هبة عادل: نحتاج لتوحيد الجهود والأدوات لمواجهة العنف
أوضحت رئيسة مؤسسة المحاميات المصريات هبة عادل أن العنف بات الواقع المهيمن على أفكار الشارع المصري والبحث عن أدوات جديدة لمناهضته أصبحت على قائمة أولويات المجتمع المدني وخاصةً النسوي منه.
أسماء فتحي
القاهرة ـ بدأت فعاليات حملة الـ 16 يوم لمناهضة العنف، وفي مصر كان ذلك الملف شائك لدرجة كبيرة نتاج الحوادث الأخيرة التي راحت ضحيتها الفتيات بلا أي جرم يذكر سوى أن لبعضهن إرادة خالفت ما يراه الرجال.
للتعرف أكثر على أدوات المؤسسات النسوية في التعامل مع حالات العنف، تحدثت وكالتنا مع رئيسة مؤسسة المحاميات المصريات لحقوق المرأة هبة عادل، والتي تمكنا من خلالها من النظر على أنشطة مؤسساتها والتعرف على ما قاموا بإنتاجه من أنشطة وفعاليات خلال العام الماضي، فضلاً عما يستهدفون القيام به في حملة الـ 16 يوم.
مر عام من العمل على قضية العنف الموجه ضد النساء وكان حافلاً بالقضايا... فماذا أنجزتم في هذا الملف خلال تلك الفترة؟
انعكست حوادث العنف على عمل العام وهزت المجتمع كاملاً، وأثار غضبنا تعامل المجتمع معها وبحثه عن مبررات للجناة، وما صاحب ذلك من إلقاء اللوم على الضحايا وهو ما جعلنا ننشئ حملة كانت معنية بالتوعية القانونية تجيب عما يدور في العقول من أسئلة بهذا الشأن وغيره.
وسبق وأبلينا حسناً في حملة "انتخبوا المحاميات"، الأمر الذي تطور خلال العام الحالي لحملة "انتخبوا المهنيات" منذ شباط/فبراير الماضي الذي شهد عقد المؤتمر الثاني لهذا الغرض وجاري التحضير للمؤتمر الثالث لعام 2023.
وفيما يتعلق بعمل وحدة الدعم القانوني فقد تضاعفت الحالات التي ترد إليها مقارنةً بالعام السابق الأمر الذي دل على تفاقم الوضع وخاصةً في الجانب المتعلق بملف العنف والابتزاز الإلكتروني.
وكانت فترة جائحة كورونا وما ترتب عليها من بقاء في المنازل لوقت أطول قد أدت إلى حالة من الفراغ أسفرت عن فتح جانب للابتزاز الإلكتروني، وكان من الملاحظ خلاله أنه استهدف القاصرات بشكل خاص واستدراجهن لفتح الكاميرا، ومن ثم ابتزازهن وإجبارهن على سرقة ذويهن وغيرها من الأمور التي تم رصدها والتعامل معها من قبل المؤسسة أيضاً.
واهتمت المؤسسة بالفنون فتم عمل ورشة لتعليم كتابة السيناريو وربطها بكتابة موضوعات خاصةً بالنساء والعنف وإخراجها في قالب فني، وكذلك تصميم مشاهد مسرحية خاصة بالابتزاز الإلكتروني، وقد اعتمدت في واقعها على واحدة من الحالات التي لجأت للمؤسسة خلال العام الجاري، ونالت قدر كبير من الزخم على مواقع التواصل الاجتماعي.
وكانت هناك مجموعة من الشراكات منها العمل على قانون العنف الموحد الذي تبنته النائبة نشوى الديب، كما تم العمل مع المجموعة على مقترح آخر لتعديل قانون الختان، وتم تقديم عدد من البلاغات بها ملاحقة وتتبع لبعض رجال الدين الذين لا يقتنعون أن الختان جريمة، ومن المقرر إصدار تعليق مشترك على أعداد الختان والمسح الجغرافي الصادر مؤخراً.
