حياة مرشاد: واقع المرأة سيء جداً وسأنذر عمري لتحقيق المساواة

نعيش في عالم تسيطر عليه الأفكار الذكورية والتمييز بين الجنسين حتى في أبسط تفاصيل الحياة، تنبهت حياة مرشاد الصحافية والناشطة النسوية لتلك التفاصيل وسألت عن الخلل، إلى أن قادها شعور الظلم الذي تتعرض له النساء للثورة على واقعها من أجل تحقيق المساواة

كارولين بزي    
بيروت ـ .
لعل المهمة لم تُنجز بعد ولكن حياة هالة مرشاد كما تُعرف نفسها على وسائل التواصل الاجتماعي استطاعت أن تُحدث فرقاً، وبسبب النضال المتواصل تم اختيارها من قبل BBC لتكون من بين أكثر مئة امرأة ملهمة لعام 2020.   
 
"التصنيف يحفزنا كنسويات على مضاعفة الجهد والمثابرة على النضال"
لم يكن هدف حياة مرشاد يوماً أن تكون ضمن القائمة العالمية من بين أكثر النساء إلهاماً، ولم تعر ذلك الأمر اهتماماً، ولكن بما أنه حدث فهو نتيجة إيجابية ليس فقط لها بل إن هذا التصنيف بمثابة مكافأة لمسيرة نضال نسوية.  
تقول حياة مرشاد لوكالتنا وكالة أنباء المرأة "مجرد أننا استطعنا أن نحجز لنا كنسويات في لبنان مكاناً ضمن هذه القائمة العالمية، يعني أننا نعمل بجدية ونُحدث فرقاً على أرض الواقع. 
لا يمكن لامرأة واحدة أن تدّعي بأنها هي من أثرّ فعلاً وأحدث فرقاً، هناك نساء سبقونا وناضلنَّ ونحن نكمل مسيرتهنَّ، وهناك نسويات يناضلنَّ في الظل يومياً، وبالتالي هذا التصنيف يحفزّنا على بذل مجهود مضاعف والمثابرة على النضال".
لا تنكر أن المسؤولية أصبحت أكبر، وتلفت إلى أنه بعد صدور تصنيف BBC تلقت اتصالات عديدة من فتيات من مختلف المجالات ولاسيما الفئات الشابة، يرغبنَّ بلقاءات معها يطلعنَّ من خلالها على بعض الأفكار النسوية وبالتالي "هذه المهمة تحتّم عليّ إيصال الرسالة بشكل صحيح وتجنب أي خطأ".  
 
"نحن في مواجهة مع المنظومة الذكورية الأبوية"
كثيرون يعتقدون بأن النسوية تعني معاداة الرجل، توضح حياة مرشاد بأنه "عندما نتحدث عن النسوية، يعني أننا نتحدث عن معركة أو صراع مع النظام الأبوي، هذا النظام أو الفكر الذكوري يمكن أن يتبناه أي شخص رجل أو امرأة. يمكن للمرأة أن تتبنى الفكر الذكوري لعدة أسباب منها نشأتها في ظل هذا النظام، ولا يمكنها أن تعارض هذا الفكر لأن الاعتراض يمكن أن يعرّضها للعقاب، كما أن السلطة الأبوية هي التي تحكمنا".
وتضيف "معركتنا ليست موجهة ضد أشخاص بل هي موجهة ضد منظومة تكرّس سلطة الرجل على المرأة وتكرّس خضوع المرأة، اليوم عندما نتحدث عن منظومة أي نتحدث عن قوانين وثقافة وعادات وتقاليد... بالنتيجة أي أحد يتبنى هذه المنظومة نحن بمواجهة ضده ولا ننكر ذلك إن كان رجل أو امرأة، ولكن نلاحظ أن أغلب الأشخاص الذين يدافعون عن المنظومة الأبوية بل وصنعوها هم رجال". 
 
