدى المنظمات الإنسانية جهودي وإصراري على حب العلم فقررت أن تساعدني وتعمل على تعليمي وتوفير بعض المساعدات الغذائية لأسرتي، وبفضل هذا الدعم استطعت تقليل ساعات العمل والعودة إلى المدرسة جزئياً".
وأوضحت أنها بالرغم من الصعوبات التي تواجهها كانت تحضر الدروس في الصباح وتعمل في الحقول بعد الظهر، وتمكنت من تحقيق التفوق الدراسي بفضل عزيمتها وإصرارها، وأصبحت مثالاً يحتذى به في قريتها، كما أن تجربتها ألهمت العديد من الأطفال والأسر في المنطقة، وأظهرت لهم أن التعليم والعمل الجاد يمكن أن يفتحا أبواب الأمل حتى في أصعب الظروف، حيث تغيرت حياتها بشكل كبير، وأصبحت تطمح بأن تصبح معلمة في المستقبل، لتساعد الأطفال الآخرين على تحقيق أحلامهم، كما ساعدتها تلك المعلمة المتطوعة.
فمواجهة هذه الظاهرة تتطلب جهوداً مشتركة وفعالة من قبل المجتمع الدولي، والحكومات المحلية، والمنظمات غير الحكومية، لضمان حماية الأطفال وتوفير بيئة آمنة وملائمة لنموهم وتعليمهم.