كفالة الأيتام في الجزائر... حلم صعب المنال

تواجه العديد من النساء في الجزائر صعوبات كثيرة من أجل الحصول على وثيقة رسمية تمكنها من كفالة طفل أو طفلة صغيرة تعوضها عن "الأمومة المفقودة"

رابعة خريص 
الجزائر ـ ، وفاطمة الزهراء واحدة من تلك النساء، كانت تتنقل كل يوم بين مدينة وأخرى لعلها تظفر بتوقيع ينهي مأساتها، لكن كل محاولاتها باءت بالفشل.
يسمحُ المشرع الجزائري قانونياً بـ "الكفالة" باعتبارها مساعدة طفل لم يتجاوز عمره الـ 18 سنة على التأقلم مع المجتمع الذي يكون ظالماً لهذه الفئة في أغلب الأحيان، حيث تقوم الأسرة المستقبلة على التكفل به مادياً والاعتناء به مدى الحياة. 
وإذا كان الطفل من أبوين معروفين فالكفالة تتطلب الحصول على موافقة أبويه البيولوجيين مع اشتراط محافظة الطفل على نسبها الأصلي، وفي حالة ما إذا كان الطفل من أبوين مجهولين يجب أن يكون الملف مرفقاً بشهادة الإيداع التي تسلم من طرف هيئة رسمية وهي مديرية العمل الاجتماعي التابعة لوزارة التضامن، ويمكن أن يسلم الطفل من أمه البيولوجية فيتطلب الوضع موافقتها. 
 
تضارب في الأرقام
تقول فاطمة الزهراء (50 عاماً) من محافظة تيبازة الضاحية الغربية للعاصمة الجزائرية، لوكالتنا أنها قضت خمسة سنوات كاملة للحصول على طفل صغير يتيم الأبوين لأنها غير قادرة على الإنجاب، غير أنها لم تفلح في ذلك بسبب صعوبة الإجراءات رغم أن طريقة تعامل المشرع الجزائري مع هذه الوضعيات واضحة للغاية. 
وأضافت والدموع تملأ عينها "كنت أريد التكفل بأحد الأطفال حتى أؤمن له حياة مستقرة تنسيه مأساته لأن أغلبهم هويتهم ضائعة أي مجهولي النسب، لكني يأست". 
وينص القانون الجزائري على مكوث الأطفال الأيتام في مراكز ومؤسسات الطفولة المسعفة إلى غاية سن 19 عاماً، ومباشرة بعدها يرتمي اليتيم بين أحضان الحياة فإما يبلغ العلا ويحصل على الشهادة العليا وإما تحاصر هويته الضائعة مستقبله وتحطم أحلامه. 
وهو الوضع الذي ينطبق على الطفل "أنيس" الذي يعتبر واحد من المحظوظين الذين ظفروا بشخصين سهراً على تربيته وتعليمه لكن نهايته كانت مأساوية، إذ  تروي والدته سمية ناصر في العقد الخامس من عمرها قصته لوكالتنا قائلةً "انقلبت حياتنا رأًساً على عقب بعد انكشاف السر وتأكده من أن نسبه مجهول، حينها انحرف وسلك طريقاً ملغماً، فبات يتعاطى المخدرات ليتخطى الصفات والكلمات التي تطارده بين الحين والآخر".
وتحصي وزارة التضامن في الجزائر حوالي 3 آلاف طفل من خارج أطر الزواج الرسمية في البلاد، غير أن الرابطة الجزائرية للدفاع عن الإنسان تبين أن هناك أكثر من 45 ألف طفل سنوياً، أغلبهم يخلقون نتيجة علاقات جنسية مؤقتة أو من الزواج العرفي. 
وتقول الأخصائية النفسية سمية حشاش لوكالتنا إن هذه الفئة تواجه حياة قاسية جداً رغم أن مراكز الإيواء تتكفل بهؤلاء الأطفال، في مختلف المراحل العمرية من خلال المرافقة والاحتواء والمتابعة النفسية والاجتماعية والمادية والتعليمية، فهي تحاول سد النقص ومواجهة الظروف القاسية التي هم في غنى عنها أو ليس لهم أي ذنب في ذلك. 
 
محاباة وتجاوزات 
لكن سمية حشاش تقول إن هذا الاستقرار لا يدوم طويلاً، فبمجرد أن يبلغ يتيم الأبوين سن 18 عاماً يجد نفسه في مواجهة حياة جديدة لا ماضي لها ومستقبلها مجهول، فالبعض منهم يحالفهم الحظ في الظفر بعائلات تتكفل بهم والبعض الأخر يجد نفسه في مواجهة طريق مليء بالأشواك، فهم يفتقرون لقانون خاص يوضح علاقة مجهولي النسب في التشريع الجزائري. 
وأوضحت أنه تم دعوة السلطات العليا في البلاد إلى انتشال الأطفال القصر من كابوس الآفات الاجتماعية، حتى أنهم طالبوا في رسالة بعثوا بها إلى وزيرة التضامن في الجزائر بسن قانون خاص لعقد الكفالة يعالج جميع الحالات والاحتمالات الواردة في حال فقدان الكفيل أو إعادة المكفول للمصالح المعنية في حالة وقوع أي طارئ. 
وبسبب الأوضاع المأساوية التي يواجهها قطاع كبير من القصر مجهولي النسب، تم اقتراح تشديد الآليات القانونية والردعية بخصوص تنازل الأم البيولوجية عن مولودها للحد من انتشار هذه الظاهرة، بالتنسيق مع مختلف المصالح الأمنية. 
 
 
وتشرح الناشطة الحقوقية والمحامية الجزائرية فريدة سي عبد الله طريقة تعامل المشرع الجزائري مع هذه الفئة وتقول إنه خصص له مواد في قانون الأسرة من 116 إلى 125، فالكفالة بصفة عامة هي تكفل الكافل بتربية ورعاية قاصر، وقد يكون القاصر معلوم النسب أو مجهول الأبوين. 
وأشارت إلى أنه هناك نوعان من الكفالة في الجزائر، الكفالة الإدارية التي تتكفل بها مديرية الضمان الاجتماعي (هيئة رسمية) وتودع الملفات على مستواها، أما الثاني فهي الكفالة القضائية والتي تودع على مستوى قاضي الأحداث الذي يفصل في ملفات الأطفال حديثي الولادة والذين تم العثور عليهم من طرف عناصر الأمن في الجزائر أو المواطنين في الشوارع أو قاضي شؤون الأسرة. 
وتقر المحامية الجزائرية فريدة سي عبد الله بوجود صعوبات كبيرة من ناحية الكفالة الإدارية، وتستدل بالعراقيل البيروقراطية التي تحول دون استفادة العديد من العائلات التي تتوق شوقاً للتكفل بهذه الفئة التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الجزائري، قائلة إن الكفالة الإدارية تسجل في كل مرة العديد من التجاوزات والمحاباة.