"مطلبنا المساواة ونرفض غلبة طرف على آخر"
وتتابع "لا تهدف النسوية إلى خلق اختلال معاكس بموازين القوى، مشكلتنا هي وضع السلطة بيد جنس واحد على حساب الجنس الآخر. لا نهدف أن تسيطر المرأة على السلطة بل مطلبنا هو المساواة، العدالة والحماية ونرفض غلبة طرف على طرف آخر". 
وتشير إلى أنها عندما كانت تُسأل عن النسوية كانت تحاول إيجاد تبريرات لدحض الشائعات والاتهامات المضللة حول فكر أو معنى النسوية، "لكنني وصلت إلى مكان لن أبرر فيه مجدداً".
وتابعت "يوجد في النسوية مدارس مختلفة ومقاربات مختلفة وكل واحدة تعبّر عن نفسها بطريقة مختلفة، نحن لا نشبه بعضنا البعض، ولكنني أحترم كل الآراء النسوية وطريقة تعبيرها لأن كل امرأة لديها تجربتها الخاصة". وتوضح "أحياناً نحاكم النساء اللواتي يتخذنَّ موقفاً معادياً تجاه الرجل ولكننا لا نبحث عما فعله هذا الرجل، أتفهم أن ثمة عدد من النساء اللواتي يكننَّ الكراهية والحقد للرجال لأنهنَّ ضحية عنف وتهميش وتمييز، وتتشكل مواقفهنَّ بفعل هذا الظلم والإجحاف الذي لحق بهنَّ.  
وفيما يتعلق باتهامنا بأننا نكره الرجال وبأن معركتنا ضد الرجل، أعتقد أن هذا جزء من الدعاية التي يؤلفها المجتمع الذكوري والمنظومة الأبوية ضد النسويات، لتشويه ومحاربة أي مشروع تغييري". 
وتؤكد "النسوية فكر تغييري يهدف إلى إصلاح الواقع التمييزي في المجتمع، فمن الطبيعي أن المتضررين من مشروعنا يصفونا بأوصاف لا تشبهنا ويقومون بتشويه أهدافنا"، وتعتبر أن "هذه الاتهامات هي جزء من المعركة ومن المهم ألا نجعلهم يكممون أفواهنا، نحن متأكدون من أحقية نضالنا ونعلم مدى الظلم اللاحق بنا ومدى التهميش وبالتالي نحن نعمل تجاه قضية محقة ولسنا مضطرين لتبرير ذلك".
 
"تجاهل الاتهامات بات جزءاً من نضالنا"
ورداً على سؤال أن كانت شيطنة الأهداف أثرت عليها، تقول "بالتأكيد يمكن أن نتأثر بهذه الشائعات لأننا كنسويات لسنا معزولات عن مجتمعاتنا ولدينا أولاد وأهل وأصدقاء، فهو أمر صعب أن يتم اتهامنا بصفات غير حقيقية، ذلك يسبب احراجاً لنا ولأهلنا وأولادنا، كنت أتأثر في مرحلة من المراحل لأنني أعلم بأني لا أقوم بأذية أحد من خلال الخطاب الذي نتبناه بل نناضل من أجل مطلب محق".  
وتابعت "مع مرور الوقت والنضوج أدركنا أن محاولة التشويه تلك هي جزء من معركة طبيعية ضد أي فكر تغييري، وبات تجاهل هذه الاتهامات والتركيز على الأهداف الأساسية جزءً من نضالنا". 
 
"استوحيت فكرة إضافة اسم أمي إلى اسمي من نوال السعداوي"
عن إضافة اسم والدتها إلى اسمها على مواقع التواصل الاجتماعي، تقول حياة هالة مرشاد: "هذا موقف نسوي، الأمهات مغيبات عن كل شيء، عن الوصاية والولاية فكل شيء باسم الأب. ومن حق أمهاتنا علينا أن نعطيهنَّ جزءً من حقهنَّ وهو الاسم، ففي الدول التي تحترم حقوق النساء تسمح لكِ بأن تحتفظي باسم والدتك ولقبها"، وتضيف "استوحيت الفكرة من الناشطة النسوية نوال السعداوي فهي تعرّف عن نفسها باسم والدتها، لطالما دافعت نوال عن هذه الفكرة وسلطت الضوء على طمس دور الأم بأسمائنا وهوياتنا، بالتأكيد لا يمكنني أن أغيّر الاسم على الهوية لأن القانون لا يسمح لك والولاية والوصاية والسجلات كلها تحمل اسم الأب، وبالتالي بادرت من موقف نسوي ووضعت اسم والدتي في الأماكن التي أستطيع أن أستخدمه فيها، مثل مواقع التواصل الاجتماعي".
 
