حرب ممنهجة على الجامعة اللبنانية... والأساتذة والطلاب ضحاياها
في ظل أزمات تعصف بالبلاد من كل حدب وصوب، كان لا بد لهذه الأزمات أن تتسلل إلى القطاع التعليمي ولاسيما الجامعي
كارولين بزي
بيروت ـ في ظل أزمات تعصف بالبلاد من كل حدب وصوب، كان لا بد لهذه الأزمات أن تتسلل إلى القطاع التعليمي ولاسيما الجامعي. أزمة الجامعة اللبنانية ليست بجديدة، ولكنها تتفاقم يوماً بعد يوم حتى وصلت إلى تهديد وجود الجامعة بحد ذاته، الأمر الذي أجبر الأساتذة الجامعيين بالتوقف قسراً عن متابعة عملهم الأكاديمي.
"تفرغ المتعاقدين والدخول إلى الملاك"
عن مطالب الأساتذة توضح الأستاذة في الجامعة اللبنانية ميرفت بلوط لوكالتنا "مطالبنا تعود إلى العام 2014، أبرزها، مطلب الأساتذة المتعاقدين بالتفرغ، وهذا مطلب محق جداً لأنه يؤمن الاستقرار الوظيفي للأستاذ الجامعي، الملف موجود في الأمانة العامة لمجلس الوزراء وحتى الساعة لم يتم إقراره".
وحول ملف دخول الأساتذة المتفرغين إلى الملاك، أوضحت "نحن تفرغنا في الجامعة اللبنانية في العام 2014، بعد مضي سنتين على تفرغ الأستاذ يحق له أن يدخل إلى ملاك الجامعة اللبنانية، أي استحق دخولنا إلى الملاك في العام 2016. ومنذ العام 2016 ولغاية اليوم لم يتم إدخالنا إلى الملاك، من دون سبب ولا تبرير أو توضيح".
ولفتت إلى أن الأستاذ يستفيد من دخوله إلى الملاك عندما يُحال إلى التقاعد إذ يحصل على راتب تقاعدي يؤمن له حياةً كريمة في نهاية حياته. كما أن الدولة تستفيد من دخوله إلى الملاك لأنه يتم حسم مبلغ من الراتب من أجل الحسومات التقاعدية "نطالب إدخالنا إلى الملاك من أجل الاستقرار الوظيفي، مثلاً: حصل أن عدداً من الزملاء أحيلوا إلى التقاعد قبل إدخالهم إلى الملاك، ما دفعهم إلى التقدم بمشروع قانون أُقر من شهر تقريباً من أجل إدخالهم إلى الملاك، علماً أن هناك عُرفاً بأن الأساتذة المتقاعدين يُحالون تلقائياً إلى الملاك بعد تقاعدهم. وبالتالي ما حصل سابقة عقدّت الأمور أكثر أي أصبحنا نحتاج إلى قانون لندخل الملاك".
وأضافت "أي شخص يتوفى قبل سن الـ 64 أي سن التقاعد تتشرد عائلته؛ إذا لم يدخل إلى الملاك، بسبب غياب الراتب التقاعدي".
"تعيين عمداء"
وأضافت إلى المطالب السابقة، مطلب تعيين العمداء "في العام 2018 تم ترشيح عدد من الأساتذة لمنصب العمداء في الجامعة اللبنانية، ومنذ ذلك الحين الملف عالق، بسبب الخلاف على الحصص، فالمشكلة الكبرى هي المحاصصة السياسية والتناحر السياسي بين الأفرقاء السياسيين ومن يدفع الثمن هم أهل الجامعة فقط لا غير، الجامعة يعني طلاباً وأساتذة وموظفين".
"لاسترجاع صلاحيات الجامعة"
وحول موضوع صلاحيات الجامعة وأهمية استرجاع هذه الصلاحيات، تقول "تمت مصادرة صلاحيات الجامعة لصالح مجلس الوزراء، ففي السابق مثلاً: كان مجلس العمداء هو الذي يفرّغ الأستاذ المتعاقد، أما اليوم فهذا الأستاذ يحتاج إلى موافقة من مجلس الوزراء، وبالتالي تمت مصادرة صلاحيات الجامعة وأصبحت الجامعة محكومة للسلطة السياسية ولتدخلاتها"، وتعتبر أن هذا أسوأ ما حلّ بالجامعة اللبنانية.
