في ذكراها السابعة... شاهدات على تحرير الرقة تروين لحظات الفقدان (1)
لا تخلو حملات التحرير التي شهدتها مناطق شمال وشرق سوريا، من قصص نساء كن شاهدات على ما ارتكبه مرتزقة داعش من جرائم وانتهاكات.
سيبيلييا الإبراهيم
الرقة ـ كان نبأ تحرير مدينة الرقة بمثابة ولادة جديدة لشعوب ذاقت الأمرين على يد مرتزقة داعش حيث أن لنسائها النصيب الأكبر من انتهاكات المرتزقة، إلا أن فرحتهم لم تكتمل فمعظمهم ينتظرون فرداً من عوائلهم المفقودين الذين اعتقلوا وقطعت اخبارهم، ورغم مرور سبعة أعوام على تحرير هذه المدينة لا زالت كل عائلة تنتظر فقيدها لطرق باب منزله ويعود إليهم لكن دون جدوى.
شكل تحرير مدينة الرقة بشمال وشرق سوريا من مرتزقة داعش، الذي يصادف 20 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، ذكراها السابعة، نقلة نوعية في واقع النساء اللواتي تعرضن وشهدن على جرائم وانتهاكات لا يمكن لأي كلمة أن تصفها، فالمدينة التي أعلنها داعش عاصمةً له مورس بحق شعبها أبشع الجرائم والانتهاكات من قتل وقصاص وذبح ورجم النساء.
لا تزال تنتظر عودته رغم مرور عدة سنوات
وعن فترة سيطرة داعش على مدينة الرقة وما عاشته وشهدته تقول فضه الخلف وهي في العقد الخامس من عمرها "لقد شهدنا ظلماً كبيراً، إن الانتهاكات التي ارتكبت بحقنا على يد مرتزقة داعش لا يمكن وصفها، فرضو قيوداً عديدة على النساء والفتيات بشكل خاص، كانت أوجه الحياة غائبة تماماً عن المدينة".
لم تكن فضه الخلف أو فتياتها بمنأى عن النساء الأخريات "لقد أجبرنا المرتزقة على ارتداء الزي الأسود، حتى أنه في أحد المرات كانوا سيعتقلون ابنتي لأنها لم تكن ترتدي النقاب الذي فرضوه".
وحول اعتقال زوجها عام 2015 تقول "لقد اعتقل المرتزقة زوجي وهو في العقد الخامس من عمره بتهمة تهريب أحد عناصر قوات حكومة دمشق، بالطبع تلك التهمة كانت عارية عن الصحة، حيث كانوا يجهزون التهم حتى قبل اعتقال أي شخص"، مضيفةً "كانت الساعة تشير إلى الثانية عشرة ليلاً عندما قاموا بمداهمة منزلنا واعتقال زوجي، قصدت الملعب الأسود الذي كان يستخدم كسجن، لزيارته والاطمئنان عن وضعه، كان التعب بادية على ملامحه، لم نستطيع التحدث إلى بعضنا كثيراً لأنهم كانوا يقفون حولنا ويراقبوننا".
ويعد الملعب البلدي في مدينة الرقة بشمال وشرق سوريا خير شاهد على العنف والظلم الذي عاشته هذه المدينة في ظل سيطرة داعش الذي حوله لسجن يرتكب به جرائمه الوحشية بحق النساء خاصة الإيزيديات اللواتي تم بيعهن في أسواق النخاسة.
وأشارت إلى أنه بعد عودتها من زيارته اختفى زوجها عن الأنظار "لقد بحثت عنه في معظم مراكز الاعتقال الموجودة في المدينة، حتى أنني بحثت عنه في مراكز الاعتقال بمدينة منبج، ولكن دون جدوى، وحتى الآن انتظره على حافة رصيف منزلنا لعله يعود يوماً ما فلن أفقد الأمل ابداً".
واستذكرت لحظات تحرير مدينة الرقة قائلةً "عندما سمعنا نبأ انطلاق حملة التحرير لم تسع الأرض سعادتنا، كنا نعتقد أنه بتحرير المدينة سيعود المفقودون الذين تم اعتقالهم من قبل المرتزقة، ولكن داعش انتهى والجروح التي تسبب بها لا زالت تنزف"، مطالبةً بمحاسبة المرتزقة "هناك المئات من النساء اللواتي فقدن ذويهن وأبنائهن، رغم كل الألم والأسى الذي نعاني منه، إلا أننا نتغاضى عنه عندما نتذكر أجمل اللحظات وهي تحرير المدينة من الظلام الأسود".
ترعى أحفادها رغم تقدمها في العمر
ولا تختلف قصة فاطمة سمير وهي في العقد الخامس من عمرها وأم لثلاثة أبناء، عن قصة سابقتها، حيث تقول إن اثنين من أبنائها خرجوا من الأراضي السورية نتيجة الظلم الذي عانوا منه "لم يتبقى سوى واحد من أبنائي الثلاثة إلى جانبي، وهو لم يسلم من شر داعش، لم يتركوه المرتزقة وشأنه حتى قاموا باعتقاله".