"التمييز موجود في تفاصيل حياتنا اليومية"
لم تختبر حياة مرشاد القسوة في صغرها وبالتالي اهتمامها بحقوق المرأة ليس ردة فعل، وتوضح "لم أتعرض لأي تجربة قاسية في صغري كالعنف أو التمييز. لكن التربية لغاية اليوم بالرغم من كل التطور لا تزال قائمة على تقسيم الأدوار وفقاً للجنس. تربيت في بيئة محافظة على الأفكار الذكورية والمحافظة على كيفية تربية البنت، ومنذ صغري لدي تساؤلات، مثلاً في الكشاف يستطيع الفتيان أن يذهبوا إلى المخيم والنوم هناك ولكن لا يحق عمل ذلك للفتيات. باستطاعة الصبيان أن يمارسوا الرياضة في الشارع ولكنه ممنوع على البنت، يستطيع الشاب أن يبقى لوقت متأخر خارج المنزل ولكن الفتاة لا، وغيرها من الأمثلة العديدة التي نعيشها في يومياتنا.
هذه التفاصيل الصغيرة، بالإضافة إلى أننا نعيش في مجتمع نرى فيه نساء يتعرضنَّ للعنف ويسكتنَّ عنه، نساء يتعرضنَّ للخيانة ولا يكشفنَّ عن ذلك، حتى الرجل يمارس علاقاته وذكوريته بشكل معلن ولكن المرأة لا يحق لها ذلك. الأم تتحمل كافة الأعباء وإذا وقع أحد أولادها بخطأ يتم تحميلها المسؤولية، هذه التفاصيل كلنا اختبرناها ولكن ثمة من يتنبه لها وهناك من يعتبرها أمر طبيعي. 
منذ صغري كنت أعتبر أن هناك خطأ في مكان ما، لماذا يحق لأخي ما لا يحق لي؟ ودائماً كان لدي تساؤلات وأشعر بوجود خلل، وأول مرة أدركت هذا التمييز فعلياً كان عندما قرأت كتاب نوال السعداوي "المرأة والجنس". عندما نقرأ نسوية تتحدث عن هذه القضايا ندرك حجم التمييز الذي نعيشه، لأنها تتحدث عن أشياء وتفاصيل نعيشها في يومياتنا نعتبرها طبيعية ولكنها تسلط الضوء على أنها تمييز بحق المرأة".
وتتابع "منذ ذلك الوقت قررت بأن يكون لي دور في التغيير، ولم يكن الأمر سهلاً لأننا في مجتمعات محافظة والأفكار التغييرية المختلفة عن مجتمعنا لم يكن سهل تقبلها، تطوعت وتعرفت أكثر على هذه المفاهيم واندمجت أكثر بالعمل، وأفتخر بأنني استطعت أن أغيّر بكثير من الأشخاص وبكيفية تفكيرهم ولكن لا يمكنني أن أدّعي بأنهنَّ أصبحنَّ نسويات لأن هناك ترسبات المجتمع، ولكن أصبح هناك تقبل للنضال الذي نقوم به". 
 
"واقع المرأة في العام 2021 سيء جداً" 
وتضيف "كلما راكمت وعياً في النضال النسوي كلما تورطت أكثر، اليوم أشعر بأن هذه القضية التي سأنذر عمري لها ولا مكان للتراجع، لأنك كلما تورطت أكثر تعي حجم الظلم أكثر، على عكس ما يُشاع في المجتمع بأن المرأة حصلت على كل حقوقها ولا ينقصها شيء". 
تعتبر حياة بأن واقع المرأة في العام 2021 يحكي عن نفسه، فمنذ بداية السنة ولغاية اليوم  تجاوزت جرائم القتل الموثقة الأربعة، ولا يمر شهر في لبنان من دون وقوع جريمة قتل  بحق النساء، بالإضافة إلى العنف الأسري والاغتصاب والتحرش وغيرها، "لغاية اليوم يُنظر إلينا بأننا مواطنات من الدرجة الثانية، لا نستطيع أن نعطي الجنسية لأولادنا، لا زلنا لغاية اليوم نخضع لقوانين أحوال شخصية وهي 15 قانوناً لا تميز بين امرأة ورجل فحسب بل بين امرأة وامرأة من طوائف مختلفة"، وتضيف أن "كل القوانين تمييزية وفي جميع المجالات، إن كان بالحضانة والنفقة والإرث والوصاية والزواج فالجميع يبيح تزويج الطفلات، حتى قانون الأحوال الشخصية في حياتنا يعمّق التمييز والعنف ضد النساء".
وتتابع "بعد نضال طويل تم إقرار قانون العنف الأسري ولكننا لا زلنا نعاني لتطبيق هذا القانون بشكل جدي وتشديد العقوبات، وأكبر دليل على ذلك بأن الجرائم لا زالت مستمرة ولغاية اليوم هناك رجال قتلوا زوجاتهم وتم الإفراج عنهم ويعيشون حياتهم بحرية، لا زالت النساء تعاني إن كان في القضاء أو عند القوى الأمنية أو مع المحامين، لا يزال المجتمع يبرر القتل والعنف ولا يصدق النساء ويلومهنَّ على العنف الذي يتعرضنَّ له، الواقع سيء جداً".
فيما يتعلق بالمشاركة السياسية، تؤكد بأن "المرأة في لبنان أول من انتزعت حق الترشح والاقتراع في العالم العربي، ولكن للأسف نحن الأسوأ بالتمثيل السياسي في البلدان العربية، لم نصل إلى 4.5 بالمئة في مجلس النواب".
وتعزو حياة مرشاد السبب إلى بنية الأحزاب السياسية الطائفية والأبوية، "النساء ملفوظات من مراكز القيادة إلا فيما ندر، وأكبر دليل على ذلك الانتخابات النيابية الأخيرة، فكان ترشيح الأحزاب للنساء خجول. في الاقتصاد، لم تتخطى نسبة النساء 22 بالمئة في سوق العمل، لا تزال المرأة تعمل في القطاع الغير منظم الذي يفتقر للضمانات أو الحماية، المرأة تتحمل الأعباء المزدوجة داخل المنزل وخارجه والرجل لا يلعب هذا الدور إلا في حالات نادرة. حتى الإعلام لا يزال يفتح الهواء لقتلة النساء ليبرروا فعلتهم، بالإضافة إلى تنميط دور المرأة بالأعمال الدرامية وتسليعها من خلال الإعلانات، هناك إعادة انتاج لنفس الأفكار النمطية الذكورية طوال الوقت".     
 
