خيامٌ على الرمال... نساء غزة بين نار النزوح ولهيب الشمس
تعيش النساء النازحات في غزة، خاصة على شاطئ البحر الذي أصبح ملاذاً اضطرارياً لا اختيارياً، معاناة يومية حيث وجدن أنفسهن في خيام مكتظة على الشاطئ، بلا مياه نظيفة، ولا خدمات صحية، ولا حتى ظل يقيهم من الشمس الحارقة.

رفيف اسليم
غزة ـ تعيش النازحات على شاطئ بحر غزة أوضاع إنسانية صعبة، فبعد الشاطئ عن مركز المدينة يحرمهم من خدمة الوصول للمياه، ويفرض عليهن جهد بدني مضني في سبيل الوصول للسوق وشراء احتياجاتهن المختلفة، عدا عن الطرق الوعرة، وحرارة الشمس، والرطوبة التي تأكل أجسادهن في كل دقيقة مسببة لهن أمراض عدة.
أشعة الشمس على رؤوسهن
تقول النازحة داليا السلطان، إن للبحر ذكريات جميلة ومحببة في قلوب نساء قطاع غزة، فهو المتنفس الوحيد لهن ما قبل الحرب، وكن يهربن إليه لتستطعن مواجهة ضغوطات الحياة المختلفة، لافتةً إلى أن الخيمة أيضاً كذلك، فكانت أسعد أوقاتهن وهن تنصبن الخيام التي على يقين بأنهم سيعاودون تفكيكها في مساء اليوم ذاته والعودة لبيوتهن الاسمنتية.
وكانت لا تكتفي النساء وفقاً لداليا السلطان، بتحضير ألعاب الشاطئ المخصصة لأطفالهن، وما لذ وطاب من الأطعمة، بل تشترين لباس خاص بالسباحة وتحرصن على وضع الكريمات الواقية للشمس كي لا تتأثر أجسادهن بأشعة شمس الشاطئ الحارقة، ليبقى ذلك اليوم حديثهن بين بعضهن البعض طوال أسابيع ممتدة.
بينما اليوم تحول الوضع لكابوس بالنسبة لـ داليا السلطان، وكافة النازحات على الشاطئ فأشعة الشمس مسلطة على رؤوسهن طوال اليوم عدا عن الرمل والرطوبة، فتشعر بحكة في جسدها طوال النهار، ويزداد الأمر سوء عند الجلوس على الفراش الذي يبقى مبلول كون الرمال ذاتها مبللة، بالتالي تظهر أمراض جلدية لدى أفراد عائلتها غير قادرين على التأقلم معها دون علاجها كون لا دواء دخل لمشافي القطاع منذ ثلاثة أشهر.
ولفتت إلى أن الأعمدة الخشبية التي بالكاد استطاعت تدبرها ولفها بمجموعة من الأقمشة لتأوي داخلها هي وعائلتها، لم تعد صالحة خاصة كون خيمتها تمزقت وهي تهرب من الضربات الإسرائيلية على بلدة بيت لاهيا، ولم تستطع تأمين سوى صغارها من الموت الذي كان يلاحقهم في كل خطوة، مضيفةً أنها تفكر النبش في حاويات القمامة لعلها تجد أقمشة جديدة لتستطيع توسيع مساحة الخيمة، وبناء حمام صغير إلى جانب خيمتها.
تعيش داليا السلطان معاناة اللحاق بشاحنة المياه العذبة لتتمكن من الحصول على جالون واحد، تركض عشرات الكيلومترات وتسكب نصفها في طريق عودتها للخيمة، مما يضطرها إلى استخدام مياه البحر وتصفيتها من الشوائب لغسيل الملابس والأطباق، ومن ثم إعادة غسلها بمياه نظيفة، كونها تخشى على تلك الأدوات من أن يأكلها الصدأ.
تفكر داليا السلطان، في الوقت الحالي باستخراج ملح الطعام من مياه البحر خاصة بعد أن وصل ثمن الكيلو الواحد منه لـ 30 دولار، لعلها تخفف من عبئ متطلبات الحياة الأساسية، وذلك عبر استخدام خطوات معينة تكون بدايتها تنقية الماء بقماشة بيضاء، ومن ثم غليه حتى يترسب الملح أسفل القدر لتحظى بالنهاية بغنيمتها.
الاستحمام كابوس
بينما أكدت غنيمة الأنقح، على حديث سابقتها فالأوضاع المعيشية مأساوية وخانقة لا تستطيع امرأة تدبر أمرها خلالها، لكن ما جبرها لتخيم على شاطئ بحر قطاع غزة، هو الأمر الذي وجه لها ولجميع ساكني المناطق الشمالية من قبل القوات الإسرائيلية بالتوجه غربي المدينة تحديداً منطقتي الميناء وشاطئ بحر غزة للنجاة بأرواحهم.
وبينت أن من كبرى المشكلات التي تواجه النساء بالتخييم على شاطئ البحر، مشكلة المرحاض كون المكان غير مهيأ لتواجد مخيم في المنطقة، بالتالي لا يوجد بنى تحتية لتأسيس المراحيض التي تعتبر تكلفة إنشائها باهظة الثمن، لافتة إلى أن الاستحمام كابوس وهاجس يؤرق النساء والفتيات على وجه الخصوص.
والأمر يزداد صعوبة بالنسبة لها كونها لديها ابن من ذوي الاحتياجات الخاصة يحتاج للأدوية والفوط، في ظل معاناة النزوح وعدم توافر الاحتياجات الأساسية، مشيرة إلى أن المنطقة لا يصلها خطوط المياه، أو تكيات الطعام، مما يجعل النازحين داخلها يشعرون وكأنهم مفصولين ومغيبين عن العالم الخارجي في المدينة.
تتمنى غنيمة الأنقح، أن تحصل على حقها في العلاج لها ولابنها، وتوفير مكان آخر للنزوح ملائم خلف منطقة شاطئ البحر التي تحولت من مكان للاستجمام، إلى نقطة معاناة في حياة نساء غزة، كما كل شيء في مدينة الموت والخيام، خاصة مع الطرق الوعرة التي تصل الشاطئ بالطريق العام وعمليات التجريف من قبل الآليات الإسرائيلية طوال العام الماضي مما جعل التنقل لكبار السن منهك وقاسٍ.