"حراك الماء" رمز يعكس هوية تاريخية لنساء فكيك

خرجت نساء مدينة فكيك المغربية منذ قرابة خمسة أشهر في احتجاجات سلمية على خلفية خصخصة قطاع المياه، الأمر الذي من شأنه أن يفاقم أوضاعهن الاجتماعية والاقتصادية الهشة.

حنان حارت

المغرب ـ أكدت الناشطة فتيحة قدي أن "حراك الماء" الذي أطلقته نساء فكيك حلقة من سلسلة نضالاتهن التي امتدت لعدة عقود، وقرار الخصخصة سيؤثر على المنطقة والنساء.

"نضال نساء فكيك ليس وليد اللحظة، بل يرجع إلى حقبة الاستعمار الفرنسي للمغرب، حين كانت النساء تخاطرن بحياتهن في سبيل المشاركة في المقاومة المسلحة من خلال نقل الأسلحة من منطقة لأخرى، ومشاركتهن في هذا الحراك دليل واضح على أهمية المياه بالنسبة لهن ودوره في حياتهن، فهن من تتحملن أعباء وتبعيات عملية الخصخصة"، هذا ما قالته عضوة التنسيقية المحلية من أجل الترافع عن قضايا فكيك فتيحة قدي خلال الحوار التالي مع وكالتنا:

 

ما الأسباب التي دفعت فتيحة قدي وباقي نساء فكيك إلى المشاركة في "حراك الماء"؟

ما يميز هذا الحراك أنه "مؤنث"، ويرجع ذلك لأسباب تاريخية بحكم أن نساء المنطقة خضن نضالات في عدة محطات تاريخية منها خلال فترة الاستعمار الفرنسي، حيث كانت المرأة تناضل إلى جانب الرجل ضد ازدواجية التعليم في الأربعينات من القرن الماضي، حين استطاع المناضلون/ات ضد الاستعمار بناء مدرسة حرة في الجهة المقابلة لمدرسة فرنسية، حيث كانت مشاركة المرأة على درجة عالية من الأهمية والخطورة فقد كن توصلن المؤونة للرجال حتى أن عدد منهن اعتلقن، فكن من أوائل المشاركين في بناء هذه المدرسة والمتعلمين فيها وكراعي أول ساهمن في محاربة الأمية بصفوف النساء ودحض العقلية الذكورية من خلال الولوج إلى مقاعد الدراسة جنباً إلى جنب مع الرجال.

وفي مرحلة الستينات أي في إطار مظاهرة شعبية ضد السياسات العمومية للدولة، وخلال السبعينات أحداث سنوات الرصاص، تعرضت النساء لكافة الانتهاكات الجسيمة التي طالت حقوق الإنسان من ضرب واعتقال، كل ذلك ينم على إصرارهن على العمل لحل قضايا بلدهن.

بالإضافة إلى أن نسبة النساء في فكيك يفوق الـ 60% مما أدى إلى خلل في البنية السكانية، بسبب هجرة الرجال داخلياً وخارجياً في ظل افتقار المدينة للبنية التحتية كالمعامل والشركات.

 

لماذا اختارت نساء فكيك ارتداء الحايك خلال الاحتجاجات؟

الحايك لباس تقليدي خاص بالمرأة الفكيكية ورمز المحافظة على الثوابت ويدل على الطهر والنقاء والسلم والتعايش والتشبث بالأرض والوفاء لها، واستمرار "حراك الماء" يأتي من أجل إجبار المكتب المسير للجماعة الترابية على الانسحاب من مجموعة الجماعات الشرق للتوزيع، ومن أجل مراعاة خصوصية المنظومة الواحية حسب القانون 83.21، حيث أنها تعتمد على الزراعة وتصنف من ضمن الأنظمة البيئية الهشة عالمياً، واختلال نظامها سيتسبب بتهجير سكانها قسراً بسبب القضاء على قوت يومهم وعلى مورفولوجيا الواحة من خلال تجفيف عيونها.

