خديجة الجهمي... منتجة في مجال الأدب والعمل النسوي والإعلامي
شهد المجتمع الليبي العديد من النساء اللواتي مثلن نموذجاً يحتذى به لتحرر المرأة وانطلاقها في الحياة، وكسر قيود العادات والتقاليد التي كانت تكبلها، وخاضت غمار العديد من المجالات وفتحت أبواب واسعة أمام نساء ليبيا للسير نحو المساواة.
ابتسام اغفير
بنغازي ـ على الرغم من أن خديجة الجهمي والتي يطلق عليها الليبيون اسم "ماما خديجة"، لم تكن هي رائدة العمل النسائي في البلاد، فقد سبقتها العديد من النساء أمثال حميدة العنيزي، وزعيمة الباروني وغيرهن كثير، إلا أن اسم خديجة الجهمي وسيرتها هي التي سطعت ورسخت في أذهان الليبيين بصفة عامة.
سامية البكوش المتخصصة في التاريخ الحديث والمعاصر، وقد تحصلت على الماجستير في هذا التخصص، وكانت رسالتها بعنوان "خديجة الجهمي ودورها في المجتمع الليبي"، تحدثت عن سبب اختيارها لخديجة الجهمي "كان توجهي لاختيارها بسبب اهتماماتي كامرأة بالتاريخ الحديث والمعاصر المتخصص في الجوانب الثقافية والاجتماعية، فشدتني شخصية خديجة الجهمي فقد كانت شخصية مميزة، وكان لها تاريخ نضالي طويل، ونتاج فكري غزير يحتاج إلى دراسة، فقد اختلفت عن باقي الرائدات في كل شيء قامت به".
فليبيا تميزت بالعديد من الرائدات لكن كانت مسيرة خديجة الجهمي مختلفة حيث كانت مليئة بالنضال والكفاح والهجرة، منذ صغرها كانت مختلفة جداً، وبرزت في العديد من المجالات، فبعض الرائدات تواصل الكفاح عند فترة معينة ثم تتوقف، لكن خديجة الجهمي إلى أن توفيت كانت منتجة في مجال الأدب والعمل النسوي والإعلامي فهي لم تتوقف أبداً.
وقالت سامية البكوش، إن خديجة الجهمي لا تعتبر الرائدة الأولى فيوجد قبلها العديد من الرائدات، فقد سبقتها حميدة العنيزي وبديعة فليفل، ودفعن بها في مجال العمل النسوي، وهناك رائدات كثيرات في البلاد كان لهن دور عظيم جداً في مسيرة نضال المرأة وحثها على الانخراط في التعليم، والدخول إلى دورات محو الأمية، فقد سعين كثيراً من أجل مد يد العون للمرأة وانتشالها من الجهل والخوف والتخلف الذي كانت تعيشه، فحركة النهضة النسوية بدأت في العهد العثماني الثاني، ولم تكن خديجة الجهمي هي رائدتها.
وعن سبب ربط الناس خديجة الجهمي ببداية الحركة النسوية في البلاد على الرغم من أنها ليست الأولى، أوضحت أن الأولى امرأة مميزة تعلقت بها كافة شرائح المجتمع ولم يقتصر الأمر على النساء فقط بل حتى الرجال والأطفال تعلقوا بها، من خلال مجلاتها، وقبلها عن طريق برامجها الإذاعية، وتواصلها مع الناس باللهجة العامية، حيث تميزت برامجها بمعالجة القضايا الاجتماعية وحلها للجميع.
وأكدت أن خديجة الجهمي لم تتمرد على المجتمع بالشكل المتعارف عليه، بل كان تحررها من قيودها بشخصيتها الهادئة ومد يد العون والمساعدة للجميع، وسلكت مسلك الإقناع للناس بإمكانية تعليم الفتيات وخروجهن للعمل من أجل كسر الجمود والجهل الذي عاشته المرأة لفترات طويلة، فالظروف التي مرت بها ليبيا خلال مراحل الاستعمار دفعت المرأة بقوة للمشاركة في تنمية المجتمع ومشاركة الرجل في هذه التنمية.
وقالت سامية البكوش إن النساء الرائدات كان لهن دور كبير جداً في الدفع بالمرأة خاصة في فترة العهد العثماني الثاني التي لم يكن لها وجود ولا اعتبار وكان خروجها محدود جداً ومقيدة، فقد جعلتها الظروف المجتمعية كالاستعمار والعادات والتقاليد داخل قوقعة، ولكن خروج الرائدات كنوع من التمرد على هذه القيود جعل الحركة النسوية تبدأ بداية جيدة.
وأشارت سامية البكوش إلى أن المجتمع مر بمراحل تاريخية مختلفة ولكل مرحلة لها خصوصيتها، فمثلاً العهد العثماني بدأت فيه الحركة النسائية وبدأت المرأة تخرج للدراسة، وبالنسبة لخديجة الجهمي، لاقت صعوبات جمة أهمها عدم تقبل المجتمع لظهور المرأة في الإذاعة، ولكن تغلبت على ذلك بقوة شخصيتها ومن أكثر المواقف التي تدل على شجاعتها هي عندما هاجر والدها بسبب الحرب من بنغازي للقاهرة، قررت أن تلحق به، وكان قرارها في ذلك جريء ومتمرد، فهاجرت في ظل عدم توفر الظروف المواتية للهجرة، قاومت وتغلبت على ظروف السفر حتى تخطت الحدود ودخلت الى مصر.
ولفتت إلى أن خديجة الجهمي لم تنخرط في المجال السياسي، بل كان جل نشاطها في المجال الاجتماعي والثقافي، وبالأسرة والمجتمع، حتى أنه بعد عام 1969 أي بعد ثورة القذافي استمرت في عملها في المجال الثقافي والإعلامي، فهي منذ البداية كانت مبتعدة عن السياسة.
وحول لو أن خديجة الجهمي تعيش في الوقت الحالي مع التكنولوجيا والتطور الذي حصل في العالم كيف سيكون دورها تقول سامية البكوش "في هذا المجتمع لا نحتاج لخديجة الجهمي واحدة وإنما مجموعة منها لأننا نحتاج إلى من يساعدنا ويساندنا ويقف إلى جانب أطفالنا وشبابنا، غير أن المشاكل في ذلك الوقت تختلف عن المشاكل الحالية التي نرى أنها صعبة جداً.