ختان الفتيات باليمن عنف عميق الأثر

يعد ختان الفتيات من الممارسات المنتشرة في عدد من المدن اليمنية وتعد هذه الممارسة من الطقوس التي ارتبطت بأفكار تتعلق بالحفاظ على الفتيات وشرفهنَّ

نور سريب  
اليمن ـ ، وعلى الرغم من أن اليمن إحدى الدول التي اعترفت بهذا الانتهاك وقررت محاربته إلا أن الأوضاع السياسية حالت دون استكمال العديد من الإجراءات مما أدى إلى غياب الوعي واستمرار عمليات ختان الإناث دون مراعاة للعواقب الجسيمة التي تترتب عليها.
وبين آخر مسح وطني شمل 20 ألف أسرة يمنية، أجرته وزارة الصحة والسكان بالتعاون مع الجهاز المركزي للإحصاء في عام 2013، إلى أن ختان الإناث منتشر في عدة محافظات لكنه ظاهر بشكل كبير في محافظة الحديدة وحضرموت والمهرة وهي محافظات ساحلية، وقد وصلت نسبة الختان فيها إلى أكثر من 60 بالمئة، وبحسب المسح فإن ثلثي النساء سمعنَّ بختان الإناث، وتعرض 19 بالمئة منهنَّ إلى الختان. 
ويتم ختان الإناث في مرحلة مبكرة للغاية من حياتهنَّ، فنسبة 84 بالمئة من الفتيات تم ختانهنَّ في الأسبوع الأول للولادة، فيما تبلغ 11 بالمئة نسبة من تعرضنَّ للختان ما بين الأسبوع الأول وحتى العام الأول. 
وبموجب المسح تقول غالبية النساء (75 بالمئة) إنه ينبغي الامتناع عن ختان الإناث، إلى أن النساء القادمات من مناطق يشيع فيها الختان كنَّ مصرات على الاستمرار في هذه الممارسة، وعلى مدى سنوات الحرب لم يتم إجراء أي مسح وطني جديد لمعرفة الإحصائيات الجديدة ومدى استمرار ظاهرة ختان الإناث في اليمن.
تقول (ف. أ) البالغة من العمر (49) عاماً "عشت حياة مملة ولكني كنت أعي دائماً أن هنالك خلل في حياتي ومع الأيام قرأت وتعلمت ورغم اقتراحات عائلتي بضرورة ختان ابنتي لتطهيرها والحفاظ عليها إلا أنني رفضت الأمر ولم أقبل الرضوخ لهم وأدركت أن ما حدث معي لا يتعلق بالشرف ولا أريد أن يتكرر الأمر مع ابنتي الوحيدة، جسدها ملكها ولا يحق لي الحاق الأذى بها".
 
غياب القانون اليمني
بذلت الحكومة اليمنية جهود للحد من ختان الإناث في اليمن وصدر مرسوم وزاري في ٩ كانون الثاني/ يناير عام ٢٠٠١ يحظر هذه الممارسات في المرافق الصحية الحكومية والخاصة. وتبعه القرار رقم 1/3 الصادر عن وزير الصحة والسكان عام 2005، الذي نص على أنه "يمنع منعاً باتاً القيام بعملية ختان الإناث من جميع العاملين في الخدمات الصحية العامة والخاصة".  ‬ 
وعن أهمية إيجاد قانون يجرم الختان قالت المحامية وردة بن سميط رئيسة مؤسسة عدالة "ختان الإناث في اليمن يعتبر عادة اجتماعية بالرغم من كونها جريمة، ومن المفترض أن يعاقب عليها القانون اليمني، وكون القانون لم يكن حاسم في وضع حد لجريمة ختان الإناث، فكان القرار الوزاري عام ٢٠٠١ الذي أكتفى بالمنع دون تحديد عقوبة من يخالف الأمر على عكس القانون الذي يعمل على تغليظ العقوبة على من يقوم بهذه العمليات، وبالمقابل لم تضع الجهات الرسمية أي آليه جادة تمنع انتشاره بشكل كبير في بعض محافظات الجمهورية اليمنية ولا سيما في الوضع الراهن الذي تمر فيه البلاد من حروب وانقلابات سياسية وتغيير للحكومات، حالياً آخر شيء قد يفكرون فيه هو الاحتياجات والأضرار والعنف الموجه ضد النساء والأطفال بشكل عام، في ظل وجود تشدد ديني على جسد المرأة ووجوب ختان الإناث والذي يمارس منذ زمن طويل والمدعوم دينياً رغم تضارب الآراء".
وأضافت وردة بن سميط "مشروع قانون حقوق الطفل عام ٢٠١٤، تطرق لتجريم ختان الإناث ويتضمن عقوبات وغرامات مالية وعرض على لجنة وزارية ولكنه لم يرى النور، لذلك نحن نطالب بدولة ذات سيادة قانون تحافظ على كرامة الإنسان وخاصة الأطفال وسيادة النساء على أجسادهنَّ مالم تكن لضرورة صحية".
 