وأضافت "في عام 2017 قاموا باعتقال ابني الذي كان يبلغ من العمر 34 عاماً آنذاك وهو أب لثلاثة فتيات وابن، عندما كان في زيارة لأحد أصدقائه، لقد سألنا عنه في كل مكان لكن دون جدوى فقط أخبرونا أنه يخضع لدورة استِتابة".
كان الخوف والرعب يسيطران على أهالي المدينة الذين شهدوا جرائم تقشعر لها الأبدان "في أحد المرات شهدت كيف يقومون بقطع يد أحدهم، كما شاهدت في أحد الأيام جثة شاب مقتول وهي معلقة في الدوار، ليتنا متنا ولا عشنا في ظل وحشية داعش"، مشيرةً إلى أنهم يعيشون أوضاعاً مأساوية "بعد نفي ابني من قبل المرتزقة لم يعد هناك من يعيلنا، أقوم أنا وزوجي برعاية أبنائه بالرغم من أننا كبرنا في العمر، ويصعب علينا حتى حمل أجسادنا".
انتهاكات المرتزقة لا تزال عالقة في ذاكرتهم
لم تكن فضه الخلف وفاطمة سمير الوحيدتان اللتان عانتا وقاستا آلام الفقد، فقد أوضحت وضحه عبد الله الكرداوي وهي في العقد السادس من عمرها وأم لستة فتيات وأربع أبناء، أنها "فقدت اثنين من فلذات كبدي، اثنين من أبنائي تم اعتقالهم أحدهم كان يبلغ من العمر 22 عاماً والثاني يصغره بعامين، الأول اعتقل خلال مداهمة منزلنا، قلت لهم لماذا تريدون اعتقالهُ قالوا لي أنهم يريدون طرح بعض الأسئلة عليه، أما الثاني فاعتقل وهو خارج المنزل، لم أدع مكاناً إلا وقصدته، إلا أنهم كانوا يقولون لي أن أبنائي عملاء لدى التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية، وقد حكم عليهم بالقصاص".
وأشارت إلى أنه "بداية سيطرة داعش على أجزاء من المنطقة لم يرتكب أي انتهاكات، ولكن بعد سيطرته بشكل كامل على المدينة بدأوا بحملة اعتقالات واسعة بحق المدنيين، بتهمة التخابر لحكومة دمشق أو قوات سوريا الديمقراطية بشمال وشرق سوريا".
بتلك الذريعة اعتقل المئات من المدنيين وأصدر بحقهم القصاص على حد قول وضحة الكرداوي التي لفتت إلى أنه حتى النساء لم تسلمن من جرائم المرتزقة وانتهاكاتهم "كان المرتزقة يرجمون النساء ويصدرون حكم القصاص بحقهن بشكل شبه يومي، كنا نعيش حالة رعب دائمة لم نكن نستطيع الخروج حتى أمام باب المنزل، كنا ملزمات بارتداء النقاب، وإن شوهدت امرأة أو فتاة وهي واضعة العطر كانت تعاقب بأشد العقوبات، فوفق ذهنيتهم المتطرفة العطر والمكياج وكافة أدوات الزينة محرمة، ويمنع ارتداء الأثواب الملونة".
وأضافت "في أحد المرات كانوا سيقومون باعتقال ابنتي عندما وقفت أمام باب منزلنا ولم تكن ترتدي الزي الأسود الذي فرضوه علينا، وعندما لم نسمح لهم بذلك قاموا باعتقال ابني وزوجي وعمها وابن عمها، اعتقلوا كل هؤلاء الرجال فقط لأنها وقفت للحظات أمام الباب دون ارتداء النقاب، وقد تعرضوا للضرب والتعذيب لمدة أسبوع في المعتقل، ومن ثم أطلقوا سراحهم"، مشيرةً إلى أن المئات من المعتقلين لدى داعش تم نفيهم "لقد استخدموا الدين ذريعة لارتكاب أفظع الجرائم وأبعها بحق الإنسانية".
لحظات التحرير لازالت عالقة في مخيلة كل فرد من أهالي الرقة الذين كانوا ينتظرون الخلاص من داعش على يد قوات سوريا الديمقراطية بفارغ الصبر، وعن ذلك قالت "لم تسعنا الأرض من شدة الفرح والسعادة التي شعرنا بها، ما دمنا أحياء لن ننسى تلك اللحظات التي تم إخراجنا فيها سالمين من مدينتنا الرقة التي تم تحريرها، نحن نعيش الآن بحرية وسلام مع مرور سبعة أعوام على التحرير، وبالرغم من ذلك إلا أن فرحتنا بقيت ناقصة لأن أبنائنا لم يعودوا"، مطالبة بضرورة محاكمة المرتزقة المتواجدين في سجون الإدارة الذاتية الديمقراطية.