جيهان عصمتي... ناشطة بلا حدود

"أساليبها القتالية لم توفر مكاناً للعدالة الاجتماعية فحسب، بل للتغيرات السياسية وجلبت معها الكثير من الثقافة بمشاركتها في مختلف الأنشطة، ودعت إلى مواصلة النضال من أجل المرأة والمجتمع" هكذا تم وصف جيهان عصمتي.

آرشين راد

مريوان ـ جيهان عصمتي، امرأة من أرض زاغروس وزايوار، التي أصبحت رمزاً للنضال من أجل النساء المضطهدات في بلدهن، امرأة سعت لتحقيق الحرية والمساواة بين الجنسين منذ بداية حياتها، ولم تتوقف عن القتال ليلاً ونهاراً لتحقيق ذلك.

السجن والتعذيب والقمع من قبل زوجها والبعد عن أبنائها لم يكن ليشكل عائقاً أمام أهدافها؛ بل عادت إلى ساحة المعركة أقوى وأكثر نشاطاً، لقد دافعت المناضلة جيهان عصمتي بنشاط عن قضايا قتل واغتصاب النساء وعدم المساواة والبيئة.

لقد شكلت جيهان عصمتي قدوة للنساء والرجال الذين يسعون بوعيهم إلى الحرية والكرامة الإنسانية، توفيت في 25 أيار/مايو من هذا العام بسبب المرض، لكن لم تسمح لها السلطات الإيرانية حتى بزيارة مكان ولادتها في مدينة مريوان، ليتم دفن جثمانها في سنه.

وفي لقاء مع بيان بختيار إحدى أقارب جيهان عصمتي قالت أنه على الرغم من حزنها إلا أنها عزمت على مواصلة الطريق بالخبرات التي اكتسبها خلال حياتها النضالية، فقبل أشهر قليلة من نهاية الحرب العالمية الثانية في صيف عام 1945، في شرق كردستان ولدت جيهان عصمتي في عائلة مشهورة من قرية نزيل بمريوان.

وأوضحت أنه بحسب عادات وتقاليد تلك الفترة تم تزويجها في سن مبكرة، وأظهرت في فترة شبابها روحاً شجاعة وحرة وضعتها على طريق المقاومة ضد السلطة الأبوية والنظام الإسلامي، لافتةً إلى أن الثورة الإسلامية التي اندلعت في إيران واجهت أشرس خصومها في كردستان خلال الثورة الإيرانية عام 1957، منهم جيهان عصمتي فقد أدى إيمانها القوي بالمساواة بين الجنسين والنظرة الكردية للعالم إلى خلق صدع عميق بينها وبين زوجها.

وتابعت "اتُهمت بمعاداة الإسلام والتمرد، وبجريمة النشاط الثوري والانتماء إلى حزب كومله، وتم سجنها عام 1981، وتزوج زوجها بامرأة أخرى وفقاً للشريعة الإسلامية، وبحجة تأثير أنشطتها على حياته، تقدم بطلب رسمي لإعدامها، مما أدى إلى سجنها في سجن إيفين بطهران".

وعن نظام الحكم في إيران وسياسته مع الانتفاضات الشعبية قالت بيان بختيار "النظام الإيران يحاول الحفاظ على المظاهر والحد من أعمال الشغب الشعبية، لذلك قام بمنح العفو لبعض السجناء السياسيين وكان من بين المحكوم عليهم بالعفو جيهان عصمتي التي أطلق سراحها أخيراً بعد أربع سنوات ونصف من السجن، لذلك أصبحت أماً في سن مبكرة وأنجبت أربعة أبناء كانت تتراوح أعمارهم آنذاك بين 3 و12 عاماً".

وأشارت إلى أنه خلال فترة سجنها تم حرمانها من حقوق والدتها وفق الشريعة الإسلامية، وفي السنوات التي تلت إطلاق سراحها، كانت تكسب لقمة عيشها من خلال الخياطة في غرفة صغيرة كانت بمثابة غرفة نوم لها ومطبخ وغرفة معيشة في نفس الوقت.

وعن نشاطات جيهان عصمتي في السجن قالت "لم تتوقف عن العمل حتى في السجن وكلما تمكن أبناؤها من زيارتها، كانت تعطيهم نقود لشراء المثلجات، وكانت زيارات أبنائها دائماً متقطعة ومحدودة لأن والدهم لم يكن يحترمها لذلك كان يحاول حرمانها من أبنائها، لقد تعرضت لتعذيب نفسي وجسدي شديد في السجن".

وأضافت "كانت عمليات الإعدام في ذلك الوقت عشوائية تماماً، وكانت تعتمد على دخول قوات الحرس الثوري الإسلامي (المجموعة العسكرية للثورة الإسلامية) إلى الزنازين واختيار سجناء بديلين لتنفيذ حكم الإعدام بحقهم".

وتابعت "جيهان عصمتي لها جذورها في مريوان المدينة التي نشط أهلها بأكثر من 45 عاماً في مجال حقوق المرأة والبيئة والقضية الكردية، لذلك النظام الإيراني كان يخاف منها نظراً لكثرة الناس الذين أحبوها، لقد كان النظام خائفاً لدرجة أنه منع دفنها في مريوان، لأنه كان يعلم أن آلافاً وآلافاً من المشيعين قد قدّموا احترامهم لها".

وقالت بيان بختيار في إشارة إلى أنشطة جيهان عصمتي "هي إحدى الأعضاء المؤسسين لـ "جمعية مريوان النسائية"، وأيضاً كانت عضو فعال في جمعية Green Chia وأمهات السلام، لقد كانت حقاً "ناشطة بلا حدود"، وكذلك بمشاركتها وحضورها في فعاليات يوم 8 من آذار اليوم العالمي للمرأة دعت إلى مواصلة النضال من أجل المرأة والمجتمع خاصة بعد مقتل شيلر رسولي".

ولفتت إلى أن أساليبها النضالية لم توفر مكاناً للعدالة الاجتماعية فحسب، بل كانت أيضاً سبباً للعديد من التغييرات السياسية والثقافية، ومن بين المثالين الحديثين اللذين يتبادران إلى الأذهان، جرائم الشرف حيث أكدت أن جثث الضحايا جميعهم من النساء بهذا العمل كسرت الأعراف وبالتالي كسرت أحد المحرمات الثقافية والدينية".

وأضافت "في حالة أخرى، أجبرت الشرطة ثلاثة شبان كرد على الخروج في استعراض في المدينة وهم يرتدون ملابس نسائية كردية، تم تنفيذ هذه البادرة من قبل النظام الإيراني بهدف إذلال هؤلاء الرجال من خلال ارتداء ملابس نسائية وفي نفس الوقت التقليل من مكانة المرأة"، لافتةً إلى أن "جيهان عصمتي بدأت فعالية ارتدى فيها الرجال الملابس النسائية الكردية كدليل على احترام المرأة، ونزعوا سلاح قوات الأمن، لقد عزز هذا النشاط من معنويات الناس".

وفي ختام حديثها قالت بيان بختيار "الأمثلة على شجاعتها ومقاومتها كثيرة ولا يسعنا الوقت لسردها كلها، على سبيل المثال، في ذروة حروب العصابات ضد النظام الإيراني لعبت جيهان عصمتي دوراً أساسياً في توفير الغذاء والأدوية لقوات البيشمركة، وفي جنازة شريف باجور، حملت لافتة كتب عليها "من يعيش في قلب الأمة لن يموت أبداً"، وهي الجملة التي تنطبق عليها تماماً وعلى أمثالها!".