في الشرق الأوسط... أزمات وحروب ونضال ضد العنف في 25 نوفمبر ـ 4 ـ الصراع في السودان حربٌ على أجساد النساء
تزامناً مع اقتراب اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، تتعرض المرأة السودانية لأسوأ أشكال العنف في ظل استمرار الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
آية إبراهيم
السودان ـ توجد العديد من القضايا الاجتماعية والقانونية التي تؤثر على وضع النساء في السودان، مثل التمييز الجنسي والعنف ضد النساء، وعلى الرغم من أن هناك تقدم في بعض المجالات مثل التعليم والعمل، إلا أن النساء لا تزلن تواجهن تحديات كبيرة.
منذ اندلاع الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منتصف نيسان/أبريل العام الماضي، تواجه المرأة السودانية أشكالاً من العنف والانتهاكات ما بين الاغتصاب والاختطاف والقتل، في ظل الانتشار السريع للصراع مما شكل أزمة عميقة أدت إلى نزوح أكثر من 6 ملايين من سكان البلاد البالغ عددهم 51 مليوناً داخل البلاد، ولجأ أكثر من مليوني شخص إلى البلدان المجاورة، فيما تسبب الصراع إلى فقدان أكثر من 13 ألف شخص حياتهم، بالإضافة إلى تدمير المناطق السكنية والبنية التحتية.
ووفقاَ لمنظمات حقوقية وناشطون في السودان فإن العديد من النساء في ولاية الجزيرة وسط البلاد التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، أقدمن على الانتحار بعد اغتصابهن من قبل جنود يتبعون للدعم السريع وأخريات تفكرن في الانتحار خوفاَ من الاغتصاب.
ترى رئيسة مبادرة "لا لقهر النساء" أميرة عثمان حامد، أن المرأة قادرة على استعادة الحياة من جديد رغم ما تعرضت له من انتهاكات، مشيرةً إلى أن السودان يعيش في ظل أزمة إنسانية حادة في كل مكان ولا يمكن القول إن المؤسسات النسوية ستسعى للنهوض بهذا الواقع لكنها تعمل بجد وترفع صوتها بشعار "لا للحرب" حتى لا يضيع "الوطن والمواطن" من أجل السلطة.
وحول إحصائيات العنف المرتكب ضد النساء منذ بدء الصراع في بلادها، أوضحت أنه لا يمكن الحصول على إحصائيات في ظل عملية إخفاء الجرائم في مناطق الصراع وعدم التمكن من الوصول إلى المتضررين، وتتأسف على أن الصراع يجري على جسد السودانيات، واصفة الوضع بـ "نكسة تاريخية".
وأكدت أميرة عثمان حامد سعيهم للعمل ورفع صوتهم رغم سوء الوضع "لا نستطيع التنصل من مسؤوليتنا سنفعل كل ما في وسعنا"، متمنية أن تأتي الأعوام القادمة بلا عنف ضد النساء في العالم عامةً.
العنف الذي تواجهه النساء في السودان دعاهن للانخراط في معسكرات التدريب لحمل السلاح وتعلم فنون القتال من أجل الدفاع عن أنفسهن من جرائم الاغتصاب والعنف الجسدي وغيرها من الانتهاكات في ظل رفض المجتمع السوداني بأن تنخرط المرأة في المجال العسكري، كما كسرن بعض العادات والتقاليد البالية التي تحصر دور المرأة في منزلها فقط، خاصة في المناطق البدوية التي يقوم فيها الرجال بجميع المهام الخارجية.
وكانت قد نشرت قوات الدعم السريع مقاطع فيديو لجرائم اغتصاب جماعي لنساء بمناطق انتشارهم، ولد ذلك حالة من الرعب لدى الأسر، حيث اضطرت بعضها لإخراج نسائها من المناطق المستعرة بالاشتباكات إلى الولايات الآمنة، وهناك فُتحت معسكرات التدريب على استخدام الأسلحة الخاصة بالدفاع عن النفس منها الكلاشنكوف.
مودة بابكر مساعد عضو حركة نساء ضد الحرب، تقول إن أكثر الفئات المتضررة من الحرب هم النساء ما زاد الأمر سوء عملية الانتهاكات التي تتعرضن لها باغتصابهن ودخول المنازل للبحث بشكل خاص عنهن، مشيرةً إلى أن أكثر من 120 امرأة في منطقة السريحة بولاية الجزيرة التي تسيطر عليها الدعم السريع حاولن الانتحار "بعضهن انتحر بسبب الاغتصاب".
وقالت مودة بابكر إن عدد من النساء المتواجدات في مناطق النزوح تعانين في تربية أطفالهن، موضحة أن المرأة قطعت مسافات كبيرة من أجل الوصول لمناطق آمنة، داعية إلى ضرورة توفير الدعم النفسي لها.
وفي ظل الإعلان العالمي عن بلوغ المجاعة في السودان أعلى مستوياتها وأن هناك مأساة إنسانية كبيرة في البلاد، وانخفاض الأنشطة الزراعية والتجارية وارتفاع معدلات البطالة، اضطرت العديد من النازحات إلى خلق مشاريع صغيرة للنهوض بوضعهن وإعالة أسرهن ورعاية أطفالهن.
