كارولين سكر: حملة "مش قبل الـ 18 مستمرة حتى إقرار القانون
من أجل إقرار قانون يحمي الأطفال من التزويج المبكر، أطلق التجمع النسائي الديمقراطي حملة "مش قبل الـ 18" في العام 2017 ولا زالت مستمرة لغاية اليوم، بهدف إقرار قانون يحمي الأطفال الموجودين على الأراضي اللبنانية من التزويج المبكر.
لا يمكن للفتاة قبل بلوغها الثامنة عشر من العمر أن تدلي بصوتها في الانتخابات النيابية والبلدية، ولا تستطيع أن تتقدم بشكوى ضد أي معتدي أو معنف لأنها قاصر ولكن القانون في لبنان يسمح لها بأن تتزوج وتؤسس عائلة وتنجب أطفالاً، الأمر الذي يمكن أن يعّرض حياتها للخطر هذا عدا عن الآثار السلبية التي يمكن أن تترتب على صحتها النفسية جرّاء الزواج المبكر.
كارولين بزي
بيروت ـ
تلقت الحملة الدعم من مختلف الجمعيات والمنظمات النسائية كما تم تبني اقتراح القانون من قبل بعض النواب في البرلمان اللبناني، وتؤكد نائبة رئيسة التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني الدكتورة كارولين سكر لوكالتنا بأن "حملة مش قبل الـ18 مستمرة حتى إقرار القانون".
"القانون ينص على حظر الزواج المبكر ومعاقبة من ينظم ويعقد الزواج"
تقول كارولين سكر "بدأنا بالعمل على حملة "مش قبل الـ18" في العام 2015، وأجرينا دراسة استكشافية لعدد اللواتي تزوجن زواجاً مبكراً على كل الأراضي اللبنانية. أخذنا عينة مؤلفة من 250 شخصاً من مختلف المناطق اللبنانية وتحديداً من الجنسية اللبنانية، ودرسنا الأسباب التي أدت إلى تزويجهن في سن مبكرة والآثار السلبية لهذا الزواج".
تتابع "في العام 2017 شكلّنا لجنة قانونية تضم قضاة وحضرنا مسودة قانون، أبرز موادها: حظر الزواج المبكر ومعاقبة كل من ينظم الزواج أو يعقد الزواج لفتاة تحت الـ18 عاماً".
وتضيف كاولين سكر "بالتعاون مع الـ UNDP نظمنا ورشة عمل بعنوان "منع تزويج الأطفال" وحضر الورشة مجموعة من النواب من مختلف الأحزاب وحاولنا سبر آراء النواب الذين يؤيدون طرحنا من عدمه، وتبين أن أغلب النواب المسيحيين كانوا يؤيدون الطرح وأغلب النواب المسلمين تحفظوا".
وتقول بعد انتخابات عام 2018 وانتخاب مجلس نواب جديد، كان على "التجمع النسائي الديمقراطي" أن يقوم بإحياء اقتراح القانون من جديد لدراسته مجدداً في لجنة الإدارة والعدل في المجلس النيابي.
وتبين بأن لجنة الإدارة والعدل كانت تدرس ثلاثة قوانين مقترحة، اقتراح قانون يسمح بالتزويج المبكر وفقاً لدراسة كل حالة بمفردها، اقتراح يسمح بتزويج الفتاة قبل الـ 18 في حال حصول حمل، والاقتراح الذي تقدم به التجمع النسائي الديمقراطي، ولكن كل ذلك تم تعليقه مع انطلاق ثورة 17 تشرين الأول/أكتوبر في العام 2019 وانتشار وباء كورونا.
بما أن الدين الإسلامي لا يمنع تزويج الفتاة في سن مبكرة، عقد "التجمع النسائي الديمقراطي" لقاءات مع رجال الدين وكان هناك عدة آراء، وتشير كارولين سكر إلى "أن البعض كان منفتحاً على طرحنا ومنهم من أشار إلى أنه لا يوجد نص ديني يفرض تزويج الفتاة في سن مبكرة".
كما اعتبر البعض أن النمو البيولوجي للجسم يسمح للفتاة بالزواج لو كانت قبل الـ18، وتعلق بالقول "قمنا بالتوضيح لرجال الدين وأطلعناهم على رأي الأطباء وتأثير الحمل المبكر وكذلك ما قالته منظمة الصحة العالمية بهذا الخصوص، وأوضحنا بأن نمو الجسم لا يعني نمواً عقلياً أو قدرة على التحمل الجسدي"، وتضيف "نظمنا حملات، لقاءات وتدريبات في ظل ارتفاع نسبة التزويج المبكر ولاسيما بعد النزوح السوري إلى لبنان، إذ بدأت هذه الظاهرة تتسع ولذلك تشددنا بمواقفنا أكثر".