فيما يتعلق بموازنة الجامعة، أوضحت "زاد عدد طلاب الجامعة اللبنانية بشكل كبير في السنوات العشر الأخيرة، ولكن موازنة الجامعة تم تقليصها. بالإضافة إلى ذلك جاءت أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار التي زادت الطين بلة، إذ أن كل المواد التي تحتاجها الجامعة هي على سعر صرف الدولار الحالي، ولكن للأسف مجلس الوزراء في موازنته لم يلحظ أي زيادة في موازنة الجامعة ولذلك هذه الموازنة قليلة جداً ولا تكفي لإدارة شؤون الجامعة، حتى أنها تعرّض الجامعة لمخاطر كبيرة لا بل وتهدد وجود الجامعة بحد ذاته. إذ لم نعد قادرين على شراء أوراق الامتحانات، المواد المخبرية، والمواد التي يتم استخدامها في كلية الفنون، وبالتالي مع عدم قدرتنا على تأمين هذه المواد لا ندري كيف ستستمر الجامعة. بالإضافة إلى ذلك لم تتم زيادة رواتب الأساتذة، هناك نصف راتب تم إقراره للقطاع العام ولكننا لم نحصل عليه حتى الآن، كما أن رواتبنا لا تكفي للتنقلات مع ارتفاع سعر المحروقات، إذ ثمة من لا يتنبه بأن هناك العديد من الأساتذة يقيمون في أماكن بعيدة جداً عن فروع الكليات التي يدرّسون فيها".
"الإضراب القسري"
كل العوامل التي سبقت دفعت أساتذة التعليم الجامعي إلى التوقف أو الإضراب القسري عن التعليم.
وأضافت الدكتورة ميرفت بلوط "عندما أعلنت رابطة الأساتذة المتفرغين الاضراب القسري، أطلقنا عليه صفة قسري لأننا فعلاً غير قادرين على ممارسة عملنا الأكاديمي بشكل طبيعي في الجامعة، لأن موازنة الجامعة قليلة وبالتالي مع ارتفاع سعر الصرف لم تعد الجامعة تستطيع تأمين المواد المخبرية التي تحتاجها أو الأدوات الأخرى المذكورة آنفاً، ما دفعنا إلى اللجوء إلى الاضراب القسري".
وفيما يتعلق بصندوق التعاضد الذي يؤمن التغطية الصحية للأساتذة، تقول "يؤمن صندوق التعاضد اليوم التغطية الصحية على صرف سعر 1500 ليرة لا على سعر الصرف الحالي". ولفتت إلى أن عدداً كبيراً من أساتذة الجامعة هاجروا، وحتى أن العديد من الموجودين في لبنان لديهم فرص عمل في الخارج، إلا أننا متمسكون بالبقاء ببلدنا وفي الجامعة التي تعلمنا فيها ونعتبرها بيتنا الثاني وسندافع عنها حتى النهاية".
"حرب ممنهجة على الجامعة اللبنانية"
وقالت "الأساتذة مستاؤون جداً من تعامل السلطة السياسية مع الجامعة وقضاياها، وهناك رفض تام للعودة إلى الجامعة بسبب ما ذًكر سابقاً، أصبح لدينا قناعة بأن هناك حرب ممنهجة على الجامعة من أجل تدميرها لصالح بعض الجامعات الخاصة".
وفيما يتعلق بمصير الطلاب أوضحت "في كل مرة يحصل إضراب نعوّض طلابنا. فخلال العام الحالي تمر الجامعة اللبنانية بأخطر مرحلة منذ تأسيسها وهنالك خطر على وجود الجامعة حتى أننا قلقون من عدم استمراريتها في السنوات المقبلة. نحن أمام خيارين، إما أن ندافع عن هذه الجامعة أو سيلحق عشرات الأساتذة الجامعيين باللذين سبقوهم".
ولفتت إلى أنه لا يتم ملء شواغر الأساتذة الذين يُحالون إلى التقاعد لأنه لا يوجد إمكانية. وتتابع إن أغلب الأساتذة الجامعيين هم من المتعاقدين، ولكن عندما يجد الأستاذ المتعاقد أنه لا أفق للتفرغ سيرحل. لا يفكر أي متعاقد أن يأتي إلى الجامعة لأنهم يمرون بظروف صعبة جداً. هذه السنة نحارب ونعتبر أن قضيتنا قضية وطنية، الجامعة تتعرض لأخطر حرب منذ تأسيسها، لأخطر حرب تُدار من قبل السلطة السياسية، وأصبح لدينا شبه يقين بأن هذه الحرب ممنهجة ومدروسة وعدم إقرار ملفات الجامعة هو مدروس وليس عبثي على الإطلاق".
