كيف تساهم الكتابة الصحفية في دعم قضايا النساء أو زيادة أعبائهن؟
للكتابة الصحفية دور كبير في دعم قضايا النساء من خلال تسليط الضوء على أزماتهن المختلفة، أو زيادة أعبائهن بالمساهمة في تنميطهن اجتماعياً وتناول قضاياهن بشكل غير مناسب.
أسماء فتحي
القاهرة ـ الكتابة الصحفية قد تكون داعمة لقضايا المرأة كونها تسلط الضوء على أبرز ما تتعرض له من ممارسات ضارة وتحلل واقعها وتنشر عدد من المفاهيم الحقوقية التي تدعم حراكها، ولكنها أيضاً قد تساهم في التقليل من شأنها وتبسط الجرائم المرتكبة بحقها وتبرر الانتهاكات التي تتعرض لها من حين لآخر.
الخطاب الجماهيري وتأثيره أمر ضروري لأن هناك لغة تحشد المجتمع ضد الحراك النسائي وخلقت حالة من التحفيز والترقب وكأنها معركة بين النساء والرجال ومن سينتصر بها بالتبعية سيكون صاحب التأثير والسيطرة.
وهناك محاولات جادة للعمل على ذلك الملف خاصة بعد ارتفاع الأصوات وما تم نشره عقب جريمة قتل نيرة أشرف وغيرها من الجرائم والتي تحتاج فعلياً لوقفة حول أسباب التبرير للجاني والبحث عن أخطاء الضحية في بعض المنشورات التي تم الترويج لها، وكذلك الأمر يتكرر في كل قضية نسائية حتى تلك التي تطالب بالقوانين العادلة مما يجعل من العمل على انضباط اللغة وحساسيتها للنوع الاجتماعي وتجريدها من السياقات الثقافية المقللة من شأن النساء ضرورة تحتاج تكاتف من أجل تحقيقها.
لغة الكتابة تعبر عن أفكار مستخدمها
قالت الإعلامية المهتمة بالقضايا النسوية وعضوة مبادرة "مؤنث سالم" هاجر كمال إن فكرة استخدام اللغة لها تأثير كبير على المحتوى الذي يتم طرحه، مؤكدة أن هناك اختلاف حول ما إن كانت اللغة تعبر عن أفكار الكاتب أم أنها لا علاقة لها بالأمر ولكنها هامة وتعد انعكاس لما يتبناه الكاتب من أفكار واعتقادات.
ولفتت إلى أن للمصطلحات دور كبير في توصيف الحالات وتدقيقها فحينما تحدث واقعة اغتصاب أو عنف يمكن أن يتم تناول الواقعة بأكثر من صورة منها ما يدين المرأة ومنها ما يجعلها في خندق الضحية أو اعتبارها ناجية من جريمة تتطلب التدخل القانوني والانتصار فيها للحقوق.
واعتبرت أن جريمة التحرش على سبيل المثال هناك من يراها مجرد فعل بسيط لا يتجاوز حد المعاكسة أو المجاملة، وهو الأمر الذي يتعارض مع كونها جريمة واضحة تحتاج لتدخل وفرض عقوبة على مرتكبها مما يشجع الفتيات على الإبلاغ وعدم الصمت عن تلك الممارسات التي تنال من حقوقهن الإنسانية.
للكتاب دور كبير ومؤثر في ثقافة المجتمع
للكُتاب دور كبير في التأثير على المجتمع وجزء من الوعي العام وما يتناولونه من أفكار عادة ما يكون لها مردود في نفس المتلقي وهو الأمر الذي يجعل النظر في مراعاتهم للغة الحساسة للنوع الاجتماعي أمر ضروري لما له من تأثير في نظرة المجتمع لقضايا واحتياجات وأدوار النساء.
وأكدت أن هناك مؤسسات وتنظيمات محلية أدركت ذلك الأمر وأطلقت عدد من التدريبات المتعلقة باللغة الحساسة للنوع الاجتماعي ومنهم مركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي الذي أطلق كتيب استرشادي في هذا الأمر، وكذلك مبادرة مؤنث سالم والتي قامت بعدد من التدريبات للصحفيات حول اللغة والكتابة المراعية للنوع الاجتماعي.
وأوضحت أن هناك جرائم انتشرت في الفترة الأخيرة باسم "جرائم الشرف" وهي توحي بأنها متعلقة بمسألة الشرف وفكرة كتابتها على هذا النحو يترك انطباع لدى القارئ وكأنها مقبولة وهنا تحري الدقة في وصفها أنها جرائم ارتكبت بدعوى الدفاع عن الشرف تحدث فارقاً كبيراً يصل لتغيير المعنى المشار إليه كلياً.
تسمية الأشياء بدقة يساهم في نيل الحقوق
هناك تحايل كبير في استخدام لغة الكتابة لا يمكن إغفاله خاصة إن كان الأمر يتعلق بجرائم قتل النساء، وهو أمر يتطلب وقفة حقيقة لأن اللغة المستخدمة صحفياً هنا قد يكون لها دور سلبي في التعاطي مع الانتهاكات التي تتعرض لها النساء وإلقاء اللوم عليهن بدلاً من تقديم الدعم.
وأوضحت أن التعامل مع اللغة المستخدمة في الكتابة الصحفية باستخفاف قرار غير واقعي لأنها تساهم في توجيه الممارسات التي تنال من حقوق النساء كوصف "واقعة تحرش" وهي جملة غير دقيقة فالتحرش جريمة وليس مجرد واقعة عابرة.
واعتبرت أن هناك كتابات تبسط الانتهاكات وهو ما يجعل هناك ضرر مباشر على النساء بينما التوصيف الصحيح يدعم قضاياهن، مؤكدة أن الأمر يتطلب جهد وعمل على تطوير الذات وتعزيز القدرات والتدريبات المستمرة على اللغة لاستخدامها العادل بما لا يثقل أو ينال من حق فئة لصالح أخرى أو يقلل من مطالب إنسانية أو يبسط جرائم يعاقب عليها القانون.
الحلول الممكنة
وقالت إن الحل يبدأ من داخل الكاتب ذاته في الطريقة التي يرى بها المرأة وما يتكون في ذهنه نتيجة سياقاته الاجتماعية والثقافية حول حقوقها وتقديره لها، مؤكدة أن مسألة إعادة النظر في تلك القناعات خاصة المشوه منها يساهم بقدر كبير في علاج الخلل القائم.
ولفتت إلى أن القراءة المستمرة وتطوير الذات واحدة من أهم حلول مواجهة اللغة التنميطية وكذلك إعادة النظر في قيم ومبادئ المهنة ذاتها وما إن كان هناك التزام بها أم هناك انجرار وراء صرخات "الترند" المسلعة في كثير من الأحيان للنساء والتي تنال من حقوقهن الإنسانية وتتعمد تشويههن كذلك.
وبينت أن واحدة من آليات التعامل مع هذا الأمر تتمثل في نبذ خطاب الكراهية الموجه ضد النساء والذي يتم تداوله على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة والتي تحشد ضد قضايا المرأة وتبرر انتهاك خصوصيتها وإيذائها مع ضرورة تصويب المفاهيم بجانب الرسالة التي يحملها كل صحفي في كتابته حول القضايا المختلفة.