ما بين الفقر والحرمان من الطفولة... قصص فتيات تجبرن على العمل

ساهمت ظروف الحرب إلى غياب الدور الرقابي في سوق العمل، وزيادة أعداد الأسر التي تشغل أطفالها لتأمين احتياجاتها أساسية، إضافة إلى نشاطات أكثر خطورة مثل تجنيد الأطفال وإشراكهم في النزاعات العسكرية.

إخلاص الحمروني

تونس ـ إجبار العائلات أبنائهم على العمل من أجل تأمين احتياجات الأسرة هي جريمة بحق الطفولة، فهم يحرمون من حقوقهم في التعليم ويقذف بهم إلى المجهول في الشارع ليكونوا عرضة للأذى البدني والمعنوي ومعايشة القسوة اليومية ما ينعكس على حياتهم حاضراً ومستقبلاً.

جميلة فالحي طفلة تقضي يومها خارج المنزل دون مراعاة للمخاطر التي تهددها في الشارع، حيث تكتظ الأماكن بالأهالي وتمد أياديها الصغيرة للمارة للحصول على بعض المال لمساعدة عائلتها على تأمين احتياجاتها.

جلست جميلة فالحي وسط مدينة سيدي بوزيد في مكان قريب من نقطة لجمع القمامة وتجمع للمياه العكرة، تأكل ما استطاعت جمعه من فتات بيدها اليسرى وحاملة بيدها اليمنى القليل من المال، كل ذلك تحت أشعة الشمس الحارقة لتستريح من عناء رحلة انطلقت منذ الصباح الباكر لتنتهي باستراحة قصيرة وتبدأ بعدها رحلة منتصف النهار.

بكلمات مؤثرة وعينين دامعتين، قالت "عمري 12 عاماً وأتحمل مسؤولية عائلتي، كنت أدرس ومجتهدة في دراستي لكن والداي أجبرني على الانقطاع عن الدراسة والعمل من أجل كسب المال وتأمين احتياجات العائلة فصغر سني لم يؤهلني للعمل في أي مجال لذلك اضطررت للانتقال من مكان إلى آخر في محافظة سيدي بوزيد وطلب المال من الأهالي"، مضيفة "أمنيتي هي الاستمرار بالدراسة لكن الظروف لم تسمح لي بذلك، فأنا أشعر بالحزن عند رؤية بقية الفتيات تدرسن وتتمتعن بحياتهن، بينما أنا أتعرض إلى استهزاء من قبل الآخرين الذين ينعتوني بأبشع الصفات".

الأمر سيان بالنسبة للطفلة أمينة بن ضوء ذات 14 عام التي التقيناها أمام أحد البنوك جالسة تنتظر من يحن عليها بالقليل من المال، فهي تتنقل يومياً بين منطقة ماجل بالعباس في محافظة القصرين وسيدي بوزيد، تقول "أتنقل من بئر الخفي إلى سيدي بوزيد للحصول على بعض المال لتأمين بعض الحاجات بعد أن أجبرني والدي على الانقطاع عن الدراسة لتأمين بعض الاحتياجات وتأمين مصارف دراسة أشقائي".

 

جريمة بحق الطفولة

وفي تحليلها لهذه الظاهرة، ترى الناشطة في المجتمع المدني ريمة النصيري ورئيسة جمعية سليمة التي تأسست عام 2017 وتهتم بقضايا النساء وخاصة ضحايا العنف وذوات الاحتياجات الخاصة، أن ظاهرة بحث الأطفال عن الأموال في الشوارع ازدادت في الآونة الأخيرة، فهناك ثلاث فئات تمسهم هذه الظاهرة وهم الأطفال المشردين، وأخرين مأجورون ينضوون في إطار منظومة متكاملة وصنف أخر يضم الأطفال الذين تجبرهم عائلتهم تحت ضغط ودافع اجتماعي على تحمل مسؤولية توفير دخل للعائلة، مشيرة إلى أن هذه الظاهرة تعد موروث ثقافي في بعض المناطق الداخلية ومهن تتوارثها الأجيال.

وأوضحت أسباب انتشار هذه الظاهرة في محافظة سيدي بوزيد منها عدم الوعي بخطورتها إضافة إلى سوء الحالة الاجتماعية والاقتصادية لبعض العائلات التي تجبر الفتيات للخروج إلى الشارع والعمل، وسيطرة المجتمع الأبوي الذي يجبر الفتيات على الخروج إلى الشوارع لكسب المال "هناك فتيات لا تستطعن الدفاع عن أنفسهن وتخفن من سلطة الأب لذلك تنقطع عن الدراسة وتبحثن عن عمل في الشوارع والأسواق وأمام المؤسسات العمومية من أجل جلب المال لوالدها الذي أجبرها على هذه الحرفة دون موافقتها".

وأوضحت "الطفلة تخرج من المنزل وتتنقل من مكان إلى آخر في وسائل نقل عمومية لتصل إلى مركز المدينة والأب غير مهتم بما تعترضه طفلته من مصاعب سواء في التنقل أو وجودها في الشارع والتحرش الذي تتعرض له والمصاعب التي تعترضها، غير آبهين لهذه الأمور، سوى كسب المال لتأمين احتياجاته".  

وحول دور الجمعيات عموماً والمجتمع المدني النسوي خصوصاً في مكافحة هذه الظاهرة وحماية الفتيات، قالت "تعمل الجمعيات على نشر الوعي لدى هذه الفئات المستهدفة في المناطق الداخلية التي تنتشر فيها هذه الظاهرة، وننظم دورات تدريبية لتشجيع الفتيات على اتقان حرف يدوية أو مهنة، كما نسعى إلى التواصل مع المحيط العائلي لهذه الفتيات من أجل احتوائهن وحمايتهن من خطر الشوارع"، معتبرة أنه من واجب المجتمع المدني النسوي أن يسعى جاهداً إلى نشر ثقافة حقوق الطفل والدفاع عنها.

ولفتت إلى أن معالجة الظاهرة مسؤولية مجتمعية بمشاركة الحكومة والتزام الأولياء بحماية أطفالهم ومعاقبتهم قانونياً لأنه دفع فتياته للتسول مرتكباً جريمة بحق الطفولة.