ما هي خطط مؤسسة المحاميات المصريات للتفاعل مع حملة الـ 16 يوم، وما ستقوم به من أنشطة وفعاليات؟
أطلقنا بيان افتتاحي ورفعنا شعار "فالنتعاون من أجل وقف العنف ضد النساء والفتيات الآن"، وركزنا على وجود تعاون مع المؤسسات والمبادرات الشابة، وسيتم الاحتفاء بالحدث من خلال مجموعة من الأنشطة من بينها تعليم الرسم للأطفال وتطوير مهاراتهم للتعبير عن ذواتهم وتوعيتهم بحقوقهم وبالقوانين التي تضمن لهم ذلك مع سبل الإفصاح عما يحدث لهم.
ورفعنا شعار "جناز مش جواز" أيضاً لأنه حتى الآن لا يوجد قانون يجرم تزويج القاصرات، وقمنا بالعمل على تلك القضية خلال العام الماضي وأعددنا عرض مسرح تفاعلي حاز على تأثير وتفاعل كبير من المشاهدين، وقررنا عمل يوم مفتوح في الثامن من كانون الأول/ديسمبر القادم، وسيكون محوره تزويج القاصرات، فضلاً عن وجود مائدة مستديرة سيشارك فيها بعض نواب البرلمان والمختصين وبعض الأسر لفتح النقاش حول القضية، خاصةً وأن القانون فقط يجرم التوثيق الأمر الذي ينتج عنه مجموعة من الكوارث.
وسيكون هناك مجموعة من الأنشطة الأخرى جزء منها معني بمبادرة تمكين النساء وسيقومون خلالها بعرض مشغولاتهن اليدوية وأغلبها صديقة للبيئة وتجسد نموذج لإعادة التدوير، كما سيتم عمل استعراض للأطفال خاص بالإرادة والوعي ويجسد تحدي الصورة النمطية للمرأة في المجتمع.
ومن المقرر أيضاً أن يشارك في هذا اليوم عدد من المؤسسات منها "إدراك" و"سند" للدعم القانوني اللتان ستقومان بالعمل على قضية تزويج القاصرات والعنف داخل الأسرة وكذلك "آكت" وستقدم هذه المؤسسات نساء من الصعيد تروين تجاربهن، ويعرضون عدد من أفلام سينما الموبايل التي أنتجتها الفتيات، وكذلك مبادرة "صوت" التي تعمل على التوعية القانونية بالإبلاغ.
وخلال نفس الوقت سيتم الاحتفاء بهذا اليوم في عدد من المحافظات من خلال أعضاء مؤسسة المحاميات المصريات، وبالشراكة أيضاً مع المؤسسات والجمعيات والمبادرات الموجودة هناك ومنها الإسماعيلية وقنا والأقصر وأسوان وبعض محافظات الدقهلية والغربية وغيرها مما سيخلق حالة من الزخم العام.
بالرغم من وجود ترسانة من القوانين إلا أن معظمها لا تطبق على أرض الواقع، برأيكم ما الأسباب الكامنة وراء عدم تفعيلها؟
هناك فرق واسع بين القوانين الموجودة وحاليتها على أرض الواقع لأكثر من سبب، فمع كل حادث أليم يتم المطالبة بسن قانون أو تشديد العقوبة، وجزء هام من ضمانة الفاعلية تكمن في تخصيص موارد إنفاذ القانون عند إقراره.
كما أن ضمان تحقيق العدالة الناجزة أحد أهم المحاور التي تحتاج للمراعاة عند وضع القوانين للحد من التباطؤ عند التقاضي مع كفالة عملية التخصص، مع ضرورة إنشاء مفوضية التمييز التي انقضى أجلها القانوني ولم تصدر بعد.
ونحتاج أيضاً لوجود دوائر متخصصة للتعامل مع القضايا، فتحتوي لوائح بعض القوانين على استثناءات وإمكانية استبدال العقوبات الجنائية بأخرى ومنها تأدية الخدمات المجتمعية أو التأهيل، والقانون ابن المجتمع لذلك يجب أن يكون لبناً شرعياً مقبول من خلال فتح الحوار المجتمعي عليه والتشارك في مواده حتى لا يظل حبيس الأدراج، فمسألة التناسب بين الفعل والعقوبة ضرورية، ويجب أن تكون هناك مراجعة تشريعية حتى لا يحدث تعارض بين القوانين مع عدم المغالاة في العقوبة وجميعها أدوات تدعم إنفاذ القوانين.