تهديد للصحة الجسدية والنفسية 
وعن مخاطر الختان الصحية الكبيرة قالت الدكتورة أبها الغلابي "يشكل ختان الفتيات خطر كبير على حياة الإناث خاصة أثناء عملية الختان حيث يتعرض جزء من جسد المرأة الذي يحتوي على كمية كبيرة من الأعصاب لكونه منطقة حساسة تحتوي على أوعية دموية كثيرة فتتعرض حياة الفتاة للخطر مع احتمالية إصابتها بنزيف قد يؤدي إلى وفاتها، كما أن الختان وبتر هذا الجزء من أعضاء الفتيات الحساسة يؤدي إلى الالتهابات ويعرض الفتاة للعدوى لأن المواد المستخدمة غير معقمة، كما أنه يتسبب بصدمة عصبية وآلام في الحوض وناهيك عن التشويه الذي تتعرض له الفتاة والذي يجعلها تفقد ثقتها بنفسها، بالإضافة إلى آلام شديدة أثناء العلاقة الجنسية، وتعسر الولادة الطبيعية".
وبدورها تحدثت دكتورة الصحة النفسية ورئيسة مركز المرأة والطفل للدراسات الاستراتيجية أنجيلا المعمري قائلةً "الختان من القضايا ذات الأبعاد المتعددة منها النفسية والاجتماعية والصحية وتختلف طريقة الختان ونوعه من منطقة إلى أخرى، ولكنها تتشابه في حجم الألم والمعاناة النفسية التي ترافق الفتاة بمراحلها العمرية المختلفة، وتعد الأضرار النفسية المرافقة للفتيات اللواتي يتعرضن للختان من المعضلات الدائمة والتي تترك آلام غير منتهيه منذ لحظة الختان، وتجعل الفتاة فريسة الخوف والشعور بالنقص وتدني مستوى الذات لديها وشعورها بالصدمة النفسية جراء انتهاك خصوصيتها دون علمها أو الحصول على موافقتها وإنما إرضاء للعادات وتقاليد ومفاهيم مجتمعية لا علاقة لها بذلك، ناهيك عن حالات النزيف التي قد تتعرض لها الفتاة أثناء عملية الختان وحالات التسمم جراء استخدام بعض الأدوات الغير صحية". 
وأضافت الدكتورة أنجيلا المعمري "بالإضافة إلى كل الآلام السابقة، فأن المرأة تعاني من عدم القدرة على الاستمتاع بحياتها الجنسية (البرود الجنسي) عند الزواج خاصة في حالات الختان العميقة وفي كثير من الحالات تفشل العلاقات بسبب حالة البرود الجنسي وعدم القدرة على الاستثارة وتكون الفتاة ضحية ذلك القرار الذي استهدفها بحجة الحفاظ عليها، بالإضافة إلى أمكانية إصابتها بالعقم نتيجة لعملية الختان، وهذه مشكلة أخرى قد تجعلها في نظر الطرف الأخر غير مكتملة وغير مرغوب بها خاصة في مجتمعنا الذي لا تزال فيه بعض المدن والقرى تتباها بالخصوبة والإنجاب".
واختتمت الدكتورة أنجيلا المعمري حديثها قائلةً "لا ننسى بأن هناك العديد من القوانين والمواثيق الدولية التي تحرم عملية الختان وتعاقب عليها، كما أن هناك عدد من الدول العربية نجحت في فرض بعض القوانين التي تنص على تنفيذ العقوبات على من يقوم بذلك، انطلاقا من مبدأ الحرية الشخصية وعدم مصادرة حقوق الأخرين والحد من العنف القائم على النوع الاجتماعي ونتمنى أن تصل بلادنا إلى مرحلة الاهتمام بحياة الفتيات وإصدار قانون صريح يجرم عملية ختان الإناث ويفرض عقوبات صارمة على مرتكبيه".