"ترتفع نسبة التزويج المبكر في الأرياف ونظمنا حملات توعوية"
تعتبر ظاهرة التزويج المبكر أكثر انتشاراً في الأرياف والمناطق الفقيرة بالإضافة إلى تلك التي ينتشر فيها النزوح السوري، وتلفت كارولين سكر إلى أن النازحين السوريين عندما أتوا إلى لبنان ارتأوا أن يزوجوا بناتهم خوفاً عليهن من الواقع الجديد الذي انتقلن إليه من تحرش أو اغتصاب.
وتضيف "بالنسبة للبنانيات النسبة أقل من السوريات، وترتفع النسبة في المناطق التي تفتقر للوعي والتوجيه والإرشاد من قبل المدارس في هذا الخصوص، مثلاً إذا رسبت فتاة في المدرسة يفضلون أن يزوجوها بدلاً من تعليمها مهنة معينة".
بالنسبة للحملات التوعوية في الأطراف، تقول "نظمنا حملات توعوية في مختلف المناطق اللبنانية ولاسيما الأطراف، في طرابلس والبقاع وكذلك في مناطق جبل لبنان ولكن حالات التزويج المبكر في جبل لبنان نادرة".
تؤكد كارولين سكر بأنهم في "التجمع النسائي الديمقراطي" تلقوا العديد من الشكاوى من أمهات يرفضن تزويج بناتهن فيما الأب يصّر على هذا الأمر، ما ولّد مشاكل داخل البيت الواحد وبالنهاية في العائلات التقليدية السلطة تعود للأب.
وتضيف بأن ثمة أهالي يوهمون بناتهم بحياة رفاهية وسعادة تنتظرهن مع دخول بيت الزوجية، وتعتبر بعض الفتيات أنهن يهربن من منزل والدهن، ويدركن لاحقاً بأن خيارهن لم يكن صائباً بعد فوات الأوان. وبدلاً من الهروب من عائلتها تجد القاصر عائلة زوجها بانتظارها، كما لم يعد باستطاعتها أن تكمل دراستها إلى جانب تحملها مسؤولية عائلة وأولاد.
"الآثار السلبية المترتبة على الزواج المبكر"
وتوضح كارولين سكر الآثار السلبية التي تترتب على الزواج المبكر، منها بأن "الفتاة لا تتحلى بالنضوج، وبالتالي يؤثر ذلك على العلاقة الحميمة التي تجمعها بالشريك، فالأهل ولاسيما في الأرياف لا يشرحون لبناتهم طبيعة العلاقة الزوجية، وبالتالي يتحول هذا التزويج إلى عنف، ما يرتب آثاراً نفسية على الفتاة، تُحرم من التعبير عن رأيها، تتعرض للإساءة إلا أنها لا يمكن أن تلجأ للقانون لأن القانون لا يحميها. تُحرم من استكمال دراستها. الحمل بسن صغير يمكن أن يؤدي إلى مخاطر عديدة منها الوفاة أو الإجهاض، بالإضافة إلى التعقيدات الصحية والجسدية، مثلاً نقص التغذية والاكتئاب والنزيف الحاد، كما أنه من المحتمل أن يولد الجنين يعاني من أمراض أو إعاقة".
وتضيف "إلى جانب هذه السلبيات ارتفاع حالات الطلاق، إذ أن نسبة فشل هذه الزيجات عالية جداً، ولاسيما في ظل صراع الأجيال، وعندما تبدأ الفتاة المتزوجة بسن مبكر بمقارنة نفسها بفتيات أخريات بسنها لم يتزوجن بعد أو أكملن دراستهن يؤدي ذلك إلى فشل الزواج، وكل ذلك في مجتمع يرفض المرأة المطلقة".
تؤكد كارولين سكر بأن الأمل بإقرار قانون يحمي الأطفال من التزويج المبكر موجود ولاسيما مع استمرار الجهود المحقة التي يبذلها التجمع إلى جانب عدد من المنظمات والجمعيات النسائية، لافتةً إلى تعديلات لجأت إليها بعض الدول فيما يتعلق بتزويج الفتيات، أملةً بأن ينعكس ذلك قريباً على القانون اللبناني ولاسيما أن هناك دراسات حول هذا الموضوع، مثلاً منظمة الصحة العالمية تشير إلى أن أكبر نسبة وفاة للنساء الشابات بين سن الـ15 والـ19 هي بسبب الحمل، كما أن الولادة والاجهاض تنعكس سلباً على صحة المرأة بهذا السن.
في ظل غياب قانون يمنع تزويج القاصرات، لن يتوقف العديد من العائلات من حرمان بناتهم من التعلم، واستكمال المراحل العمرية الطبيعية التي تتيح لهن التعرف على الحياة قبل أن تقبل تلك الطفلة إلى بيت الزوجية وتنجب أطفالاً تربيهم طفلة.