 

تحتج نساء فكيك على قرار خصخصة قطاع المياه، كيف يؤثر هذا القرار على حياتهن؟

هذا القرار يؤثر بشكل سلبي على الموارد المائية للواحة، لأن المياه تعتبر مادة حيوية بالنسبة لسكانها فبدونه تفقد الواحة جميع مقومات الحياة، كما أنه موروثاً مشتركاً يستفيد منه الجميع دون استثناء وليس سلعة للبيع، وبخصخصة هذا القطاع ستُستنزف الفرشة المائية الباطنية بشكل جائر، لأن الشركة الجهوية التي حصلت على هذا التفويض تسعى إلى تحقيق الأرباح دون مراعات خصوصية الواحة وحقها في المياه، مع العلم أن نظام السقي فيها يقوم على أساس ترشيد استخدام الماء أي يدبره حسب الظروف المناخية، ولهذا صنف هذا النظام كنظام بارع تراثي فلاحي عالمي من قبل منظمة الأغدية والزراعية.

وفيما يتعلق بأهمية الماء بالنسبة للنساء فإنه منذ القدم كانت مسؤولية نقل المياه من عيون فكيك على ظهورهن في أواني فخارية ملقاة على عاتقهن، حيث تقمن بتدبيره بشكل عقلاني حسب احتياجاتهن اليومية، لأنهن أكثر استعمالاً له، بالإضافة إلى درجة وعيهن المرتفعة بأهمية المياه في أنشطتهن الاجتماعية والاقتصادية اليومية، ورفقاً بهن تم إيصاله إلى المنازل عبر السواقي والخزانات المائية التي بنيت على طريقة تويزة، كما أن المرأة تقوم بترشيد استهلاكه بشكل مشترك مع نساء الحي إلى حين وصول الماء إلى المنازل عبر شبكة صحية وصنابير، وكذلك اعتماد النساء على المغاسل العمومية للحصول على النظافة الشخصية ونظافة الملابس، بالإضافة إلى أن هذه المغاسل تعتبر كفضاء للتواصل والترويح عن أنفسهن.

 

هل ستستمع الجهات المعنية لمطالب نساء فكيك ورجالها اللذين يسعون للمحافظة على مياه الواحة ونظام السقي فيها؟

رغم ما دعا إليه الدستور المغربي من مبادئ المشاركة الديمقراطية للمواطنين/ات من أجل المساهمة في تدبير السياسات المحلية، إلا أن السلطات المعنية تصم آذانها تجاه الحراك الاجتماعي المائي واتخاذ سياسة عبر تطبيق الوصاية على المكتب المسير للمجلس الجماعي بفرض قرار الانضمام إلى مجموعة الجماعات، رغم تصويتهم بالرفض في الدورة الاستثنائية الأولى ودون الرجوع إلى سكان فكيك الذين ورثوا المياه كحق جماعي.

وقد دعت الجهات المعنية مستشاري المدينة مع بعض أعضاء التنسيقية المحلية من أجل تبديد مخاوف الأهالي وإقناعهم بوقف الحراك المائي عبر شرح القانون المنظم لإحداث الشركات المتعددة الخدمات حسب وجهة نظر السلطات المعنية التي تختلف تماماً عن وجهة نظر الأهالي التي تراعي خصوصية الواحة من خلال المحافظة على مياهها وتثمينها والحفاظ على نظام السقي الفريد عالمياً.

في حين أكد الأهالي على أن اللقاء التواصلي لم يأتي بجديد يذكر، بالإضافة إلى تقديم عدة مغالطات كيدية حول تدبير قطاع المياه من طرف الجماعة في غياب دراسة علمية وذلك من أجل إضاعة عمل المجالس السابقة التي كانت تتميز بتدبيرها المباشر للقطاع دون تمييز.