كيف يمر رمضان على نساء إدلب في ظل الغلاء الفاحش؟

تبدو الأمور مستقرة إلى حد ما خلال شهر رمضان الحالي مع غياب قصف الطيران الحربي، لكن النازحات يعشن قصفاً من نوع آخر بين الحين والآخر

سهير الإدلبي
إدلب ـ ، إذ لم تعد المقبلات والحلويات واللحوم والكثير من الأطعمة حاضرة على الموائد الرمضانية بالنسبة للسواد الأعظم من نساء الشمال السوري، بعد ارتفاع الأسعار وانتشار الفقر وقلة فرص العمل.
تقول عائدة الصبيح (٣٨عاماً) وهي نازحة من قرية الدير الشرقي ومقيمة في بلدة حربنوش أن رمضان يمر عليهم حزيناً ويفتقد للكثير من الطقوس والعادات الرمضانية المحببة "موائدنا يملأها الحنين لتجمع أفراد العائلة الواحدة على مائدة الإفطار، عودة المغتربين وتبادل العزائم بين الأقارب والأصدقاء والسهرات العائلية في مدننا وقرانا المحتلة بات حلماً صعب التحقق".
وتستذكر عائدة الصبيح بعض الأجواء الرمضانية التي أصبحت قديمة بعد سنوات من التغيير الذي طرأ على حياتهم قائلةً "كانت تجتمع جميع أفراد الأسرة عند ساعة الإفطار، وبعد الإفطار تبدأ السهرات العائلية والتنزه في الأسواق والمقاهي، ولا تنتهي هذه الأجواء حتى وقت السحور الذي يبدأ بعد الساعة الثالثة من منتصف الليل، أما اليوم فنحتار كيف يمكن تأمين قوت يومنا داخل هذه الخيام الضيقة" تصمت قليلاً لتتابع "أين كنا وأين أصبحنا".
وبينما تحضر وجبة إفطارهم البسيطة تشكو الحاجة الخمسينية سميرة السليمان النازحة من قرية تلمنس إلى بلدة سلقين غرب إدلب الغلاء الفاحش الذي زاد خلال شهر رمضان أضعاف مضاعفة متسائلة "وكأن جشع التجار يطاردنا حتى ونحن صائمون؟، ألا يكفي ما يمر به هذا الشعب البائس من فقر وتهجير حتى يأتي تجار الحروب ويزيدوا ثرواتهم على أكتاف من ضاقت بهم الحياة وانعدمت بهم السبل وباتوا يتجرعون مرارة العيش داخل مخيمات القهر والنسيان" .
وتشير إلى أن أسعار اللحوم والخضروات بلغت حداً خيالياً ولم يعد باستطاعة ربات البيوت تحضير حتى صحن الفتوش بالخضار المميز خلال شهر رمضان، وتعطي مثالاً على ارتفاع الأسعار بأن "كيلو البندورة قبل رمضان كان ليرتان ونصف واليوم  6 ليرات تركية أما الخيار فكان 3 ليرات أما اليوم 6 ليرات تركية، عدا عن أسعار لحوم الدجاج التي ارتفعت من 11 ليرة تركية للكيلو غرام الواحد لـ 16ليرة تركية للكيلو غرام وكذلك لحم الغنم الذي ارتفع من 40 ليرة تركية لـ 65 ليرة".
وتضيف "لم نعد نستطيع مجارات الأسعار نحن الفقراء داخل المخيمات وبتنا نكتفي بطبق الأرز أو البرغل مما يمكن الحصول عليه من المساعدات الغذائية التي توزعها المنظمات والجمعيات الخيرية بدل الأطباق الرمضانية المتنوعة التي اعتدنا عليها في السابق وحتى العرق سوس والتمر الهندي والمعروك باتت حكراً على الميسورين بعد غلاء أسعارها".
وعن انتشار فيروس كورونا المصاحب لشهر رمضان هذا العام تقول سميرة السليمان أنهن لا يأبهن لوباء كورونا كون هنالك الكثير من الأمور التي باتت أصعب بكثير بالنسبة لهم "كورونا أهون الشرور على الإطلاق"، مؤكدةً أنهن داخل المخيمات لا يتبعن سبل الوقاية ولا إجراءات التعقيم، وما يهمهم فقط هو إطعام أولادهن وتأمين متطلباتهم التي باتت مستحيلة في ظل تفشي الفقر الذي لا يرحم وفق تعبيرها.
بات شهر رمضان بالنسبة للكثيرات في الشمال السوري يحمل معه ذكريات الأبناء الذين رحلوا بين شهيد ومعتقل ومهجر، تقول سلام العمر (48عاماً) أنها لم تعد تشعر بأي بهجة أو سعادة منذ اعتقال ابنها حسام البالغ ثمانية عشر عاماً على إحدى حواجز النظام أثناء سفره للعمل في لبنان منذ أكثر من 7 أعوام، ومنذ ذلك اليوم والمرأة المكلومة تنتظر رؤية فلذة كبدها سالماً أمام عينيها، وبعين تفيض بالدمع تقول "لقد قضت الحرب على كل شيء جميل في حياتنا، قضت على لمتنا، على فرحتنا، على أمالنا، دمرت البلد وحرقتها وحرقت معها قلوبنا التي لم تعد تتجرع إلا مرارة اليأس وانتظار الفرج القريب".
وبحسب ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا أكجمال ماجتيموفا فإن 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، بينما حذرت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة إليزابيث بايرز من أزمة غذاء غير مسبوقة في سوريا، بسبب تفشي فيروس كورونا.