فيما تناضل الناشطات الحقوقيات من أجل المساواة بين الجنسين وحصول النساء والأطفال على حقهم في الرعاية الصحية والتعليم الذي حُرم منه 6.5 مليون طفل، معظمهم من الفتيات، ما يؤثر على مستقبلهم بالتالي استمرار الأزمة الإنسانية.
وكان قد اطلق رواد مواقع التواصل الاجتماعي وسم "احموا النساء من الاغتصاب" في السودان في الوقت الذي أعلن فيه الجيش السوداني عن انسحاب قواته من مدينة ود مدني في ولاية الجزيرة واستيلاء قوات الدعم السريع عليها.
ففي 29 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أكدت البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن الوضع في السودان أن "حجم العنف الجنسي الذي شهدناه في السودان مهول"، حيث لم يسلم من هذا العنف حتى الأطفال، في حين تم اختطاف نساء وفتيات لاستعبادهن جنسياً، لافتةً إلى أن معظم أعمال الاغتصاب ارتكبتها "قوات الدعم السريع".
وتروي أمينة النور قصة نزوحها من العاصمة الخرطوم إلى واحدة من الولايات الآمنة، وتقول إن قوات الدعم السريع قامت بطردها من منزلها بعد أن دلهم عليها أحد الجيران بحجة أن زوجها يعمل مع الجيش السوداني.
وأضافت وهي تذرف دموعها أنها اضطرت للخروج من منزلها برفقة بنتيها وإنها تعاني منذ ذلك الوقت وتعيش في مركز إيواء وتنام على الأرض، لافتةً إلى أنها لا تجد ما تعيش به، بالإضافة إلى الظروف الصحية التي تعاني منها.
وأكدت رئيسة الوحدة الحكومية السودانية لمكافحة العنف ضد المرأة سليمى إسحاق أن "جملة الحالات المسجلة لدينا هي 136 حالة عنف جنسي متصل بالصراع، لكن توجد الكثير من الحالات غير الموثقة، لأن طريقة الإبلاغ تكون صعبة، في ظل انقطاع الاتصال أو تردي الوضع الأمني نفسه، ومعظم الحالات قد لا تصل للمرافق الصحية ولا تبلغ".
بدورها تقول (خ، أ) وهي امرأة لم تغادر منزلها بشرق النيل بالعاصمة الخرطوم هي وابنيها منذ بدء الصراع، إنها تعيش حالة من الرعب والذعر بسبب العنف الذي تعرضت له نساء كن تقطن بذات المنطقة التي تعيش فيها.
وأشارت (خ، أ) التي رفضت الكشف عن هويتها خوفاَ على حياتها، إلى أن المنطقة التي تسكن فيها تسيطر عليها قوات الدعم السريع وأن هنالك عدد من حوادث العنف التي تعرضن لها جاراتها منهم من تم قتلها داخل المنزل ومنهم من تعرضت لعملية اختطاف دون معرفة مصيرها، مؤكدة أنها تخشى الخروج من المنزل خوفاَ على حياته.
وبالرغم مما تتعرض له النساء السودانيات من انتهاكات منذ بدء الصراع، إلا أنهن لم يدخرن جهداً في البحث عن سبل للنجاة لهن ولأسرهن وللنساء الأخريات، كما جسدن مثالاً في الصمود والتحدي، وتدفعن ثمنها باهظاً كل يوم، لكن عزيمتهن لم تلين في البحث المستمر عن سبل للنجاة.
عنف الطفولة
بالرغم من أن هناك قانون أعلنت عنه وزارة العدل السودانية يجرم ختان الإناث في البلاد في تموز/يوليو 2020، والتي تصل عقوبة مرتكبيه إلى ثلاث سنوات سجناً مع دفع غرامة مالية حتى لو كان طبيباً، إلا أنه لا تزال العديد من العائلات خاصة في المناطق الريفية تمارس هذه العادة.
فالتشريعات الموجودة عبارة عن أوامر أو لوائح تمنع المختصين من الأطباء والممرضات عن القيام بإجراء عمليات بتر وتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، مع ذلك لم تحد هذه اللوائح أو تمنع انتشار الختان وظل كثير من الكوادر الطبية يمارسه في الخفاء حتى في العاصمة الخرطوم.
ويتسبب الختان في أضرار عدة من بينها حالات وفيات وسط الأمهات اللواتي لم تسلم أجسادهن من التشويه، فضلاً عن تعثر الولادة الطبيعية، مما يضطر كثيراً منهن لإجراء عمليات قيصرية.
ففي الفترة من عام 2003 وحتى نيسان/أبريل 2023، نظمت حملات توعوية عدة، فضلاً عن برامج وأنشطة من المدافعات عن حقوق المرأة والمجموعات النسوية الغرض، منها توسيع دائرة المعرفة والثقافة فيما يخص ختان الإناث، أسهمت في خفض النسبة في عموم ولايات السودان.