"من حقنا أن نتابع دراستنا بشكل سليم"
في ظل الاضراب القسري لأساتذة الجامعة اللبنانية، سعياً لتحقيق مطالبهم المحقة، هناك طلاب/ طالبات في حاجة لاستكمال العام الدراسي والحصول على كافة المعلومات اللازمة من أجل تحقيق طموحات أصبحت في هذا البلد أحلاماً صعبة المنال.
تقول الطالبة الجامعية ريما السيد (23) عاماً لوكالتنا "أدرس الأدب الإنكليزي في الجامعة اللبنانية. بدأنا العام الدراسي افتراضياً، ولكن توقف الأساتذة عن متابعة الدروس بسبب الإضراب ولكن لاحقاً حددوا لنا موعد الامتحانات. جاء موعد الامتحانات وخضعنا لأول اختبار ثم أعلن الأساتذة الاضراب مجدداً".
وأضافت "وضعت حينها عدداً من الخطط المهنية والشخصية، إلا أنهم قرروا العودة لاحقاً إلى الامتحانات، ما أثّر على النظام الذي وضعته لمتابعة دراستي وكذلك للخطط التي وضعتها في ظل الاضراب".
إذ يعيش الطلاب حالياً مرحلة تخبط وقلق في كيفية استكمال العام الدراسي، وتقول ريما السيد "أثر الاضراب سلباً على عامنا الدراسي لأننا لم نحصل بعد على كافة المعلومات، نحن اليوم في شهر نيسان وقد تأخرنا كثيراً بالمنهاج الدراسي والمواد التي يجب أن ندرسها، لذلك كطالبة أعتبر أنني لم أحصل على المعلومات الكافية لكي أستفيد من العام الدراسي بشكل جيد".
وعن مطالب الأساتذة وكذلك للطلاب، أوضحت ريما السيد "مطالبنا هي أن يكون لدينا عام دراسي نستفيد منه ونحصل على المعلومات لكي نتخرج من الجامعة اللبنانية التي نعتز بشهادتها، حتى أن هذه المناشدة لا يجب أن تكون مطلباً بل حق من حقوقنا الطبيعية. كما نطالب بتنظيم أكبر بين الطلاب وأساتذة الجامعة اللبنانية والإدارة من أجل تحسين منصة الأونلاين".
"ما نعيشه في الجامعة اللبنانية يقضي على مستقبلنا"
بدورها تلفت الطالبة في السنة الأولى ماجستير قسم "الإرشاد والتوجيه" نادين محمودي، التي تعاني من إضراب الأساتذة منذ العام الماضي، وتقول "أنهيت دراستي في العلوم الاجتماعية خلال العام الماضي، ونحن نعاني من إضراب الأساتذة منذ ذلك الوقت".
وأضافت "شعرنا بضغط كبير خلال هذه المرحلة ولاسيما أنني أمارس مهنة التدريس أيضاً، وخلال العام الحالي نعاني بشكل أكبر. إذ انتهينا من الفصل الأول وفي الفصل الثاني الحالي هناك أساتذة توقفوا بشكل مؤقت عن إعطاء الدروس، إذ أن هناك أستاذ واحد من بين ثلاثة أساتذة يتابع معنا"، ولفتت إلى أنهم كطلاب سعوا في وقت سابق لتنظيم تظاهرة أمام فرع الكلية التي يدرسون فيها ولكنهم لم يحصلوا على نتيجة.
وأكدت نادين محمودي بأنها كطالبة ماجستير هي بحاجة لكثير من المعلومات التي يجب أن تتعرف عليها لتحقق طموحها لاحقاً لكي تصبح مرشدة اجتماعية، مشيرةً إلى أن ما يحصل مع طلاب الجامعة اللبنانية سيعيق تحقيق طموحاتهم وأحلامهم المستقبلية.
وشددت نادين محمودي على أحقية مطالب الأساتذة، وعلى ضرورة أن تنفذ الدولة مطالبهم التي ستنعكس ايجاباً على الطلاب.