"المسؤولية تحتّم علينا الاستمرار في نضالنا النسوي لتحقيق المساواة"            
تعترف حياة مرشاد بأن هناك خلل في كل القطاعات ولكنها لا تنكر أن هناك تطوراً أيضاً، ويعود الفضل لنضال المنظمات النسوية التي عملت على مر السنين، والنساء اللواتي قررنَّ أن يرفعنَّ الصوت عالياً من أجل التغيير، "ولكن في النهاية لا يمكننا بمفردنا أن نُغير فنحن بحاجة لأنظمة ولقانون مدني للأحوال الشخصية يحفظ حقوقنا، وقوانين مدنية منزهة من التمييز، نريد آليات فعلية تحمي من العنف، تغيير جذري بالتربية والثقافة والمناهج المدرسية والإعلام".
وتوضح "التغيير يحتاج إلى جهد، وحسب التقديرات العالمية فإن سد الفجوة بين الجنسين حول العالم يحتاج لأكثر من 105 سنوات وفي العالم العربي تتجاوز الـ 120 سنة، ولذلك نحن لا نتوهم بأننا غداً سنصل إلى هدفنا في المساواة ولكن لدينا أمل بأن نصل إلى المساواة، ولذلك نقول دائماً بأن النضال النسوي يحتاج إلى نفس طويل ولذلك نشعر بالمسؤولية، لأنه في حال توقفنا عن النضال سنؤخر عجلة الوصول إلى المساواة". 
وعن رأيها في مقولة بأن المرأة عدوة نفسها أو المرأة عدوة المرأة، تعلق الصحافية والناشطة النسوية حياة مرشاد قائلةً "لا أؤيد هذه النظريات، لأن النساء هنَّ بنات هذه البيئة، المرأة تربت بمنظومة أبوية تسمح لها ببعض الأمور وتمنع عنها حقوق أخرى، من الطبيعي للنساء أن يخضعنَّ، خاصةً أنه لا يوجد آليات تسمح لهنَّ بالمواجهة، هناك فتيات لا يستطعنَّ اختيار الاختصاص الذي يرغبنَّ بدراسته، لأنه يتم تزويجهنَّ بسن مبكرة أو لا يُسمح لهنَّ بأن يذهبنَّ إلى المدينة، حتى بالخيارات البسيطة التي تتعلق بحياتنا كنساء ليس لدينا الحرية باختيارها، لأن المنظومة والثقافة والعادات والتقاليد والأفكار والنصوص الدينية والقوانين المدنية لا تساعد بتغيير ذلك، هناك إعادة إنتاج للمنظومة والفكر الذكوري بشكل دائم، اليوم إذا خضعت المرأة لهذا الفكر فهي لا تتحمل المسؤولية، علينا التخلص من ثقافة لوم الضحية، لأن لوم الضحية هو تنصل من المسؤولية".