المسح السكاني الأخير أحبط الكثيرين بشأن مستقبل قضية الختان... فما تقديركم لواقعه في الداخل المحلي وآليات مواجهته؟
المسح السكاني الأخير كان صادماً لأن الفترة السابقة كانت تحتوي على ترويج آخر بأن نسبة ختان الإناث تراجعت وهو أمر لم يكن صائباً، لأنه اعتمد على شريحة مجتمعية لا تمارس الختان. والصدمة الحقيقية تكمن في استخدام نفس الأدوات القديمة العقيمة في تناول ظاهرة الختان والتي أثبتت أنها بلا أي فائدة تذكر على أرض الواقع.
والمسح السكاني هو أكبر دراسة بحثية تتم لأنه يعتمد على شريحة كبيرة ولا ينافسه في ذلك المستوى أحد وبالتالي نتائجه تعبر عن الواقع بدرجة كبيرة، وهناك بعض الأمور مازالت تحتاج لتعديل منها الإجراءات الاستثنائية التي تتمثل في إعفاء المبلغ خاصة إن كان من الأهل من العقوبة على غرار المعمول به في جريمة الرشوة.
ولدينا مكون خطير في قضية الختان وهو الآثار السلبية الناجمة عن إقحام الدين في الأفعال التي تمثل جرائم، فقد آن الأوان ليتم وصف الأمور بدقة فالختان جريمة يعاقب عليها القانون المصري وهذا هو صلب التوعية وعنوانها.
هل برأيكم ارتفاع معدل العنف ضد النساء يعد نتاج قصور المجتمع المدني وتحديداً المؤسسات النسوية في التواصل الحقيقي والفاعل معه على أرض الواقع؟
المؤسسات النسوية كيانات منفصلة مستقلة كل منها لها أدواتها ومسار عملها الخاص، ولا يمكن إغفال أنها مؤسسات خاصة فرغم دورها التكاملي إلا أنها لا تستطيع مثلاً أن تراقب سير التحقيقات أو تمثل الضحايا في المحاكم لكونها مؤسسات أو اتحادات أو جمعيات مشهرة رسمياً وبالتالي ما تقوم به هو أقصى الممكن بالنسبة لها.
ولولا الضوضاء واللقاءات والعمل الدؤوب لتلك المؤسسات لما كان هناك في قانون العقوبات جريمة تسمى التحرش، ولما حدث حراك في قضية ختان الإناث من تجريم قيام طبيب بها أو حدوثها في مستشفى وغيرها من مقيدات تلك الجريمة.
ولا يمكن أن نستهين بدور المؤسسات النسوية على أرض الواقع وفاعليته الحقيقية فما يقومون به هو ناتج بالأساس عن إيمانهم بالقضايا ودورهم في مساعدة المجتمع وليس تكليفاً أو توجيهاً من أحد.
مؤسسة المحاميات المصريات عملت على دعم وشراكة المبادرات الشابة بالتوازي مع المؤسسات... فما هي خطة عملكم تجاهها خلال العام المقبل؟
قمنا بعمل ورش بناء قدرات لمبادرة سند للدعم القانوني بالقاهرة ومؤسسة صبية بالإسماعيلية، وغيرهم من المبادرات والمؤسسات الناشئة واستهدفنا تعزيز إمكانية فريق العمل من القدرة على كتابة مقترح تمويلي وإقامة الأنشطة المختلفة وعدد من الخبرات والجوانب الأخرى.
ومازالت المبادرات الشابة موجودة معنا في بعض الشراكات والفاعليات والأنشطة المختلفة، وحملة الـ 16 يوم بها عدد كبير من الشركاء هذا العام، وهناك مبادرات أخرى من قلب المحاميات المصريات تشكلت في أكثر من محافظة في بور سعيد وقنا وأسوان والمنيا والإسماعيلية وغيرها.
واستهدفنا طوال الفترة السابقة خلق قيادة حقيقية من المجموعات الناشئة يكون لديها قدرة على التخطيط والتنفيذ على أرض الواقع، وهناك عمل وشراكة قائمة في ملف المهنيات خلال العام المقبل والاهتمام المؤسسة بالفن كانت هناك شراكة مع مبادرتين في ذلك السياق وكذلك جمعية الفن للتنمية.